الشعار الذي واجه به جمهور ملعب وهران (غربي الجزائر) رئيس الحكومة الجزائرية أيمن بن عبد الرحمن، خلال اختتام ألعاب المتوسط، سياسي بامتياز وامتداد للحراك الشعبي بصورة أخرى، مختصر لكنه لائحة مدبجة ونص بيان، "ميزيرية وتحيا الجزائر" (رغم صعوبة المعيشة تحيا الجزائر). على بساطة هذا الهتاف وعفويته، تفكيكه يعطي الكثير من المعاني والرسائل السياسية بالأساس.
من النادر أن يجد رئيس أو رئيس حكومة جزائرية نفسه في حوار غير متكافئ مع الجمهور، وفي الملعب تكون الفرصة مواتية للشعب وخصوصاً الشباب للتعبير عن مواقفه السياسية إزاء مسؤول أو خيارات، وعن تطلعاته المتعددة في شقها السياسي والاجتماعي. وفي الحالة السالفة رسالة شعبية مثلثة الأبعاد إلى السلطة، يتضمن البُعد الأول عدم رضا الجزائريين بالمستويات المعيشية والظروف الحياتية. والاستخدام الجماهيري لكلمة "ميزيرية" (اشتقاق من كلمة فرنسية) التي تعبّر عن أقصى صورة للمعاناة والغبن الاجتماعي، يعني أن هناك نزعة وروحاً احتجاجية ضد الحكومة، ورفضاً من قبل الجزائريين لهذا الواقع الناتج عن السياسات الحكومية.
يعني ذلك أيضاً أن الجزائريين يدركون بكل الوعي، أن ظروفهم الحياتية غير مكافئة تماماً لمقدرات البلاد ولإمكاناتها، مقارنة مع شعوب بلدان تملك أقل بكثير من الثروات أو انطلقت في التنمية متأخرة عن الجزائر، لكنها تعيش في ظروف أحسن من الجزائريين. ومن المهم أن تصل هذه الرسالة بوضوح إلى المستويات الحكومية والضالعين في صناعة القرار، ليس للعلم، ولكن للقيام بما يلزم، أو التنحي، لأن الحراك الشعبي أشبه بواد خامل، يمكن أن يفيض في أي وقت.
في المقام الثاني رسالة شعبية تضمّنها الجزء الآخر من الهتاف السياسي، فعلى الرغم من هذا الوضع البائس، والمسافة الفاصلة بين جيل الثورة وجيل ما بعد الاستقلال الذي كابد المخلفات المباشرة للاستعمار، وجيل اليوم الذي لم يعش هذه الفترة بما حملته، إلا أن الجيل الشاب ما زال مرتبطاً بشكل عميق بالبلد. هذا الأمر مطمئن ويؤكد أن قيم الثورة متجددة، وأمكن لها أن تُبقي النزعة الوطنية في أوجها لدى الجزائريين، وأن تكون كافية لمقاومة إكراهات الظروف الحياتية المرتبكة للجزائريين، وأن هذه الأخيرة لم تدفع الأجيال الجديدة لأي كراهية إزاء البلد.
ومن بين الرسائل التي حملها الهتاف في وهران الجزائرية، أمام رئيس الحكومة، أن الملعب كفضاء عام ما زال قائماً كمنبر شعبي للتعبير السياسي، وفضاء منفلت من قبضة الرقابة السياسية، بعدما أحكمت السلطة إغلاق الشارع وفضاءات التعبير السياسي. ومع تراجع جائحة كورونا وعودة الجماهير إلى الملاعب عند انطلاق الدوري، فإن السلطة ستكون أمام حدث أسبوعي من التعابير السياسية الحادة، خصوصاً أن الملعب كان دائماً كذلك، ونظرياً كان المهد الرئيس لشعارات الحراك الشعبي.
كل هذه التفاصيل وغيرها، مرتبطة بديناميكية مجتمعية راهنة تتسم بارتفاع الروح الوطنية، وتمثّل فرصة ثمينة، يمكن أن تتحوّل إلى حافز لإطلاق مسار إصلاحي عميق. هي فرصة تشبه إلى حد بعيد ديناميكية مماثلة شهدتها الجزائر عام 1999، استُنهضت فيها الهمم وحُقن فيها الدم، لكن تلك الفرصة ضاعت بسبب غياب الرؤية وحضور النوازع السلطوية. تلك أفلتت من بين يدي الجزائريين، ويجب ألا تفلت الفرصة الراهنة.