يبرز تحول لافت في الاستراتيجية العسكرية المغربية في الفترة الأخيرة، مع كشف مجلة القوات المسلحة الملكية، في عددها لشهر يناير / كانون الثاني الماضي، عن استحداث منطقة عسكرية في شرق البلاد على الحدود مع الجزائر، في ظل استمرار التوتر بين البلدين بعد قطع الجزائر لعلاقاتها الدبلوماسية مع الرباط من جانب واحد.
وهذه هي المرة الأولى التي يولي فيها الجيش المغربي وجهه شطر شرق البلاد، لإقامة منطقة عسكرية متكاملة على غرار المنطقة العسكرية في الجنوب. وظل الهم الأمني المغربي يتمحور لسنوات على تأمين حدود البلاد الجنوبية (تشمل موريتانيا والمناطق الجنوبية في الجزائر)، والانتباه لتداعيات النزاع في الصحراء على الوضع الأمني.
يتركز عمل القوات في المنطقة الشمالية على تأمين الحدود مع الجزائر
وكان جرى منذ سنوات تقسيم الجيش المغربي إلى قيادتين، الشمالية ومقرها الرباط، والجنوبية ومقرها أكادير. ويتركز عمل القوات في المنطقة الشمالية على تأمين الحدود مع الجزائر، والمحافظة على الأمن الداخلي.
تعميم النظام العسكري للمنطقة الجنوبية على الشرقية
وتمتد المنطقة العسكرية الشرقية لمسافة 1559 كيلومتراً، على طول الحدود المغربية الجزائرية. وبموجب قرار استحداثها، وفق مجلة القوات المسلحة المغربية، فإنه سيتم "على غرار النموذج الدفاعي الفريد بالمنطقة الجنوبية، تعميم النظام الدفاعي والعيش العسكري الخاص بالمنطقة الجنوبية على المنطقة الشرقية، للحد من الجريمة العابرة للحدود من التهريب والهجرة السرية وتجارة الممنوعات، وكذا تعزيز قدرات الدفاع عن سلامة أرض الوطن".
وعلى امتداد السنوات الثلاث الماضية توالت مؤشرات على تحول في الاستراتيجية العسكرية المغربية، وتعاملها مع التهديدات والتحديات الأمنية المطروحة.
وكان من أبرز المؤشرات إصدار المفتش العام السابق للقوات المسلحة الجنرال عبد الفتاح الوراق، في العام 2019، تعليمات للقيادات العسكرية في جنوب وشمال المملكة لتنفيذ معالم استراتيجية تتركز على التصنيع ومكافحة التجسس.
وتهدف الاستراتيجية إلى تحديث المعدات التكنولوجية لدى الجيش، وتعزيز قدراته العسكرية، إضافة إلى ضخ دماء جديدة في مناطق حساسة، كالمنطقة الجنوبية، وإعادة العمل بخدمة التجنيد الإجباري.
تخصيص أرض لبناء قاعدة في جرادة
وفي خطوة لافتة، أصدر رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني مرسوماً، في مايو/ أيار 2020، يقضي بتخصيص أرض لبناء قاعدة عسكرية في محافظة جرادة، على بعد 38 كيلومتراً من الحدود مع الجزائر.
وأثارت الخطوة يومها غضب الجزائر، التي ردت بالإعلان عن "تشييد قاعدة عسكرية استراتيجية ومهمة على الحدود الغربية للبلاد، قبالة القاعدة العسكرية المغربية".
وكشف مصدر عسكري مغربي، حينها، أن الأمر يتعلق بثكنة ليس لها مواصفات قاعدة عسكرية، وأنها مخصصة للسكن، وتدخل في إطار خطة بدأ تنفيذها، قبل سنوات، لنقل الثكنات إلى خارج المناطق الحضرية. لكن تبين، بحسب التطورات الأخيرة، أن الهدف المغربي كان تشييد قاعدة.
يبقى من أبرز المؤشرات على تحول الاستراتيجية العسكرية المغربية اتخاذ قرار توسيع الجدار الأمني، الذي أصبح يبلغ طوله نحو 2065 كيلومتراً، كأطول حائط دفاعي في العالم، مباشرة بعد تمكن الجيش المغربي من تأمين معبر الكركرات، في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بعد أسابيع على إغلاقه من قبل عناصر محسوبة على جبهة "البوليساريو".
وكشفت تصريحات لمسؤول أمني، أدلى بها لموقع "يا بلادي" المحلي أمس الأول الإثنين، عن بعض أبعاد إنشاء المنطقة العسكرية الجديدة على الحدود مع الجزائر. واعتبر أنها جاءت "تتويجاً للجهود التي تم إطلاقها منذ أكثر من 10 سنوات. بدأ الأمر بتركيب (بناء) ثكنة للدبابات في منطقة دبدو، وبناء قاعدة في كرسيف (شرق البلاد)، وأخرى في أفسو قرب الناظور (شمال شرق المغرب)".
وأشار المسؤول الأمني إلى أن "وجود القوات المسلحة الملكية في المنطقة الشرقية سيتعزز في السنوات المقبلة، بتشييد قاعدة جوية في مطار العروي بالناظور، لاستيعاب الطائرات المقاتلة من طرازي إف 16 وميراج 2000، وكذلك الطائرات بدون طيار. وسيتم اعتماد ملحق مكمل لها في مطار وجدة-أنجاد" شرق البلاد.
وأعرب الباحث والخبير المهتم بالشؤون الأمنية والعسكرية محمد شقير، عن اعتقاده أن إنشاء المنطقة العسكرية الجديدة يدخل في إطار استراتيجية عسكرية من أجل تأمين الحدود المغربية.
محمد شقير: بعد إعادة السيطرة على معبر الكركرات، جاء الدور على المنطقة الشرقية
وأوضح أنه بعد إعادة السيطرة على معبر الكركرات، جاء الدور على المنطقة الشرقية، التي يمكن أن تشكل خطراً يهدد استقرار المملكة وأمنها. واعتبر شقير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "المنطقة العسكرية الشرقية، امتداد استراتيجي للمنطقة الجنوبية، وأن من شأنها إقفال أي مسالك أو ثغرات يمكن أن يتسرب منها أي تهديد".
التحرك سيحكمه الأسلوب الدفاعي
وأشار إلى أن التحرك في المنطقة العسكرية الجديدة سيحكمه بالأساس الأسلوب الدفاعي. وأوضح أن "المنطقة العسكرية الشرقية ستعمل على تحصين الحدود المغربية، خاصة بعد الاستفزازات التي قامت بها قوات الجيش الجزائري، من طرد لبعض المغاربة من أراض على الحدود، وتشييد مجموعة من القواعد هناك". واعتبر أن "التوتر الذي يسود العلاقات بين البلدين حالياً، يفرض إنشاء هذه المنطقة العسكرية".
من جهته، قال الخبير في الدراسات الجيواستراتيجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، إن "الإحاطة بأبعاد إقامة المنطقة العسكرية الجديدة تقتضي استحضار سياق ما تعيشه منطقة شمال أفريقيا، والساحل بشكل خاص، من تراكمات لمحددات عدم الاستقرار".
وأوضح الروداني، لـ"العربي الجديد"، أنه "في ظل التحديات الأمنية التي تشكلها الجماعات الإرهابية، أو القوى المحدثة للفوضى، والحاجة إلى تقوية الاستقلالية الدفاعية، قامت المملكة المغربية بإنشاء المنطقة العسكرية الشرقية، وذلك من أجل خلق توازن دفاعي ما بين المنطقتين الجنوبية والشرقية".
ولفت الروداني إلى أن من بين المحددات التي كانت وراء الخطوة المغربية أيضاً تحديث العقيدة العسكرية للمملكة في تعاطيها مع المشاكل المستقبلية، أو حتى خلق قوة ردع في المنطقة.
واعتبر أن "المغرب يتجه لخلق توازن داخل الاستراتيجية الدفاعية على مستوى التراب الوطني، في ظل حالة اللايقين في العلاقات المغربية الجزائرية، وما تعيشه ليبيا اليوم من وضع غير مستقر".