تسابق حركة "فتح" الزمن حتى تنتهي من إعداد قائمتها للانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في 22 مايو/أيار المقبل، وترتيب بيتها الداخلي الذي يشهد انقسامات ومطالب وشروطا، وفصلا واحتجاجات من قيادييها وعناصرها، وتهديدا بالاعتقال لكل من يفكر بتشكيل قائمة منفردة. وكان أمس الخميس، هو اليوم الأخير لتلقي جميع ترشيحات الحركة من الضفة الغربية وقطاع غزة وتقديمها للجنة المركزية للبتّ فيها.
وتسعى قيادة الحركة لتفكيك أي عقبات تعترض طريقها نحو المشاركة بقائمة موحدة في الانتخابات، عبر تلبية اشتراطات، كما فعلت مع القيادي الأسير مروان البرغوثي بتعديل قانون الترشح للرئاسة، أو عبر فصل القيادي ناصر القدوة من مركزية الحركة وملاحقته لفصله من المؤسسة التي يرأسها (مؤسسة ياسر عرفات) حتى لا تمتد مطالبه بتغيير النظام السياسي، إلى قيادات أخرى. وللهدف نفسه، أي تفكيك العقبات، أكد أمين سر اللجنة المركزية للحركة، جبريل الرجوب أخيراً، أنه لن تكون "هناك قائمة مشتركة مع حركة حماس"، بعد اعتراض كبير من القاعدة الفتحاوية في قطاع غزة، تحديداً من معتقلي الحركة في سجون الاحتلال، على هذه القائمة.
تعمل قيادة "فتح" لإخراج البرغوثي من لعبة الانتخابات
وعملت قيادة "فتح"، حتى الآن، بجدٍ على إخراج القيادي مروان البرغوثي من لعبة الانتخابات التشريعية، وذلك عبر الاستجابة لاشتراطه بتعديل قانون الترشح للرئاسة. وكان الرئيس محمود عباس عدّل القانون، بموجب مرسوم رئاسي في 11 يناير/كانون الثاني الماضي، حتى يمنع البرغوثي من الترشح للرئاسة، مشترطاً في مرسومه أن يكون مرشح الرئاسة من قائمة (في المجلس التشريعي) أو حزب، لكنه تراجع عن هذا التعديل، متذرّعاً بوقوع خطأ غير مقصود أدى إلى سقوط عبارة "إذا كان مرشحاً عن قائمة أو حزب" سهواً. وبالفعل، تم نشر تنويه في مجلة "الوقائع" الخاصة بالقوانين الفلسطينية يوم 18 مارس/آذار الحالي، ليصبح نصّ المادة على النحو التالي: "يرفق مع طلب الترشح صورة عن البرنامج الانتخابي، ونسخة إلكترونية ملونة عن الشعار والرمز الانتخابي، وشهادة عدم محكومية، وكتاب من ممثل القائمة أو الحزب إذا كان مرشحاً عن قائمة أو حزب". وبالتالي، لم يعد شرطاً أن يكون المرشح للانتخابات الرئاسية مرشحاً عن حزب أو قائمة.
وكان البرغوثي أعطى عباس مهلة حتى 20 مارس الحالي، للعودة عن تعديله للقانون الذي أجراه في يناير/كانون الثاني الماضي، وإلا سيقوم بقيادة قائمة انتخابية للمجلس التشريعي. وهذا ما حصل، إذ قام الرئيس الفلسطيني بتعديل القانون عبر نشر "تنويه". في حين يرى عدد من القانونيين أنّ هذا "التنويه" لا يرتقي إلى درجة تعديل قانوني، والأهم أنّ باب التعديلات القانونية بمراسيم رئاسية، ما زال بيد عباس الذي يتعسّف باستخدامه، إذ أصدر نحو 400 مرسوم رئاسي منذ عام 2007 وحتى الآن، غالبيتها لإحكام سيطرته على مختلف السلطات ومناحي الحياة الفلسطينية.
وفي السياق، قال مدير "المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء" (مساواة)، إبراهيم البرغوثي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه وفقاً للمعلومات التي حصل عليها المركز، فإنّ التنويه جرى نشره بموجب رسالة موجهة من ديوان الرئاسة وموقعة من عباس، إلى ديوان الفتوى والتشريع، وما تم نشره استند إلى تلك الرسالة. وأضاف "كنا نأمل أن تنشر الرسالة ذاتها، لإزالة أي خلاف في التفسير حول القيمة القانونية للتنويه، وعمّا إذا كان صادر من الجهة التي أصدرت القرار بقانون، أم تصحيحاً لخطأ ورد في مجلة الوقائع، أي هل الخطأ الذي تم التنويه إليه صادر من جهة الرئيس أم مجلة الوقائع؟".
وتقول مصادر مقربة من مروان البرغوثي لـ"العربي الجديد"، إنه في السابع من الشهر الحالي، تمّ إبلاغ عضو مركزية "فتح" حسين الشيخ، المقرب من عباس، بأن "التعديل الذي أجراه الأخير على قانون الترشّح للرئاسة غير قانوني، ويرتقي إلى مستوى التزوير، وكان يجب أن يُطلق عليه اسم "قانون مروان"، لأنّ هدفه منع مروان البرغوثي من الترشح للرئاسة". وتابعت المصادر أنه "تم إبلاغ المقربين من البرغوثي أن المستشار القانوني لعباس، علي مهنا، سيقوم بتعديل القانون". ومطلع الأسبوع الماضي، تمّ إيصال رسالة واضحة لقادة الأمن وأعضاء مركزية "فتح" بأنه إذا لم يتم تعديل القانون قبل 20 مارس، فإن البرغوثي سيعلن عن تشكيل قائمة انتخابية، ليتم تعديل القانون عبر "تنويه".
الشيخ طلب من سلطات الاحتلال زيارة مروان البرغوثي مرة جديدة
وحسب معلومات "العربي الجديد"، فإن مركزية "فتح" كانت تجتهد لإنهاء قائمتها أمس الخميس، ليتسنى لها عرضها على الأسير البرغوثي الذي اشترط في لقائه مع عضو مركزية "فتح" حسين الشيخ، في 11 فبراير/شباط الماضي، أن يتم التشاور معه بأسماء المرشحين جميعهم، من الرقم واحد إلى رقم 132، أي جميع أعضاء القائمة. وحسب مصادر "العربي الجديد"، فإنّ الشيخ طلب من سلطات الاحتلال زيارة مروان البرغوثي مرة جديدة، لكن الاحتلال أجّل الطلب لحين الانتهاء من الانتخابات الإسرائيلية، التي أجريت يوم الثلاثاء الماضي، ما يعني أنّ زيارة الشيخ ممكن أن تكون اليوم الجمعة أو بعد غد الأحد. وتفيد المصادر نفسها، بأنّ "البرغوثي مدرك جداً للعبة الوقت الذي ربما يتم استخدامها لتبرير عدم التشاور معه، كما اشترط على الشيخ". وكانت حركة "فتح" قد قدمت قائمتها في الانتخابات التشريعية عام 2006، قبل ساعة فقط من انتهاء المدة القانونية لتسجيل القوائم.
وحسب مصادر مقربة من البرغوثي، فإنّ الأخير له الحق في الاعتراض على أي اسم من الأسماء الموجودة في القائمة وترتيبها، مشيرةً إلى أنه "في حال تم الإخلال بهذا الشرط، فإنّ من حق البرغوثي أيضاً فعل ما يراه مناسباً من دعم قائمة انتخابية أخرى للمجلس التشريعي". وأكد أحد المقربين من البرغوثي أن لديهم خطة "ب"، وهي بنك أسماء لقائمة انتخابية للمجلس التشريعي في حال لم يتم التشاور معه أو عدم أخذ رأيه بعين الاعتبار، ويمكن تقديمها في اللحظة الأخيرة قبل انتهاء الموعد المحدد لقبول قوائم الترشح حسب لجنة الانتخابات المركزية، وهو قبيل منتصف ليل الأربعاء المقبل في 31 مارس. لكن هذا الاحتمال يبقى غير مؤكد، في ظلّ رغبة البرغوثي في الحفاظ على وحدة "فتح"، تمهيداً لترشحه للانتخابات الرئاسية المخطط عقدها في يوليو/تموز المقبل، على الرغم من غضبه من فصل ناصر القدوة من مركزية الحركة.
وكان البرغوثي بعث برسالة إلى أعضاء مركزية "فتح" وعباس، يرفض فيها قيامهم بفصل القدوة، معتبراً ذلك إضعافاً للحركة من جهة، وغير قانوني من جهة أخرى، لأنه لم يُعرض على المجلس الثوري لأخذ موافقة ثلثي أعضائه، لا سيما أنه لم يكن هناك تصويت حقيقي من حيث المبدأ في مركزية "فتح". واستشهد البرغوثي في رسالته بكتلة "المستقبل" التي كان أسسها مع القيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، وعدد من قيادات "فتح" لخوض الانتخابات التشريعية عام 2006، وتم تسجيلها رسمياً لدى لجنة الانتخابات في 15 ديسمبر/كانون الأول 2005، جنباً إلى جنب مع قائمة "فتح"، إذ لم يُصر في حينه لفصل أي قيادي في هذه القائمة، بينما تم فصل القدوة حتى قبل أن يسجل قائمته الرسمية للانتخابات.
وكانت زوجة البرغوثي، المحامية فدوى البرغوثي، قامت الأسبوع الماضي بجولة عربية سريعة شملت الأردن وقطر، للتباحث حول إمكانية إيجاد غطاء عربي وإقليمي للبرغوثي في حال ترشح للانتخابات الرئاسية، فيما قام فلسطينيون على تواصل مع البرلمانات الأوروبية ببحث الأمر ذاته، مع دول أوروبية عدة، بناءً على طلب القيادي البرغوثي في الأشهر الماضية.
من الواضح أن حرب محمود عباس ضد ناصر القدوة لم تنته
أمّا على صعيد القيادي ناصر القدوة، عضو اللجنة المركزية لـ"فتح" قبل فصله بعد تصريحاته بضرورة تغيير النظام السياسي، وشروعه بتأسيس "الملتقى الوطني الديمقراطي"، فمن الواضح أنّ حرب الرئيس الفلسطيني ضده لم تنته بقرار فصله من مركزية الحركة، وكذلك فصله من رئاسة مجلس أمناء "مؤسسة ياسر عرفات"، والإيعاز للبنوك بعدم التعامل معه بما يخص المؤسسة. إذ تستكمل هذه الحرب ضده لعرقلة تسجيل قائمته الانتخابية، والتضييق عليه، وصولاً إلى إجباره على مغادرة الأراضي الفلسطينية بشكل كامل، كما يتردد في كواليس الحركة.
ويواجه القدوة عراقيل من البنوك الفلسطينية بشأن فتح حساب لقائمته، لا سيما أنّ أي قائمة بحاجة لجمع 20 ألف دولار، حسب شروط لجنة الانتخابات، لتسجيلها. وعلى الرغم من أنّ سلطة النقد أصدرت بياناً الأسبوع الماضي أوعزت فيه للبنوك بفتح حسابات للقوائم، إلا أن قائمة "الملتقى الوطني الديمقراطي" لم تستطع فتح حساب لها، إذ كان رد البنك بأنه يجب أن يكون هناك تعليمات من وزارة الداخلية حتى يستطيعوا فتح حساب للقائمة.
وتوضيحاً للموقف، قال القدوة في تصريح لـ"العربي الجديد": "التقينا برئيس لجنة الانتخابات الفلسطينية، حنا ناصر، والمسؤولة القانونية في اللجنة، التي أكدت أنّ هناك تعليمات للبنوك بأن أي شخص وكيل للقائمة بإمكانه أن يفتح حساب، بمعنى قائمة قيد التأسيس، لكن البنك رد علينا أنه ليس لديه تعليمات بهذا الشأن، وأن القصة مرتبطة بتسجيل القائمة بشكل رسمي، وليس مرحلة ما قبل تسجيل القائمة". وقال: "نحن مشكلتنا في ما قبل تسجيل القائمة بشكل رسمي، كيف سنأخذ العشرين ألف دولار والتي نحاول جمعها على شكل تبرعات، من أصدقاء الملتقى والمرشحين في قائمته". وتابع: "الناس المتنفذة والموجودة في النظام ليست لديها مشكلة"، مستدركاً "إذا اضطررت أن آخذ الـ20 ألف دولار في كيس إلى لجنة الانتخابات فسأفعل ذلك، وإلا ما الحل؟".
على صعيد آخر، تدور خلافات بين عناصر "فتح"، وتحديداً في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، على خلفية ما يتردد من أوامر عليا بترشيح رئيس الوزراء السابق رامي الحمد الله، إذ ترفض غالبية القاعدة الفتحاوية في المحافظة، ترشّح الحمد الله الذي سادت فترة ترؤسه للحكومة، اعتقالات كثيرة، على خلفية حرية الرأي والتعبير، طاولت عناصر "فتح"، فضلاً عن أنّ الرجل قدم استقالته بأوامر من قيادة الحركة بعد تظاهرات ضد سياسته.