تتصدر مبادرة أميركية سعودية سباق مبادرات أخرى لمحاولة إنهاء الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، في 15 إبريل/ نيسان الماضي في العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى، وأدت إلى مقتل نحو 500 من المدنيين وجرح الآلاف ونزوح مئات الآلاف إلى الولايات الأخرى.
وطبقاً لمعلومات حصل عليها "العربي الجديد" من مصدر سياسي مطلع على تفاصيل تلك التحركات، فإن مبادرة واشنطن والرياض وجدت تجاوباً من طرفي القتال، بعد قبولهما المستمر بتجديد الهدنة بينهما ثلاث مرات بمعدل 3 أيام في كل مرة، وهو ما يعد مؤشراً إيجابياً على الرغم من الالتزام النسبي بها من كلا الطرفين.
وسارعت جهات إقليمية ودولية إلى محاولة التوسط لوقف الاشتباكات، مثل مصر والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية المعروفة اختصاراً بـ"إيغاد" والآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي و"إيغاد". وشكلت "إيغاد" منفردة فريقاً من رؤساء جنوب السودان وكينيا وجيبوتي لإدارة الأزمة، فيما برزت بصورة أكثر قوة مبادرة الولايات المتحدة والسعودية من خلال اتصالات مباشرة لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مع كل من البرهان وحميدتي، أعقبتها اتصالات مماثلة أجراها معهما وزير الخارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان.
وبحسب المعطيات التي قدمها المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، تضع المبادرة السعودية الأميركية مراحل متدرجة للتعاطي مع الشأن السوداني بتجلياته الأخيرة، والبداية بالضغط على الطرفين لتمديد الهدنة من أجل فتح الممرات الإنسانية وتسهيل حركة المواطنين والمقيمين وتمكينهم من قضاء احتياجاتهم والوصول إلى مناطق آمنة، على أن تكون المرحلة الثانية لتطوير الهدنة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، تعقبها مرحلة ثالثة للجلوس إلى طاولة التفاوض المباشر. وأوضح المصدر أنه جرى اقتراح مدينة جدة في السعودية لعقد المفاوضات، وفي حال التنسيق مع مبادرة "إيغاد"، فسيكون التفاوض في مدينة جوبا، عاصمة دولة جنوب السودان.
تعدد مراكز القرار
وكشف المستشار الإعلامي لقوات الدعم السريع أحمد عابدين، لـ"العربي الجديد"، أن المبادرة السعودية الأميركية تتقدم أكثر ونجحت في تجديد الهدنة للمرة الثالثة، وتحاول أن تطورها إلى وقف دائم لإطلاق النار، مضيفاً أنها "ربما نجحت في اختراق الموقف وخلقت تواصلاً مباشراً بينهم وبين الجيش".
وأبدى عابدين خشية مما قال إنه "معضلة تتصل بتعدد مراكز اتخاذ القرار داخل الجيش، الذي قال إنه ليس لديه موقف ثابت إلى الآن حتى في ما يلي الالتزام بالهدنة، وهو ما يجعل فرضية عرقلة أي مسعي للتوافق قائمة، لاعتبار أن هنالك طرفاً آخر أشعل هذه الحرب ويريد وقفها بشروطه"، على حد قوله.
وبيّن أن قوات الدعم السريع ليس لديها مانع في بدء مفاوضات أو أي مسعي يجنب البلاد سيناريوهات أخطر، "ولكن بالتأكيد، فإن وقف إطلاق النار والالتزام به بشكل قاطع هما خطوة أولى نحو تأكيد حسن النوايا، فكثير من المعاهدات السابقة فشلت نتيجة لتعرض قائد الجيش لضغوط من أطراف عدة". وأشار عابدين إلى أن الحرب اندلعت بناء على تلك الضغوط، من دون أن يكشف ما هي أو من يقف وراءها.
وحول أجندة قوات الدعم السريع في أي مفاوضات مباشرة، قال المستشار الإعلامي إنهم يؤكدون "المضي قدماً في التسوية السياسية المُفضية إلى سلطة مدنية تقود الفترة الانتقالية وصولاً إلى انتخابات، ويحضر كذلك موضوع الجيش القومي الواحد المهني خلال التفاوض، وكذلك موضوع إجراء تحقيق في كيفية اندلاع تلك المواجهات لمعرفة من يقف خلفها ومدى التزام الأطراف بمنع عودة النظام السابق وحماية العملية السياسية الكلية".
وأضاف عابدين أن الحل السياسي يتمثل في "عملية شاملة تتطلب إرادة حقيقية، وأولها تجنب الإصرار على احتكار واختطاف المشهد السياسي، لأن ذاك ما عقد العملية السياسية لأربع سنوات من عمر التغيير بعد سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير في إبريل/ نيسان 2019، وبالتالي، فإن ما يوجب انفتاح قوى إعلان الحرية والتغيير على القوى السياسية المؤمنة بالتحول المدني الديمقراطي هو ما يجب أن يكون شرطاً فقط للتوافق، لا أي شروط أخرى".
وبحسب تقديره: "لا سبيل لسد الطريق أمام القوى المتطرفة إلا بخلق أكبر تكتل مدني متوافق عليه، يمثل إسناداً لأي سلطة مدنية قادمة".
في المقابل، نفى المتحدث الرسمي باسم الخارجية السودانية عبد الرحمن خليل، بشدة، تعدد مراكز القرار داخل الجيش أو داخل الحكومة، مشيراً إلى أن "الجميع يعمل بتنسيق تام ويتخذ مواقف وقرارات موحدة يسندها الشعب السوداني الذي يقف بكلياته خلف قواته المسلحة".
ورهن خليل، في تصريح لـ"العربي الجديد"، نجاح المبادرة الأميركية السعودية بإقناع "متمردي الدعم السريع بالعدول عن تمردهم والانسحاب إلى مواقعهم وتسليم أسلحتهم للجيش، وهو أكثر ما تتطلع إليه الحكومة السودانية من المبادرة"، مستبعداً أي نقاش في موضوع سياسي مع "المتمردين" في الوقت الراهن.
صراع سياسي
من جهته، قال وزير الصناعة والتجارة الأسبق، مدني عباس مدني، إن "المبادرة السعودية الأميركية مهمة وجاءت في وقت مهم، ولا يتعارض ذلك مع أهمية وجود تصور داخلي من القوى المدنية الديمقراطية حول طبيعة الحل، فالصراع الحالي، حتى لو أخذ طابعاً عسكرياً، فهو يعبر عن صراع سياسي".
وأضاف مدني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "مسألة الزمن والتوقيت حاسمة في فض النزاعات، فالحلول المتاحة اليوم قد لا تكون مجدية في الغد، واستمرار النزاع في السودان سيعدد أطرافه محلياً وإقليمياً".
وذكر أن المبادرة السعودية الأميركية مقبولة ولا يمكن رفضها إلا من مستفيد من هذا الصراع. وبرأيه، فإن شروط نجاحها متعلقة بمدى معالجتها جذور الأزمة، مضيفاً أنها "ذات شقين؛ شق سياسي متعلق بضرورة الوصول إلى مسار سياسي يقود إلى تحول مدني ديمقراطي حقيقي، ومسار عسكري يقود إلى جيش مهني موحد ومحترف بعيد عن السياسة والاقتصاد وخاضع لقيادة مدنية وأن يجرى إبعاد العناصر الإسلامية من المؤسسات العسكرية والأمنية".
وحذر مدني من أنه "إذا لجأت المبادرة إلى حلول مجتزأة، فإن ذلك قد لا يوقف الصراع، ولو نجحت في إيقاف الحرب فسوف لن تضمن عدم تجددها قريباً وبشكل أعنف"، مشدداً على أن "المهم في كل تلك العملية هو وجود حضور وتصورات من القوى المدنية الديمقراطية للحل الذي يتناسب وطموحات الشعب السوداني".
عدم التزام واضح بالهدنة
من جهته، قال القيادي في حزب "البعث العربي الاشتراكي" عادل خلف الله، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أي جهد دولي أو إقليمي، بما في ذلك المبادرة السعودية الأميركية، لا يستصحب معه حراكاً سياسياً مدنياً مناهضاً للحرب وداعياً للسلام والتحول الديمقراطي، لن ينجح، مثل ما فشلت جهوده من قبل في منع انقلاب الجيش العام قبل الماضي، وبعدها في إعادة مسار التحول الديمقراطي، وأخيراً عجزه عن منع الحرب قبل منتصف الشهر الماضي، حينما كانت الأطراف تجهز بالعدة والعتاد".
وأوضح خلف الله أن "المطلوب قبل الجلوس للتفاوض هو الضغط على الطرفيين للالتزام بالهدنة المقترحة من الرياض وواشنطن من بين عدد آخر من المقترحات التي قبلا بها، لا لشيء إلا لقدرة أميركا والسعودية على التأثير عليهما".
ولفت إلى أن هناك عدم التزام واضح بالهدنة لعدم وجود آليات مراقبة وعدم الالتزام بقواعد الاشتباك بموجب الأعراف الدولية. وأشار إلى أن "القبول نفسه (بالمبادرة) له دوافع أخرى، منها حالة الضعف لدى الطرفين بعد نحو ثلاثة أسابيع، وتمكن الجيش من إبعاد الدعم السريع عن بعض المواقع الاستراتيجية"، ونبّه إلى أن ما حدث "هو ما توقعته القوى المدنية قبل الحرب الحمقاء من القتل وتحطيم البنى التحتية والنهب غير المسبوق في تاريخ السودان الطويل."
واقترح خلف الله تكوين آلية لمراقبة وقف إطلاق النار تضم خبراء قانونيين وأطباء وصحافيين، مهمتها رصد خروقات الهدنة ورصد خطاب التصعيد لضمان نجاح أي مبادرة.
أما رئيس منبر السلام العادل محمد أبو زيد كروم، فأعرب عن اعتقاده أن المبادرة يمكن أن تحدث اختراقات، لكنها لن تعمر ما دمرته الحرب في أسابيعها الماضية، خصوصاً مع الإشكاليات في الجيش والقوى السياسية والدعم السريع.
وبرأيه، فإن "السعودية وأميركا هما من أسباب الأزمة لعضويتهما في اللجنة الرباعية التي تمسكت بتسوية سياسية معطوبة وإقصائية لم توصل إلى حلول واقعية، وقادت إلى ما وصلت إليه البلاد من عدم استقرار ودمار وخراب".