تنطلق العملية الانتخابية في لبنان للاقتراع لبرلمان جديد مؤلف من 128 نائباً يومَيْ الجمعة والأحد المقبلَيْن للمقيمين في دول الاغتراب، قبل "اندلاع" المعركة الكبرى على الأراضي اللبنانية في 15 مايو/أيار، التي تعوّل عليها الأحزاب التقليدية للعودة إلى السلطة وإحراز الأكثرية النيابية مستغلّةً قانوناً انتخابياً، يرى مراقبون أنها فصَّلته على قياسها يوسّع حظوظها ويُضيّق فرص فوز المستقلّين والقوى التغييرية.
ورسا عدد المرشحين مع إقفال باب المهل على 718 توزعوا على 103 لائحة لكن تم تسجيل بعض الانسحابات في الأيام الماضية لأسباب سياسية وضغوط حزبية، في حين سجلت مشاركة كثيفة للقوى التغييرية التي انبثقت عن انتفاضة 17 تشرين بحيث بلغت النسبة 54% من إجمالي عدد اللوائح، بحسب شركة الدراسات والأبحاث "الدولية للمعلومات"، ومن شأن هذا التشتت أن يؤدي إلى تراجع حظوظها في الفوز.
وفي لمحةٍ عن القانون الانتخابي الذي أقرّ في 17/6/2017 وأجريت الانتخابات النيابية لأول مرّة على أساسه عام 2018، فإن النواب الـ 128 ومدة ولايتهم أربع سنوات ينتخبون على أساس النظام النسبي، ويقسم لبنان إلى 15 دائرة، ويكون الاقتراع عاماً وسرياً ولمرة واحدة، وتجرى الانتخابات في يوم واحد.
على صعيد المرشحين، أوجب القانون عليهم أن ينتظموا في لوائح قبل 40 يوماً كحد أقصى من موعد الانتخابات، على أن تضم كل لائحة كحد أدنى 40% من عدد المقاعد في الدائرة الانتخابية بما لا يقلّ عن ثلاثة مقاعد، وعلى أن تتضمن مقعداً واحداً على الأقل من كل دائرة صغرى في الدوائر المؤلفة من أكثر من دائرة صغرى، ويعتمد الكسر الأكبر في احتساب الحد الأدنى في الدوائر ذات المقاعد المفردة.
بالنسبة إلى الناخب، أعطى القانون لكل لبناني أكمل سنّ 21، سواء كان مقيماً أو غير مقيم على الأراضي اللبنانية، الحق في الاقتراع على أن يكون متمتعاً بحقوقه السياسية والمدنية.
واعتمد قانون 2017 الصوت التفضيلي، وطبق للمرة الأولى في دورة 2018، الأمر الذي أدخل التنافس إلى اللائحة الواحدة وبين المرشحين الحلفاء لا فقط الخصوم، بحيث أن "للناخب أن يقترع للائحة واحدة بين اللوائح المتنافسة ويحق له الاقتراع بصوتٍ تفضيلي واحد لمرشح من الدائرة الانتخابية الصغرى من ضمن اللائحة التي يكون قد اختارها مع العلم أنه في حال لم يقترع الناخب بصوت تفضيلي يبقى اقتراعه صحيحاً وتحتسب فقط اللائحة، لكن إذا أدلى بأكثر من صوت تفضيلي واحد ضمن اللائحة فلا يحتسب أي صوت تفضيلي وتحتسب اللائحة وحدها". مع الإشارة إلى أن الأوراق البيضاء تعتَبَر تصويتاً صحيحاً ولا تحتسب من ضمن الأوراق الباطلة.
النظام النسبي
وتبعاً للنظام النسبي الذي قام عليه القانون الانتخابي، "يتم تحديد عدد المقاعد العائدة لكل لائحة انطلاقاً من الحاصل الانتخابي (مجموع المقترعين في الدائرة مقسوماً على عدد المقاعد النيابية) الذي يحدد بعد قسمة عدد المقترعين في كل دائرة انتخابية كبرى على عدد المقاعد فيها، هذا ويتم إخراج اللوائح التي لم تنل الحاصل الانتخابي من احتساب المقاعد ويعاد مجدداً تحديد الحاصل الانتخابي بعد حسم الأصوات التي نالتها هذه اللوائح".
كذلك، "تمنح المقاعد المتبقية للوائح المؤهلة التي نالت الكسر الأكبر من الأصوات المتبقية من القسمة الأولى بالتراتبية على أن تتكرر هذه العملية بالطريقة عينها حتى توزيع المقاعد المتبقية كافة".
وفي حال بقاء مقعد واحد وتعادل الكسر الأكبر بين لائحتين مؤهلتين، يصار إلى منح المقعد إلى اللائحة التي كانت قد حصلت على العدد الأكبر من المقاعد. وفي حال حيازة اللائحتين على المقاعد ذاتها فيُمنح عندها المقعد للائحة التي نال مرشحها الذي حلَّ أولاً النسبة المئوية الأعلى من الأصوات التفضيلية. وفي حال تعادل النسبة المئوية من الأصوات التفضيلية لمرشحي المرتبة الأولى في اللائحتين فيُمنح المقعد للائحة التي نال مرشحها الذي حلّ ثانياً النسبة المئوية الأعلى من الأصوات التفضيلية، وهكذا دواليك.
بعد تحديد عدد المقاعد الذي نالته كل لائحة مؤهلة، يتم ترتيب أسماء المرشحين في قائمة واحدة من الأعلى إلى الأدنى وفقاً لما ناله كل مرشح من النسبة المئوية للأصوات التفضيلية في دائرته الصغرى أو في دائرته التي لا تتألف من دوائر صغرى.
تحتسب النسبة المئوية من الأصوات التفضيلية لكل مرشح على أساس قسمة أصواته التفضيلية على مجموع الأصوات التفضيلية التي حازتها اللوائح المؤهلة في الدائرة الصغرى أو في الدائرة التي لا تتألف من دوائر صغرى. وفي حال تعادل النسبة المئوية من الأصوات التفضيلية بين مرشَحين، يتقدم في الترتيب المرشح الأكبر سناً، وإذا تساووا في السِنّ يُلجأ إلى القرعة من قبل لجنة القيد العليا.
تجري عملية توزيع المقاعد على المرشحين الفائزين بدءاً من رأس القائمة الواحدة، التي تضم جميع المرشحين في اللوائح، فيعطى المقعد الأول للمرشح الذي حصل على أعلى نسبة مئوية من الأصوات التفضيلية ويمنح المقعد الثاني للمرشح صاحب المرتبة الثانية في القائمة بغض النظر عن اللائحة المنتمي إليها. وهكذا بالنسبة إلى المقعد الثالث حتى توزيع كامل مقاعد الدائرة للمرشحين المنتمين لباقي اللوائح المؤهلة.
وتتولى وزارة الداخلية إعلان النتائج النهائية الرسمية وأسماء المرشحين الفائزين ويبلغ الوزير هذه النتيجة فوراً إلى رئيس مجلس النواب وإلى رئيس المجلس الدستوري.
وقالت "المفكرة القانونية" إن الحاصل الانتخابي هو السقف أو العتبة الانتخابية التي يتوجب على اللائحة أن تحصل عليها كي تتمكن من الفوز بمعقد أو أكثر، بمعنى أنه يتم استبعاد اللائحة التي لم تحصل على هذا الحاصل، فلا تحصل على شيء، كما أن ارتفاع الحاصل وعدم ثباته يشكلان تقويضاً لفعالية النسبية المنتظرة.
ثغرات قانونية
يتوقف المستشار القانوني لمؤسسة "مهارات"، المحامي طوني مخايل، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عند أبرز الثغرات الموجودة في القانون الانتخابي، على رأسها العتبة الانتخابية العالية (الحاصل الانتخابي)، التي تحول دون وصول الأحزاب أو القوى الناشئة إلى البرلمان إلّا بنسبة ضئيلة، خصوصاً أن الأحزاب الموجودة في لبنان طائفية، ومنها ما يسيطر على جمهوره، الأمر الذي يؤثر كثيراً على أصواتهم، من هنا أهمية إعادة النظر في العتبة الانتخابية، مع العلم أن واقع لبنان الطائفي يصعّب من عملية إقرار قانون انتخابي "جيّد"، فمثلاً لو أردنا تصغير الدوائر فهذا سيقابله مال انتخابي إضافة إلى شدّ العصب الطائفي.
الثغرات الأخرى بحسب مخايل، عدم تطبيق الكوتا النسائية، ما يحول دون ضمان تمثيل أفضل للنساء علماً أن القانون الانتخابي نصّ عليها لكنها سقطت بعد تعديله في أكتوبر/تشرين الأول2021 تماماً كسقوط الميغاسنتر (مراكز مخصصة تنشأ في المناطق لتسهيل عملية الاقتراع) والبطاقة الممغنطة.
ويتطرق مخايل إلى أن أكثر ما يعيب القانون في ظل الأزمة الاقتصادية الراهنة وارتفاع أسعار المحروقات موضوع "الميغاسنتر" بحيث إن نقل الناخبين إلى مراكز الاقتراع، خصوصاً من المدن إلى القرى بات يستخدم كمالٍ انتخابي لا تقوى عليه الائتلافات التغييرية، مع العلم أن عامل التنقل قد يكون مؤثراً على نسبة الاقتراع، إلى جانب أن الميغاسنتر كان من شأنه أن يحلّ أيضاً الإشكالات الأمنية التي قد تحصل يوم الاقتراع، وهي حوادث متوقعة دائماً ومنتظرة من قبل الناس وسيؤثر سلباً على حماستهم بالتصويت، كذلك التخفيف من الضغوط الممارسة من قبل الأحزاب المهيمنة في المناطق.
ومن الثغرات أيضاً، الإنفاق الانتخابي الذي لا يطاول الأحزاب، بل يقتصر على اللوائح والمرشحين، وكذلك فإن القانون يحظر التمويل الأجنبي للائحة والمرشح من دون أن يشمل الحزب في خطوة يستفيد منها المرشح بطريقة غير مباشرة، وبالتالي فإن الأحزاب التي وضعت القانون الانتخابي أزالت منه كل المواد التي تقيّدها.
وينبه مخايل إلى أن القانون لم يعطِ استقلالية لهيئة الإشراف على الانتخابات التي تتبع لوزارة الداخلية ما من شأنه أن يهدد شفافيتها، وهي أصلاً غائبة عن أداء دورها ضمن الصلاحيات المعطاة لها ولم تفتح أي تحقيق رغم انتشار الرشاوى والزبائنية والفضائح التي تحصل بشكل علني، وهي غير قادرة على إثبات الإنفاق الانتخابي باعتبار أن أي مرشح يتخطى الإنفاق يحال أمام المجلس الدستوري، الملزم والحال كذلك بإبطال نيابته في حال فوزه.
ويضيف أن القانون بما يتصل بالإعلام الانتخابي والدعاية السياسية أخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص وعدالة الظهور الإعلامي، ولا سيما في ظل غياب الدولة والهيئة الرقابية. ولم يساهم القانون الانتخابي في التأثير على نسبة الاقتراع لانتخابات عام 2018، والتي بلغت 49.70%، بينما عزز صفوف الأحزاب السياسية التقليدية، فكانت الكتلة النيابية الكبرى لفريق رئيس الجمهورية ميشال عون وتياره السياسي برئاسة صهره النائب جبران باسيل.