قد يقرأ بعضهم تصريح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، حول إمكانية إجراء انتخابات مبكرة في سورية إذا توافقت المعارضة والنظام على ذلك، باعتباره نقلة نوعية في الموقف الروسي تجاه الصراع السوري، بعد عشرة أعوام من اندلاعه وتقديم موسكو كل أنواع الدعم لبشار الأسد لمواصلة الحرب ضد معارضيه.
بيد أن إعادة حسابات بسيطة، والنظر إلى توقيت هذا التصريح، الذي جاء بعد الانتخابات الرئاسية التي أجراها النظام، وتغطية موسكو لإعادة انتخاب بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة، وما تخلل كلام بوغدانوف عن إمكانية القبول بطرح سخّرت موسكو كل طاقاتها في سبيل عدم تحقيقه طوال سنوات الحرب، سيجعل قراءة الموقف تحتاج إلى العودة للخلف، لتفسير هذا التغيير.
حقيقة، ليس من تبدّل في موقف روسيا، والأسد خيارها الرئيس ولا يمكن القبول بغيره إلا بصفقة كبيرة مع الغرب، لم تتجلَ حتى إرهاصاتها بعد، لكن الروس اختاروا هذا التوقيت لتصريح بوغدانوف، في الوقت الذي ينتشي فيه الأسد "بانتصاره" في الانتخابات بمساعدتهم، ليوصلوا له رسالة مفادها: إن بقاءك في الحكم لسبع سنوات، كما تعتقد، أمر مرتبط بموقف منا، وعندما نقبل بالحل سنأتي بك إليه صاغراً، دون أن يكون لديك رفاهية التفكير بخيارات.
يريد الروس أن يضبطوا إيقاع تصرفات الأسد، قبل أن يشذ منتشياً بفوزه نحو إيران، فلا يزال صراع النفوذ بين الروس والإيرانيين قائماً على الأرض السورية، وهو صراع يحمل سعياً من الطرفين نحو السيطرة على مواقع حيوية اقتصادية، كالموانئ وحقول النفط وحتى المنافذ الحدودية. ولا تزال موسكو تعرقل مشاريع طهران الراغبة في الوصول إلى البحر، مثلاً، وتحقيق انتشار أكبر في مناطق الساحل السوري، على الرغم من مباركة الأسد لذلك، في فترة من الفترات.
"فركة الأذن" الروسية للأسد، تعد استباقية من قبل الروس، وهي خفيفة نوعاً ما، وقد يزيدون عيارها في حال أقدم الأسد على ما لا يعجبهم. صيف العام الماضي، كان الأسد يهم بتسليم ميناء اللاذقية لإيران بصفقة استثمارية كبيرة، منعتها روسيا في اللحظات الأخيرة، وحدّت من الوجود الإيراني في الميناء، لكنها عمدت إلى "فرك أذن" الأسد بقوة بعد ذلك، حين التقى سكرتيرها في الأمم المتحدة بمجموعة من العلويين المعارضين للنظام في الخارج، بالتزامن مع بدء تنفيذ عقوبات "قيصر" وتهديدها لكيان النظام، حينها قال الروس للأسد: إذا كنت تعتقد بأننا نفضّل العلويين في السلطة، فنحن نعرف غيرك منهم، وقد اجتمعنا معهم كذلك.
وعلى هذا، لا يمكن تصديق حدوث تحوّل كبير في موقف موسكو، تجاه الأزمة السورية، فيما الروس أساساً أحد أركان زيادة كارثيتها، وتصريح بوغدانوف يأتي في سياق حسابات داخلية بين الأسد وداعميه، ليس للسوريين، ولا حتى مسارات الحل، أي علاقة بها.