فيما يتواصل النزاع المسلح في إثيوبيا بين القوات الاتحادية وقوات جبهة تحرير تيغراي (شمالي البلاد) التي تمكنت من حشد تحالف ضخم والتقدم نحو أديس أبابا لإسقاط حكومة أبي أحمد، فرضت الولايات المتحدة، أول من أمس الجمعة، عقوبات على الجيش والحزب الحاكم في إريتريا، "الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة"، الداعمين على الأرض لقوات أبي أحمد، في معركته ضد جبهة تحرير تيغراي المستمرة منذ عام، وهو ما قوبل بتنديد من أديس أبابا وأسمرة. ويرى متابعون أن لا أفق لحل سلمي في الحرب الإثيوبية المستجدة، وسط تحذير من أن هذه الحرب تختلف تكتيكياً عن معارك سابقة خاضها مقاتلو تيغراي.
فرضت واشنطن عقوبات على الجيش والحزب الحاكم في إريتريا
وأعلنت الولايات المتحدة، أول من أمس، فرض عقوبات على الجيش والحزب الحاكم في إريتريا، متهمة إياهما بالمساهمة في الحرب في إقليم تيغراي بشمالي إثيوبيا. واستهدفت العقوبات قوة الدفاع الإريترية "أي دي أف" وحزب "الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة" الذي ينتمي إليه الرئيس الإريتري أسياس أفورقي. كما أدرج على القائمة، رئيس مكتب الأمن القومي الإريتري أبرهه كاسا نيمريم و"صندوق هيديري"، وهو شركة قابضة تابعة للحزب الحاكم، إضافة إلى هاغوس غبريويت كيدان، المستشار الاقتصادي للحزب. وقالت وزارة الخزانة الأميركية إنه "منذ اندلاع النزاع في منطقة تيغراي، شاركت القوات الإريترية في تأجيج العنف"، مضيفة أنها "نشطت في جميع أنحاء إثيوبيا خلال النزاع، وكانت مسؤولة عن ارتكاب مذابح وعمليات نهب واعتداءات جنسية". واتهم البيان قوة الدفاع الإريترية و"الجبهة الشعبية" بـ"المساهمة في الأزمة وعرقلة جهود التوصل إلى اتفاق لوقف النار أو اتفاق سلام". وذكر أن جنود قوة الدفاع "تنكّروا في أزياء عسكرية إثيوبية قديمة وأغلقوا طرق الإغاثة الحيوية وهددوا العاملين في مستشفى رئيسي بشمال إثيوبيا". وقالت رئيسة مكتب العقوبات في وزارة الخزانة، أندريا غاكي: "ندين الدور المستمر الذي تمارسه الجهات الإريترية، والتي قوضت استقرار إثيوبيا وسلامتها وتسببت في كارثة إنسانية". وجاءت العقوبات بعد نحو 4 أسابيع من إصدار الرئيس الأميركي جو بايدن أمراً تنفيذياً يسمح بفرض إجراءات عقابية على الأفراد والهيئات المساهمة في الأزمة الإنسانية في إثيوبيا. وكانت واشنطن قد فرضت، في 23 أغسطس/آب الماضي، عقوبات على رئيس أركان قوات الدفاع الإريترية، الجنرال فيليبوس ولديوهانيس، بسبب "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان" ارتكبتها قواته في تيغراي.
من جهته، حذّر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أول من أمس، من "انفجار داخلي" في إثيوبيا يؤدي إلى اضطرابات ذات تأثير مدمر على المنطقة، إذا لم تبادر الحكومة و"جبهة تيغراي" إلى التفاوض.
ولقيت العقوبات الأميركية الجديدة على الفور تنديداً من إريتريا، واصفة الخطوة بأنها "غير قانونية ولاأخلاقية". وقالت وزارة الإعلام الإريترية إن "هذه العقوبات أحادية الجانب، التي تحمّل إريتريا المسؤولية وتجعل منها كبش فداء على أساس اتهامات زائفة، تتناقض مع القانون الدولي وتشكّل خرقاً صارخاً للسيادة". كما ندّدت الحكومة الإثيوبية بالعقوبات، داعية واشنطن إلى "التراجع عن قرارها". واعتبرت الخارجية الإثيوبية، أمس السبت، أنه "ينبغي توجيه الهدف الحقيقي للعقوبات وأي إجراءات أكثر تشدداً من قبل الحكومة الأميركية والأسرة الدولية باتجاه جبهة تحرير شعب تيغراي".
وتعليقاً على الحرب الدائرة في تيغراي، اعتبر المستشار القانوني السابق لقوات حفظ السلام في يوغسلافيا السابقة، الدكتور أيمن سلامة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن ضحايا الحرب الأهلية "حامية الوطيس" في إثيوبيا، "ليست الأنظمة السياسية، وإنما المدنيون الأبرياء العزل، غير المنخرطين في هذا النزاع المسلح الذي ناهز العام". وأشار إلى أنه "على الرغم من اشتراك القوات الإريترية، سواء القوات الجوية بالطائرات، أو البرية، في دعم النظام السياسي لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، إلا أنه وفقاً للقانون الدولي، فإن هذا النزاع لا يزال يوسم بأنه نزاع مسلح "غير دولي". واعتبر سلامة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لا آفاق عريضة لوقف النار، ولكن هناك بصيص أمل ضعيف جداً في التوصل إلى وقف للنار وتسوية سياسية بين الفرقاء، سواء أكان في الطرف الرئيسي في ذلك النزاع المسلح، وهو الحكومة الإثيوبية في أديس أبابا، أو بالنسبة للطرف الرئيسي الآخر، وهو الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بقيادة دبرصيون جبرميكائيل". وتحدث عن الجهود التي تبذل في هذا الإطار من قبل المنظمات الدولية الحكومية، خصوصاً جهود المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي، الرئيس النيجيري السابق أولوسيغون أوباسانغو، فضلاً عن تلك التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمم المتحدة، والاتصالات الحثيثة الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بأبي أحمد".
أيمن سلامة: النزاع يوسم بأنه نزاع مسلح غير دولي
ورأى سلامة أن "الطرفين الرئيسين المتقاتلين المتحاربين، الحكومة المركزية في أديس أبابا وقوات تيغراي، كل منهما يصر على موقفه ويرفض التنازل، لكن المستجد هو أن أبي أحمد، الذي حقّق السلام مع العدو اللدود له ولشعبه، أي إريتريا، التي صارت بعدها حليفاً لإثيوبيا حتى في النزاع المسلح الأخير، تفاوض مع الأعداء، لكنه يرفض التفاوض والإذعان لصوت العقل والحكمة والجلوس إلى طاولة المفاوضات مع أبناء وطنه التيغريين الذين سبق لهم أن صدّوا بقوة وبتضحيات كبيرة الهجوم الإريتري الكاسح داخل تيغراي في شمال إثيوبيا أثناء النزاع المسلح الدولي الذي وقع بين البلدين من عام 1998 حتى عام 2000".
وحول موازين القوة بين الطرفين، قال مستشار قوات حفظ السلام السابق، إنه "متوازن حتى هذه اللحظة"، حيث إنه "من غير المرتقب أن تقوم المليشيات المسلحة التيغرية باقتحام أديس أبابا، وهم لا ينوون ذلك حقيقةً، ومنتهى عزمهم وقرارهم الاستراتيجي هو فكّ الحصار عن العديد من المقاطعات الصغيرة والمدن أيضاً في إقليم تيغراي التي لا يزال يحاصرها الجيش الإثيوبي الاتحادي". واعتبر أنه "إذا حدثت تسوية ومفاوضات سياسية بعد وقف إطلاق النار، على اعتبار أن وقف النار هو اتفاق عسكري فقط، سواء مباشرة أو عن طريق وسطاء دوليين، فمن المحتمل أن تكون هناك صفقات سياسية مع تيغراي، وذلك بمنحهم بعض الحقوق الأكثر أهمية بالنسبة لهم، لأنهم ينظرون إلى أبي وكأنه انقلب على الشرعية والدستور الإثيوبي والتفاهمات التي كانت تجعل من تيغراي فاعلاً سياسياً مهماً في أديس أبابا".
وأكد سلامة أن "الحالة الوحيدة لوقف النار، هي في أن يفك الجيش الإثيوبي حصاره وينسحب من المواقع التي يحاصرها في إقليم تيغراي، أما إذا استمرت مليشيات تيغراي في التقدم نحو العاصمة أديس أبابا، هنا سيدق ناقوس الخطر في أذني أبي أحمد، ويتذكر عام 1991 حين زحف التيغريون من عاصمتهم ميكيلي في شمال إثيوبيا، ودخلوا أديس أبابا وأسقطوا الديكتاتور العسكري منغستو هيلا مريام الذي فرّ إلى الولايات المتحدة، بعدما أسقط التيغريون النظام الشمولي العسكري السابق". ووصف سلامة زعيم جبهة تحرير تيغراي دبرصيون جبرميكائيل، بـ"القائد الأسطوري" والذي كان "فتح العاصمة أديس أبابا يداً بيد مع الإريتريين في 1991 وأسقطوا النظام العسكري (ديرغ) برئاسة منغستو"، بحسب قوله، مذّكراً بأن "التيغريين كانوا نجحوا في عام 1941 عن طريق حروب الجبال والعصابات، في طرد المستعمر المحتل الفاشي الإيطالي الذي غزا إثيوبيا في 1936، وأيضاً قاموا بشنّ أكبر حروب العصابات والحروب الجبلية أثناء الحرب الإثيوبية - الإريترية، وفي النهاية فلحوا في طرد الإريتريين خارج الحدود الدولية الإثيوبية". كما ذكّر بأنه "في عام 1998، أُعفي القائد الحالي لجبهة تحرير تيغراي، دبرصيون جبرميكائيل، من القيادة العامة للجيش الإثيوبي بعدما كان عيّنه حليفه رئيس الوزراء السابق ميليس زيناوي في قيادة الجيش الإثيوبي، وذلك عندما أصّر الأول على اجتياح إريتريا، ما دفع زيناوي إلى إقالته". لكن سلامة حذّر من "أننا لسنا الآن بصدد حروب جبلية ولا حروب عصابات، ولكن هي حروب خاصة داخل المدن، لها استراتيجياتها وتكتيكاتها على الأرض المختلفة تماماً عمّا خبره المقاتلون التيغريون، أو ما يسمّون بالنمور".