أحاديث التصدعات في "طالبان"... لا دخان من دون نار

11 نوفمبر 2024
حقاني في كابول، أكتوبر 2023 (وكيل كوهسار/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تزايدت الأحاديث حول خلافات داخل طالبان بين زعيم الحركة الملا هيبت الله أخوند زاده ووزير الداخلية الملا سراج الدين حقاني، خاصة بشأن تعليم الفتيات وتوزيع السلطة.
- يُعتبر الملا سراج الدين حقاني شخصية بارزة ومثيرة للجدل داخل طالبان، حيث أبدى مواقف تتعارض مع سياسات الحركة التقليدية، مثل دعوته لتعليم الفتيات وانتقاده لبعض القوانين.
- رغم الأحاديث عن الخلافات، يؤكد المتحدث باسم طالبان أن الحركة متماسكة، ويرى المحللون أن التباين في الآراء لا يعني وجود خلافات حقيقية.

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن وجود خلافات داخل حركة طالبان الأفغانية، خصوصاً بين زعيم الحركة الملا هيبت الله أخوند زاده وبين وزير الداخلية الملا سراج الدين حقاني، وهو أحد نائبي الملا هيبت الله وزعيم شبكة حقاني. وتتردد أصداء هذه الأحاديث في أفغانستان وباكستان وفي صفوف معارضين لـ"طالبان" يعيشون خارج البلاد، مثل أحمد مسعود، رئيس الجبهة المتحدة ضد حركة طالبان والمعروفة باسم جبهة بانشير، وبسم الله خان، العضو في الجبهة، وهو وزير الدفاع في حكومة (رئيس أفغانستان السابق) أشرف غني، وشكرية باركزاي، وهي نائبة في البرلمان أيام حكومة أشرف غني وغيرهم. لكن مصادر مطلعة داخل الحركة، سواء في الاستخبارات، أو في الجيش، وحتى مسؤولين في الحكومة تواصلت معهم "العربي الجديد"، وأخرى مقربة من كل من حقاني والملا هيبت الله وقياديين آخرين في طالبان، تحدثت معهم "العربي الجديد"، نفوا صحة هذه الأحاديث، معتبرين أنها مجرد تكهنات وقد تكون انعكاساً لآمال البعض.

تباين في وجهات النظر

تستند هذه الأحاديث إلى آراء وزير الداخلية الأفغاني الملا سراج الدين حقاني حيال بعض القضايا المهمة والتي تعارض بشكل قاطع مواقف زعيم طالبان الملا هيبت الله منها، تتقدمها قضية تعليم الفتيات وفتح أبواب المدارس والجامعات في وجههن. فسراج الدين حقاني تناول أكثر من مرة من خلال الإيحاءات والإشارات ضرورة فتح مدارس البنات وجامعاتها، في حين أن زعيم الحركة ومن حوله من مستشارين يعارضون تعلّم البنات. ويرى زعيم حركة طالبان ومستشاروه أن الأمر الوحيد الذي يجب على المرأة تعلمه، هو الدين، من خلال المدارس الدينية التي تزاول عملها وهي مفتوحة في ربوع البلاد بل وتزداد أعدادها.

كذلك انتقد الملا سراج الدين حقاني في الاجتماعات العامة تركز السلطة في أيادٍ محدودة، مؤكداً في الوقت نفسه أن ظاهرة الاستبداد ستخرّب الأمور أكثر، وبالتالي لا بد من توسيع الصلاحيات، ومنح المواطنين حقوقهم، وتأمين الوظائف للمواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الفكرية والمذهبية. كل ذلك علاوة على انتقاده الشديد لقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الجديد، خصوصاً بعض المواد التي تضيّق على المواطنين، منها حظر التقاط الصور لكل كائن حي، والتي موجبها قد أغلقت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسائل إعلامية في بعض الولايات، وهي أكدت أنها ستنفذ القرار تدريجياً في كل المدن والولايات. كما يستند المتحدثون عن وجود الخلافات في صفوف طالبان إلى مقابلة أجرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية مع حقاني في شهر مارس/آذار الماضي، ونشرتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي تحدث فيها عن حقوق النساء وتعليم الفتيات، وشدّد على أن القرار (منع تعلّمهن) مؤقت وسيمنح النساء كامل حقوقهن بعد ترتيب الأمور. كما تعهد بمنح جميع الأفغان حقوقهم.

إعلان طالبان تنفيذ قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ربما أجّج الخلافات بين حقاني والملا هيبت الله

وحاولت المقابلة التي أجرتها "نيويورك تايمز" مع حقاني أن تظهر أن ما تواجهه النساء في أفغانستان من حرمان من العمل والتعليم، تقع مسؤوليته على عاتق زعيم الحركة، وأن سراج الدين حقاني مستاء من ذلك. واستناداً إلى المقابلة، يرى الذين يتحدثون عن الخلافات أن هناك مواضيع مهمة تثير تصدعاً داخل صفوف "طالبان" وأن شبكة حقاني لا تزال فاعلة داخل الحركة. مع العلم أن شبكة حقاني هي منظمة مسلحة أفغانية تنسب اسمها إلى قائدها الأول مولوي جلال الدين حقاني، أحد قادة المقاومة المسلحة للاحتلال السوفييتي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. أُسست المنظمة على يد جلال الدين حقاني في عام 2002 بعد اجتياح القوات الأميركية لأفغانستان. توفي جلال الدين حقاني في سبتمبر/ أيلول من عام 2018، ليتولى سراج الدين حقاني، نجله، رئاسة المنظمة بشكل رسمي، بعدما كان يدير شؤونها قبل ذلك بشكل غير رسمي بسبب مرض والده وكبر سنه.

منذ البداية، كانت المنظمة تعتبر نفسها جزءاً من حركة طالبان الأفغانية، وقد بايع مؤسس المنظمة جلال الدين حقاني، زعيم ومؤسس "طالبان" الملا عمر مجاهد. للمنظمة نفوذ كبير في جنوب أفغانستان خصوصاً في ولايات خوست وبكتيا وبكتيكا. ولا توجد أي أرقام محدّدة بشأن عدد مسلحي الحركة ولكنهم كثر، ويتولى حالياً زعيم الشبكة سراج الدين حقاني، منصب وزير الداخلية ونائب زعيم الحركة الملا هيبت الله أخوند زاده. كذلك استند البعض لإثبات الخلافات داخل "طالبان" بين حقاني وزعيم الحركة، إلى نشر الأول تسجيلاً مصوّراً لوالده مؤسس شبكة حقاني، جلال الدين حقاني، يسمح فيه بالتقاط صور الكائنات الحية، وذلك بعد أن أعلنت طالبان تنفيذ قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خصوصاً الشق الذي يتعلق بحرمة أخذ صور الكائنات الحية، وأكدوا أن الخلافات تتعمق بين الطرفين.

ثمّة جهات معارضة لـ"طالبان" قد ذهبت إلى حد اعتبار أن حقاني لا يقبل أوامر الملا هيبت الله في تعيين الموظفين، والأخير يقيل كل من يعيّنه حقاني. في هذا الشأن، كتبت صحيفة "بايكاه" الصادرة باللغة الفارسية والمقربة من جبهة بانشير المعارضة لحركة طالبان في 15 أغسطس/ آب الماضي، أن عدداً من الأشخاص عيّنهم سراج الدين حقاني داخل وزارة الداخلية أقالهم زعيم حركة طالبان الملا هيبت الله أخوند زاده، وأن الخلافات قد وصلت إلى أبعد الحدود بين الجانبين. كذلك هناك نقاشات في الإعلام الباكستاني حول وجود مثل هذه الخلافات داخل حركة طالبان الأفغانية، وتستند جميعها إلى تصريحات ومواقف سراج الدين حقاني المغايرة لآراء هيبت الله أخوند زاده، لكنهم يتجاهلون أن حقاني يكرر الإشارة في كلمات له أنه يجلس مع أخوند زاده ويتباحث معه.

ذبيح الله مجاهد: الأعمال والأنشطة والمشاريع العملاقة والتحسن في كل المجالات دليل على التماسك والوحدة في صفوف الحركة

حركة طالبان "متماسكة"

يقول المتحدث باسم "طالبان"، ذبيح الله مجاهد، لـ"العربي الجديد"، إن "الحديث عن خلافات داخل طالبان ليس إلا جزءاً من الحملة الإعلامية التي يروج لها الأعداء، وفي حقيقة الأمر لا يوجد أي نوع من الخلافات، وهذا شيء ملموس ويعرفه كل من يراقب الوضع في بلادنا". ويضيف أن "الجميع في الحركة متماسكون موحدون، أميرنا واحد، وهدفنا واحد، لكن بعض الجهات المغرضة ما بقي لها شيء سوى المساهمة في الحملات الإعلامية ضد طالبان. نحن لا نهتم بتلك الأقاويل لأن لا مصداقية لها ولا أساس، ومجريات الأعمال والأنشطة والمشاريع العملاقة والتحسن في كل المجالات دليل على التماسك والتوحد في صفوف الحركة، وعدم وجود أي نوع من الخلافات".

من جهته، يقول المحلل السياسي الأفغاني محمد نور عادل، وهو مقرّب من قيادات "طالبان"، ولديه علاقات قوية معها، لـ"العربي الجديد"، إنه "لا شك أن هناك تبايناً في وجهات النظر بين سراج الدين حقاني وبين الملا هيبت الله زعيم الحركة، وليس هذا بينهما فقط، بل بين الكثير من قيادات طالبان، الذين لا يتوافقون مع كل ما تصدره الحركة من قرارات، خصوصاً في ما يتعلق بتعليم الفتيات وحقوق النساء وقانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولكن هذا لا يعني وجود خلافات أو تصدعات". وشدّد على أن من أبرز ما يميز حركة طالبان عن الحركات والتنظيمات الأخرى، برأيه، "ولاؤهم للأمير، وهم قد يختلفون مع زعيم الحركة في قضية أو عدد من القضايا، ولكن في نهاية المطاف كلّهم متماسكون ولا خلافات بينهم، أما قضية إقالة الناس أو تعيين الموظفين أو الخلافات في هذا الشأن، فهي أمور لا صحة او أساس لها".

محمد نهضت: العامل القندهاري مسيطِر داخل الحركة

كما يرى محمد نور عادل أن وجود الخلافات في صفوف طالبان وتمزقها، مجرد أمل لدى بعض الجهات، منها معارضو طالبان من جبهة بانشير وكذلك باكستان. وبحسب رأيه، فإن التوقعات كانت لدى إسلام أباد بأن حركة طالبان سوف تتمزّق وتنقسم إلى تنظيمات مسلحة عدة، يقاتل بعضها بعضاً، ولكن ذلك لم يحصل. لكن الأستاذ الجامعي محمد نهضت يعتبر في حديث لـ"العربي الجديد" أن التباين في وجهات النظر داخل حركة طالبان موجود، والخلافات أيضاً حاضرة، خصوصاً بين حقاني وهيبت الله، ولكن الأول، برأيه، لا يجرؤ على فعل شيء، وذلك لقوة هيبت الله ونفوذه. كما يلفت إلى أن العامل القندهاري (كل من ينتمي لهيبت الله زعيم الحركة يُعرّفون بأنهم قندهاريون نسبة إلى ولاية قندهار جنوب البلاد) هو الأقوى والمسيطر، وبالتالي فإن حقاني، حتى لو أراد أن فعل شيء، فإنه لا يستطيع.

المساهمون