استمع إلى الملخص
- **العلاقات الصينية-الإسرائيلية والتوترات مع الولايات المتحدة**: لم تكن هناك اتصالات رفيعة المستوى بين تل أبيب وبكين منذ بدء الحرب، وكثفت الصين محاولاتها للتقرب من الدول العربية، مما أثر على التعاون التكنولوجي بين الصين وإسرائيل تحت ضغط من واشنطن.
- **مستقبل العلاقات الصينية-الإسرائيلية**: من غير المتوقع أن تعود العلاقات إلى مسارها الطبيعي بعد الحرب، وقد تحتاج الصين إلى تقديم نفسها كطرف محايد إذا أرادت لعب دور أكبر في حل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي.
على الرغم من أن الصين لم تنحز لإسرائيل في حرب الإبادة على غزة المستمرة منذ عشرة أشهر، غير أن بكين اكتفت بمواقف كلامية ولم تستخدم نفوذها بشكل فعلي على تل أبيب للضغط عليها لوقف الحرب، في حين تمثّل الدور الصيني الأبرز في استضافة مؤتمر للمصالحة الفلسطينية، ليطرح ذلك تساؤلات حول مستقبل العلاقات الصينية الإسرائيلية بعد انتهاء الحرب. وقالت صحيفة ساوث تشاينا مورنيغ بوست، اليوم الأحد، إنه مع دخول الحرب الإسرائيلية على غزة شهرها العاشر واحتمال اتساع الصراع ليشمل إيران، كثفت واشنطن وبكين جهودهما الدبلوماسية في الأسابيع الأخيرة لممارسة نفوذهما وتحقيق وقف إطلاق النار.
ورحبت إسرائيل بتدخلات الولايات المتحدة، ولكنها تجاهلت إلى حد كبير اتفاق المصالحة الذي توسطت فيه بكين بين الفصائل الفلسطينية، بما في ذلك "حماس" و"فتح"، والذي جرى التوصل إليه في يوليو/ تموز الماضي، استعدادا لاتفاق محتمل بشأن الحكم بعد الحرب. كما تجنب الدبلوماسيون الصينيون إلى حد كبير التوقف في إسرائيل خلال جولاتهم الدبلوماسية المكوكية لإيجاد نهاية للأزمة.
ولم تدن الصين هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول العام الماضي، وهو ما يشكل مصدر قلق كبير بالنسبة لإسرائيل، وركزت حراكها الدبلوماسي إلى حد كبير على الجانب الفلسطيني والدول العربية. وزاد التوتر في العلاقات الصينية الإسرائيلية بعد نحو أسبوع من توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية في بكين، عندما اغتيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران في 31 يوليو/ تموز الماضي، إذ دانت الصين عملية الاغتيال. وفي أعقاب ذلك، اتصل وزير الخارجية الصيني وانغ يي بنظيره وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري، لتقديم الدعم وتأكيد حق إيران في الدفاع عن سيادتها. وكان وزيرا الخارجية تبادلا مكالمات هاتفية مماثلة في إبريل/ نيسان الماضي بعد الهجوم الإسرائيلي على سفارة طهران في سورية.
وواصلت الصين تعزيز علاقاتها مع إيران والسعودية منذ أن توسطت في اتفاق بين البلدين العام الماضي. وانتقلت العلاقات الصينية الإيرانية من مجال التعاون الاقتصادي إلى التعاون الدفاعي. وأصبحت إيران معتمدة بشكل أساسي على الصين في تجارة النفط في ظل العقوبات الغربية.
في المقابل، لم تكن هناك اتصالات رفيعة المستوى بين تل أبيب وبكين منذ بدء الحرب في غزة، وكان التبادل الوحيد على المستوى الوزاري عبارة عن مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الصيني وانغ يي، ونظيره الإسرائيلي في 23 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، وفي نفس اليوم الذي شهد مكالمة مماثلة مع وزير الخارجية الفلسطيني. وفي إطار جهود بكين للعب دور الوساطة في الصراع، كان المبعوث الخاص تشاي جون في جولة في المنطقة في نفس الوقت، ولم تشمل محطاته إسرائيل.
مع ذلك، توقعت وسائل إعلام صينية أن تظل بكين منفتحة على إعادة بناء العلاقات مع إسرائيل إذا كان هناك حوار بنّاء حول مستقبل الدولة الفلسطينية. ولكن في ظل الظروف الحالية، يبدو من غير المرجح أن يحدث تقارب كبير بين الصين وإسرائيل. ونقلت صحيفة ساوث تشاينا مورنيغ بوست عن غاليا لافي، نائبة مدير مركز ديان وغيلفورد غليزر لسياسة إسرائيل والصين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، قولها: "إن إسرائيل تسعى إلى تأمين مكانتها في المنطقة من حيث الأمن والاقتصاد. والصين لا تستطيع ضمان أمن إسرائيل، بل وربما تعمل على تقويضه من خلال دعم أعداء إسرائيل، وهذا يترك لنا الاقتصاد فقط، إذ إنه لا مجال للتعاون مع الصين إلا في الحالات التي لا يتعارض فيها الاقتصاد مع الأمن".
وتوقعت لافي أن يستمر تحالف تل أبيب مع واشنطن، إلى جانب تحركها بعيداً عن بكين. وأضافت أن الولايات المتحدة أثبتت أنها أفضل صديق لإسرائيل، وأن الأخيرة ستجد صعوبة في رفض المطالب الأميركية.
في هذه الأثناء، كثفت الصين محاولاتها التقرب من الدول العربية في المنطقة، واتهمت إسرائيل بالتسبب في أزمة إنسانية بغزة. وربما تجلى التباعد المتزايد بين بكين وتل أبيب في استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل. فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي في مايو/أيار الماضي أن نحو 54 في المائة من الإسرائيليين بدأوا ينظرون إلى الصين باعتبارها دولة غير صديقة أو حتى معادية.
وكانت التكنولوجيا قد لعبت دوراً حاسماً في تعزيز الروابط بين البلدين، إذ تزامنت طموحات الصين مع رغبة إسرائيل في الاستفادة من شراكاتها مع شركات التكنولوجيا الصينية العملاقة. ولكن عندما تصاعد التنافس بين الصين والولايات المتحدة في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أصبح تعاون إسرائيل مع الصين تحت التدقيق الشديد على نحو متزايد. وفي عام 2019، فتحت إسرائيل، تحت ضغط من واشنطن، تحقيقا في الاستثمار الأجنبي، خصوصاً في مجال التكنولوجيا، مستهدفة التدفق المتزايد للأموال الصينية. واستمر الضغط في ظل إدارة جو بايدن. ففي يناير/كانون الثاني 2022، وافقت إسرائيل على إخطار الولايات المتحدة بأي صفقات كبرى مع الصين.
استبعاد عودة العلاقات الصينية الإسرائيلية
وفي تعليقه على تدهور العلاقات الصينية الإسرائيلية، قال أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من غير المتوقع أن تعود العلاقات بين الجانبين إلى مسارها الطبيعي بعد انتهاء الحرب، في ظل الشرخ الكبير الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين في قطاع غزة". وأضاف أن إسرائيل "لا تختلف عن الفيليبين واليابان وكوريا الجنوبية في انجرارها خلف الولايات المتحدة، والوقوع فريسة في متاهة التنافس الاستراتيجي بين بكين وواشنطن".
وتابع تشين أن صورة إسرائيل بصفتها دولة "تآكلت بشكل كبير وسط ممارساتها التي تصنف أعمالَ إبادة، الأمر الذي دفع العديد من الدول إلى إعادة النظر في علاقاتها معها، والصين واحدة من هذه الدول التي لا ترغب في أن تكون على صلة بدولة تبدو منبوذة على الساحة الدولية".
من جهته، قال الباحث في معهد الدراسات الاستراتيجية في تايبيه، خون وانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن رغبة بكين في تسويق نفسها وسيطَ سلام في الأزمات الدولية "تحتم عليها الاتصال المباشر بإسرائيل، لأن الدخول وسيطاً في مسألة بحجم القضية الفلسطينية ومحاولة أخذ دور الولايات المتحدة، التي تتهمها الصين بالانحياز للطرف الإسرائيلي، يتطلب أن تقدم بكين نفسها طرفاً محايداً، عدا ذلك فإنها تسير على نفس خطى واشنطن في هذه المسألة، أي أنها تنحاز للطرف الفلسطيني وتتجاهل تماماً الجانب الإسرائيلي". وتوقع وانغ أن تعيد الصين النظر في علاقاتها مع إسرائيل بعد نهاية حرب غزة انطلاقاً من مصالحها الخاصة، ورغبتها في أن تكون راعية سلام في الأزمات الدولية.