بعدما كثرت التكهنات بشأن إمكان تأجيل الانتخابات التركية المقررة في مايو/ أيار المقبل، إثر الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية في 6 فبراير/ شباط الماضي وما تبعه من هزات، وسقوط أكثر من 45 ألف قتيل في تركيا وتشريد مئات آلاف المواطنين الأتراك، أطل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، ليؤكد أن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ستجري في موعدها الذي سبق وكشف عنه وهو 14 مايو المقبل.
غير أن إعلان أردوغان لا يعني أن الانتخابات قائمة حكماً في مايو، إذ يبقى القرار بيد اللجنة العليا للانتخابات، التي أرسلت قبل أيام فريقاً إلى الولايات المتضررة لإعداد تقارير حول إمكانية إجراء الانتخابات فيها، ويعود لها قرار إجراء هذا الاستحقاق أو تأجيله.
تحديات أمام إجراء الانتخابات التركية
وضربت كارثة الزلزال 11 ولاية تركية، أغلبها مؤيدة لأردوغان في جنوب البلاد، بعضها تضرر بشكل كبير، مثل ولايات هاتاي، وأدي يامان، وكهرمان مرعش، ومالاطية، وغازي عنتاب، وبعضها بشكل أقل، مثل عثمانية، وأضنة، وديار بكر، وشانلي أورفة، وكيليس، وآلازيغ.
وأثّرت الكارثة، بحسب الحكومة التركية، على ما نسبته 15 في المائة من سكان تركيا، البالغ عددهم 85 مليون نسمة، أي قرابة 14 مليون مواطن، انتقل عدد كبير منهم للولايات الأخرى، فيما يوجد قسم منهم في مناطق إيواء مؤقتة في المخيمات وسكن الجامعات والصالات الرياضية ومراكز أخرى.
المنطقة المنكوبة تشمل 8 ملايين ناخب تقريباً، وباتت خاضعة حالياً لقانون الطوارئ
والمنطقة المتضررة تشمل 8 ملايين ناخب تقريباً. وبحسب تقديرات حكومية غير نهائية، فإن نحو 3.5 ملايين مواطن من المنكوبين تركوا المنطقة، وخصوصاً ولايتي هاتاي وأدي يامان، التي غادر ربع أو ثلث سكانها وتوزعوا على باقي الولايات.
وفرضت الحكومة قانون الطوارئ في المناطق المتضررة لمدة 3 أشهر، وهذا القانون، إضافة إلى عملية النزوح السابقة، واتساع رقعة الدمار، تفرض تحديات حول إمكانية إجراء الانتخابات بموعدها.
وينص الدستور على عدم إمكانية إلغاء وتأجيل الانتخابات إلا في حالة الحروب، كما أن الفترة التشريعية والرئاسية الحالية تنتهي في يونيو/ حزيران المقبل، وبالتالي يجب إجراء الانتخابات قبل انتهائها.
أردوغان يؤكد موعد الانتخابات
وعلى الرغم من نفي حزب العدالة والتنمية الحاكم في وقت سابق تأجيل الانتخابات واكتفاء مصادر في الحزب بتسريبات لوكالة الأنباء العالمية عن احتمال التأجيل، عاد أردوغان، في كلمة له أمس الأربعاء أمام كتلة حزبه النيابية، للقول إن "الشعب سيقوم بما يلزم في 14 مايو"، في تأكيد واضح على بقاء الانتخابات في موعدها المحدد.
وبناء على هذه الخطة، يُنتظر أن يصدر أردوغان قراراً جمهورياً بإجراء الانتخابات، يُنشر في الجريدة الرسمية ليلة 10-11 مارس/ آذار الحالي (نظراً لأنه يفترض إجراء الانتخابات في أول يوم أحد بعد مرور 60 يوماً من نشر القرار). بعدها سيكون على اللجنة العليا للانتخابات العمل لإجراء الانتخابات، وسيكون بيدها قرار إمكانية إجرائها من عدمها.
وكانت الأحزاب المعارضة قد طالبت عقب الزلازل بعدم تأجيل الانتخابات وإجرائها في موعدها، على اعتبار أن الكارثة قد تؤدي إلى تراجع رصيد الحكومة جراء التبعات الكبيرة للزلازل وحجم الدمار وارتفاع عدد المنكوبين".
في المقابل، نقلت قناة "سي إن إن تورك" عن مصادر في "العدالة والتنمية" قولها إنه "يمكن إجراء الانتخابات، ولكن يجب العمل بشكل مكثف من أجل إعداد أسماء الناخبين"، وأضافت أن "من المقترحات المطروحة، وضع صناديق للناخبين في مناطق الإيواء، أو منح هويات منكوبين مؤقتة لهم تساهم في عملية الانتخابات، أو تسجيل عناوين ثانية لهم، وهو ما يحتاج إلى تحديث قاعدة البيانات وبذل ساعات عمل إضافية".
مصادر في "العدالة والتنمية": مقترحات بوضع صناديق للناخبين في مناطق الإيواء
وقالت المصادر إن "المادة 16 في قانون الانتخابات الجديد واضحة بأنه لا يمكن حرمان أي شخص من الانتخاب بسبب العناوين والسجلات، ويمكن له أن يقترع وفق آخر مكان انتخب فيه في السنوات السابقة"، مضيفة أن "الأيام المقبلة ستشهد اجتماعاً للتحالف الجمهوري الحاكم لاتخاذ إجراءات بهذا الصدد".
تحديات أمام أردوغان والمعارضة
وعن مآلات الانتخابات المرتقبة، قال الباحث في الشؤون التركية طه عودة أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "إعلان الرئيس أردوغان عن بقاء الانتخابات في موعدها خطوة تأتي في ظل تحديات صعبة، لا سيما ما يتعلق بموضوع المتضررين من الزلزال وكيفية إجراء الانتخابات في تلك المناطق"، مضيفاً "أعتقد أن العاشر من الشهر الحالي سيشهد الإعلان بشكل رسمي عن هذا الموعد".
وأردف "لكن اللجنة العليا للانتخابات هي التي ستؤكد إمكانية إجراء الانتخابات في موعدها"، معتبراً أن "الإعلان عن الانتخابات سيشكل تحدياً إضافياً للمعارضة (الطاولة السداسية)، التي من المتوقع أن تعلن في اجتماع مقرر اليوم الخميس، مرشحها التوافقي الذي سينافس أردوغان في الانتخابات المقبلة".
إعلان تأجيل الانتخابات سيخلق جدلاً كبيراً، خصوصاً في ظل الشكوك بجدية أردوغان بشأن إجراء الاستحقاق
أما في حال أعلنت اللجنة العليا أنها لا تستطيع إجراء الانتخابات وطلبت تأجيلها، فهذا الأمر، وفق عودة أوغلو، "سيخلق جدلاً واسعاً، لا سيما في ظل تساؤلات حول جدية تصريح أردوغان بشأن إجراء الاستحقاق في موعده، أم أنها مناورة كي لا يظهر بمظهر القلق من هذه الانتخابات"، وأضاف: "الصورة ستتوضح بشكل أكبر في الأسبوع المقبل، خصوصاً أن هناك صعوبات لوجستية، ولذا من المبكر التنبؤ والحديث عن مآلات المرحلة المقبلة".
أما المحلل السياسي محمد جيرين، فقال لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد ما يعيق الانتخابات دستورياً وقانونياً، فالدستور يؤكد أنه لا يمكن تأجيلها إلا في حالة الحرب، ولا يمكن لأي طرف في الدولة تأجيل الانتخابات"، ولفت إلى أن "قانون الطوارئ لا يسمح بتأجيل الانتخابات، كما أن تاريخه محدد بثلاثة أشهر، وهو ما يعني أنه سينتهي قبل إجراء الانتخابات، إذ أعلنت حالة الطوارئ في 7 فبراير الماضي، وصودق عليها في 9 من الشهر نفسه، وتنتهي في مايو قبل إجراء الانتخابات".
وأضاف أن "الصعوبات الأبرز التي تواجه الانتخابات هي أمور تقنية مرتبطة بخانات الناخبين وضبط عملية انتقالهم إلى المدن الأخرى، لأن تحديث العناوين وتحديد صناديق الاقتراع هما التحدي الأصعب، فضلاً عن وضع الصناديق في الولايات المتضررة"، لافتاً إلى أن "هناك أموراً تقنية دقيقة يجري العمل عليها، ستظهر تفاصيلها لاحقاً، وهي المعيق الأساسي".
من جهته، قال الكاتب فراس رضوان أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "موعد الانتخابات بالنسبة للرئيس أردوغان يحمل نقاطاً لصالحه وأخرى ضده، فهو يستطيع الإظهار للرأي العام أن الحكومة قادرة على السيطرة على الأمور وإجراء الانتخابات، والاستفادة مما يأتي بعد عملية رفع الأنقاض وبدء إعادة الإعمار، والاستفادة من ضعف المعارضة وعدم تقديمها مرشحاً رئاسياً واحداً"، وفي المقابل، لفت إلى أن أردوغان "بات محشوراً في وقت ضيق قبل الاستحقاق، وقد تستغل المعارضة ذلك للترويج لمسألة تقصير الحكومة في التعاطي السريع مع الزلزال، عندها قد تكون فاتورة ذلك في صناديق الاقتراع".