رغم انقضاء عامين على توقيع اتفاقيتين لتدشين العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات والبحرين، لم تصل مستويات التدفق المتوقع للسياح من دول الخليج إلى إسرائيل إلى ما كان يطمح إليه المسؤولون في دولة الاحتلال.
وعلى الرغم من زيارة أكثر من نصف مليون إسرائيلي أبوظبي ودبي، لم يزر سوى 1600 مواطن إماراتي إسرائيل منذ رفع القيود المفروضة على السفر بسبب فيروس كورونا العام الماضي، وفقا لتصريح وزارة السياحة الإسرائيلية للأسوشييتد برس.
ولا تعرف الوزارة عدد البحرينيين الذين زاروا إسرائيل لأن "الأعداد ضئيلة للغاية".
وقال رئيس منتدى المرشدين السياحيين الناطقين بالعربية في إسرائيل، مرسي أبو الهيجاء، "لا يزال الوضع غريباً وحساساً للغاية. يشعر الإماراتيون وكأنهم يرتكبون خطأ بالمجيء إلى هنا".
ويعتقد خبراء أن نقص السائحين الإماراتيين والبحرينيين يعكس مشكلة صورة إسرائيل الطويلة الأمد في أذهان العالم العربي، كما يكشف عن محدودية الاتفاقيات الإبراهيمية.
ورغم ارتفاع حجم التجارة الثنائية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة من 11.2 مليون دولار عام 2019 إلى 1.2 مليار دولار العام الماضي، تراجعت شعبية الاتفاقيات في الإمارات والبحرين منذ توقيعها، وفقا لمسح أجراه معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وهو مؤسسة بحثية أميركية.
وفي الإمارات العربية المتحدة، انخفض الدعم من 47 إلى 25 بالمائة خلال العامين الماضيين. وفي البحرين، انخفض الدعم من 45 بالمائة خلال عام 2020 إلى 25 بالمائة. وخلال تلك الفترة، وقعت اشتباكات بين فصائل فلسطينية في غزة وإسرائيل أدت إلى حرب مدمرة وتصاعد أعمال العنف في الضفة الغربية المحتلة إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن السياحة الخليجية إلى إسرائيل جزء مفقود كان من شأنه أن يحول الاتفاقات إلى ما هو أبعد من العلاقات الأمنية والدبلوماسية. كما أن الأفواج السياحية من مصر والأردن، وهما أول دولتين وقعتا اتفاقات سلام مع إسرائيل، غير موجودة بالمرة تقريبا.
وصرح السفير الإسرائيلي لدى الإمارات، أمير حايك، للأسوشييتد برس، قائلاً "نحن بحاجة إلى حث (الإماراتيين) على زيارة إسرائيل.... إنها مهمة ملحة. نحن بحاجة إلى الترويج للسياحة حتى يعرف الشعبان بعضهما البعض ويفهمان بعضهما البعض".
وتوجه مسؤولو السياحة الإسرائيليون إلى الإمارات الشهر الماضي في حملة تسويقية للترويج لإسرائيل وجهة آمنة وجذابة لقضاء العطلات. وقالت الوزارة إنها تسعى لتحويل تل أبيب -المركز التجاري والترفيهي لإسرائيل- إلى مصدر جذب للإماراتيين.
وترى شركات السياحة أن الرهان على القدس أدى إلى نتائج عكسية حتى الآن، حيث أدت الاضطرابات في المدينة المتنازع عليها إلى ابتعاد الإماراتيين والبحرينيين، الذين واجه بعضهم ردة فعل عنيفة من الفلسطينيين الذين يرون في التطبيع خيانة لقضيتهم.
وقال مدير مؤسسة "شراكة" دان فيفرمان، التي تروج لتبادل الزيارات الشعبية بين إسرائيل والعالم العربي "لا يزال هناك الكثير من التردد من العالم العربي. إنهم يتوقعون أن تكون (إسرائيل) منطقة نزاع، ويتوقعون أن يتعرضوا للتمييز".
وبعد قيادة رحلتين للبحرينيين والإماراتيين إلى إسرائيل، وجدت "شراكة" صعوبة في إيجاد المزيد من مواطني دول الخليج العربي المهتمين بالزيارة، على حد قول فيفرمان.
وعندما زارت مجموعة من المؤثرين الإماراتيين والبحرينيين على وسائل التواصل الاجتماعي في عام 2020 المسجد الأقصى، تعرضوا للبصق والرشق بالأحذية في البلدة القديمة بالقدس، بحسب أبو الهيجاء، مرشدهم السياحي.
وعندما زارت مجموعة أخرى من المسؤولين الإماراتيين إحدى بؤر التوتر برفقة الشرطة الإسرائيلية، أثار ذلك غضب مفتي القدس الشيخ محمد أحمد حسين، الذي أصدر فتوى ضد الإماراتيين الذين يزورون المسجد تحت إشراف إسرائيلي.
ويقول معظم الإماراتيين والبحرينيين الذين زاروا إسرائيل إنهم تخلوا عن لباسهم الوطني حتى لا يجذبوا الانتباه.
ورفضت دائرة الأوقاف الإسلامية، التي تدير المسجد الأقصى، الإجابة عن تساؤلات حول عدد الزوار الإماراتيين والبحرينيين، وكيفية معاملتهم في الحرم القدسي.
ولا يقتصر الغضب الفلسطيني على الإماراتيين فحسب في الموقع المقدس، إذ يقول مواطنون إماراتيون، يزورون إسرائيل ويدرسون فيها، إنهم يواجهون تهديدات متكررة بالقتل عبر الإنترنت.
وتقول المواطنة الإماراتية سمية المهيري (31 عاما) من دبي، التي تدرس التمريض في جامعة حيفا "لا يمكن للجميع التعامل مع هذا الضغط. لم أستسلم للتهديدات، لكن الخوف يمنع كثيراً من الإماراتيين من زيارة إسرائيل؟".
وقد يدفع الخوف من العنصرية ضد العرب في إسرائيل الخليجيين للإحجام عن الزيارة.
واعتقلت الشرطة الإسرائيلية سائحين إماراتيين في تل أبيب عن طريق الخطأ الصيف الماضي أثناء البحث عن مطلق نار من سيارة مسرعة.
كما شكا بعض الإماراتيين على مواقع التواصل الاجتماعي من إجراءات تدقيق مبالغ فيها من جانب مسؤولي الأمن في مطار بن غوريون الإسرائيلي.
ويقول أبو الهيجاء: "إذا أحضرتموهم إلى هنا ولم تعاملوهم بطريقة لائقة، فلن يعودوا أبداً، وسيطلبون من جميع أصدقائهم عدم الزيارة".
وتعهد بنيامين نتنياهو، الذي عاد لولاية سادسة رئيساً للوزراء الأسبوع الماضي، بتعزيز الاتفاقيات مع البحرين والمغرب والإمارات والسودان.
ولا تزال العلاقات الرسمية مع السودان بعيدة المنال في أعقاب الانقلاب العسكري، وفي غياب البرلمان للمصادقة على اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الولايات المتحدة.
وبصفته مهندس هذه الاتفاقات، يأمل نتنياهو أيضاً في توسيع دائرة هذه الدول، والتوصل لاتفاق مماثل مع السعودية.
ومع ذلك يخشى خبراء من أن حكومته الجديدة -الأكثر تشدداً في تاريخ إسرائيل- قد تزيد من ردع السائحين العرب الخليجيين، بل وتعريض الاتفاقات للخطر.
وقد تعهدت الحكومة الجديدة بتوسيع مستوطنات الضفة الغربية، وضم المنطقة كاملة، وهي خطوة جرى تعليقها شرطاً للاتفاق المبدئي مع الإمارات.
وتقول الدكتورة الخبيرة في شؤون دول الخليج بجامعة حيفا، موران زاغا: "لدينا سبب يدعو للقلق بشأن تدهور في العلاقات"، إلا أن حكومات دول الخليج لم تظهر أي سبب للقلق حتى الآن، فقد التقطت صور للسفير الإماراتي لدى إسرائيل وهو يعانق إيتمار بن غفير، أحد أعضاء التحالف الحكومي الأكثر تطرفاً، بحرارة خلال الاحتفال باليوم الوطني للإمارات الشهر الماضي.
واتصل رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بنتنياهو نهاية الأسبوع، لتهنئته ودعوته لزيارة البلاد، لكن موقف من ليسوا في السلطة بالإمارات يبدو مختلفاً، إذ كتب المحلل السياسي الإماراتي البارز عبد الخالق عبد الله على "تويتر" مغرداً "أتعجب من دعوة صهيوني فاشي واستيطاني إرهابي وسياسي متطرف لحفل اليوم الوطني للإمارات. لا مكان لهؤلاء على أرض الإمارات وفي سفاراتها". كما دعا عبد الله لتجميد اتفاقيات إبراهيم مؤقتاً.
(أسوشييتد برس)