أزمة المصرف المركزي الليبي.. دلالات وتداعيات وتعقيدات

31 اغسطس 2024
المصرف المركزي الليبي في طرابلس 27 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **ترحيب الأطراف بدعوة مجلس الأمن للحوار السياسي**: رحبت الأطراف الليبية بدعوة مجلس الأمن للحوار السياسي برعاية البعثة الأممية، رغم استمرار تجاذب الصلاحيات بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب بشأن إدارة المصرف المركزي.

- **مواقف الأطراف وتداعيات الأزمة**: أظهرت بيانات المجلسين تعنتًا وتشبثًا بمواقفهما، مما أدى إلى تصعيد الأزمة. اقترح المجلس الرئاسي استشارة الشعب في المواد الخلافية، بينما دعا مجلس النواب إلى التشاور مع مجلس الدولة لتنظيم الانتخابات.

- **تداعيات الأزمة وتدخل المجتمع الدولي**: وصف الباحث بلقاسم القمودي مواقف المجلسين بأنها "تشغيب"، مما استدعى تدخلاً عاجلاً من الأمم المتحدة. أدى وقف تدفق النفط إلى تشديد المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، على ضرورة تجاوب الأطراف الليبية مع دعوة مجلس الأمن للحوار.

أبدت الأطراف المعنية بأزمة المصرف المركزي الليبي ترحيبها بدعوة مجلس الأمن إلى حوار سياسي بهدف التوصل إلى حل توافقي حول أزمة المصرف برعاية البعثة الأممية، في الوقت الذي عبّر فيه مراقبون عن قلقهم بشأن رغبة الأطراف في نقل الأزمة إلى سياقات جديدة تزيد من حدتها وتعقدها.

وفي أعقاب بيانات أصدرها المجلس الرئاسي ومجلس النواب، طرفا أزمة المصرف المركزي الليبي الأساسيان، طيلة أسبوعين، أظهرت إصرارهما في تجاذب كل منهما صلاحية تغيير إدارة المصرف ومحافظه، دعت البعثة الأممية بشكل عاجل، ليل الاثنين الماضي، الأطراف المعنية بأزمة المصرف إلى "اجتماع طارئ" بهدف التوصل إلى حل توافقي بينها.

وبسبب عدم تجاوب المجلس الرئاسي ومجلس النواب مع دعوة البعثة بشكل واضح، أصدر مجلس الأمن بيانا، الخميس الماضي، أكد فيه دعمه مبادرة البعثة الأممية، ودعا الأطراف الليبية إلى التجاوب مع دعوة البعثة إلى الحوار للتوصل إلى حل توافقي حول أزمة المصرف.

وشدد بيان مجلس الأمن على ضرورة التزام الأطراف الليبية بالاتفاقيات السياسية وبناء حوار بينها وفقا لنصوصها، وهي الاتفاق السياسي الموقع في الصخيرات عام 2015، واتفاق ملتقى الحوار السياسي الموقع في جنيف عام 2020، والقوانين الانتخابية التي أنجزتها لجنة 6+6 المشكلة من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وحث جميع القادة الليبيين على المشاركة في الحوار من دون شروط مسبقة.

وعقب بيان مجلس الأمن، أصدر مجلسا الرئاسي والنواب بيانين رحبا فيهما بدعوة مجلس الأمن إلى الحوار، إلا أن المجلس الرئاسي اشترط أن يبنى الحوار على نصوص في اتفاق جنيف تحيل صلاحية تعيين شاغلي المناصب السيادية إلى ملتقى الحوار السياسي، وذلك في حال تعذُّر توافق مجلس النواب ومجلس الدولة على تعيين شاغلي هذه المناصب.

واقترح المجلس الرئاسي الذهاب إلى خيار "استشارة الشعب" في المواد الخلافية في القوانين الانتخابية التي أنتجتها لجنة 6+6 واختلف مجلسا النواب والدولة بشأنها، "وسيلةً للوصول إلى توافق وطني، بهدف إجراء انتخابات عامة قبل 17 فبراير/شباط 2025".

من جانبه، رحب رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ببيان مجلس الأمن، لكنه شدد على ضرورة التزام جميع الأطراف الليبية ببنود الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي، التي تحصر صلاحية تعيين شاغلي المناصب السياسية، بما فيها محافظ المصرف المركزي، بالتشاور مع مجلس الدولة، مكررا اتهامه للمجلس الرئاسي بالتعدي على اختصاصات وصلاحيات مجلس النواب.

وفيما أوضح عقيلة أنه لم يجمّد اتفاق الصخيرات عندما أعلن انتهاء ولاية المجلس الرئاسي والحكومة في طرابلس، من دون أن يفصل في فصله اتفاق جنيف عن اتفاق الصخيرات، أكد التزامه مجلسه بالقوانين الانتخابية التي أنتجتها لجنة 6+6. ودعا مجلس الدولة إلى سرعة التشاور معه لوضع القوانين الانتخابية موقع التنفيذ لتنظيم الانتخابات تحت رعاية حكومة جديدة موحدة.

مواقف نحو التأزيم

ولا تعكس بيانات "الرئاسي" و"النواب" أي رغبة في الاستجابة إلى الدعوة الدولية للحوار، بحسب قراءة الأكاديمي والمهتم بالشأن السياسي فاضل الطويل، بقدر ما تعكس رغبة في التعنت والتشبث بمواقفهما، ما يؤدي إلى تأزيم أكثر، من خلال محاولة استثمارهما بيان مجلس الأمن لصالح تعزيز مواقفهما.

وفي حديثه لـ"لعربي الجديد"، يلفت الطويل إلى أن المجلس الرئاسي استثمر تشديد مجلس الأمن على التزام جميع الأطراف في حوارها بالاتفاقات السياسية والاستناد إلى شرعيتها، في بناء موقفه، فاشترط استناد الحوار إلى بنود في اتفاق جنيف تنقل اختصاص اختيار شاغلي المؤسسات السيادية إلى ملتقى الحوار السياسي إذا فشل مجلس النواب ومجلس الدولة في تعيينهم.

ويلفت الأكاديمي الليبي إلى أن المجلس الرئاسي ببياناته السابقة برر خطوته للسيطرة على المصرف المركزي بأنها جاءت نتيجة فشل مجلسي الدولة والنواب في إنجاز ملف المناصب السيادية وتركه قيد التجاذبات السياسية سنوات طويلة، ما جعل وتيرة التصعيد الأمني والعسكري تصل إلى ذروتها في الآونة الأخيرة، ولذلك تدخل. وأضاف: "لتعزيز موقفه هذا، أشار في بيانه الأخير إلى عجز مجلسي النواب والدولة في إنجاز القوانين الانتخابية أيضا، وليتدخل أكثر، اقترح طرح القوانين على الشعب للاستفتاء عليها للذهاب إلى الانتخابات".

وبحسب رأي الطويل، فإن الهدف من اقتراح المجلس الرئاسي هو دعم إنشائه قبل أسابيع مفوضية للاستفتاء على القرارات التشريعية والسياسية، موضحا أن "الرئاسي يعمل للالتفاف والسيطرة على الأوضاع بكل السبل، فلو نجح في فرض هذه المفوضية سيملك مصير كل الأجسام بطرح شرعيتها للاستفتاء عليها من الشعب، الذي من المؤكد أنه ليس راغبا في استمرار بقاء هذه الأجسام".

وفي مقابل ذلك، يرى المصدر ذاته أن بيان مجلس النواب استثمر تأكيد بيان مجلس الأمن شرعية مخرجات لجنة 6+6 المحدثة، ودعا مجلس الدولة إلى سرعة التشاور لوضع هذه القوانين موضع التنفيذ.

وإثر توافق مجلس الدولة، الأربعاء الماضي، على صحة انتخاب خالد المشري رئيسا للمجلس، بادر عقيلة صالح بالترحيب برجوع المشري إلى رئاسة المجلس، ودعاه "إلى تقاربات وتوافقات مع مجلس النواب تفضي إلى حلحلة الأزمة الليبية والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي واستقرار البلاد".

ويخلص الطويل إلى أن بيانات مجلسي الرئاسي والنواب "تعمل على تشتيت الأزمة حول المصرف المركزي الليبي بنقلها إلى سياقات أخرى". وأوضح في هذا السياق: "فكما يريد المجلس الرئاسي إرجاع ملتقى الحوار السياسي إلى مسؤوليته عن اتفاق جنيف، خاصة أنه مكلف بموجب هذا الاتفاق بتنفيذ بنوده، ولتعزيز موقعه في السلطة كون وجوده انبثق من هذا الملتقى، كذلك يريد مجلس النواب تفويت الفرصة على الرئاسي بحصر الحوار بينه وبين مجلس الدولة ونقل الحراك السياسي إلى مراحل متقدمة نحو الانتخابات".

واستدرك: "لكن بكل تأكيد، الهدف ليس الانتخابات بقدر ما هو قلب الطاولة على المجلس الرئاسي بالذهاب الى تشكيل حكومة موحدة بقوة القوانين الانتخابية التي يعترف بها مجلس الأمن".

تداعيات أزمة المصرف المركزي الليبي

ومثل هذا "التشغيب" من جانب الرئاسي والنواب، على حد وصف الباحث في الشأن القانوني والسياسي بلقاسم القمودي، "لا يمكن أن يمرّ، وبيان مجلس الأمن مؤشر أكيد على تحرك الأمم المتحدة للتدخل العاجل، فالمجتمع الدولي واضح لديه أن كل طرف يركن إلى ثغرات وفراغات في الاتفاقيات ليقوي موقفه ويهاجم الآخر". واعتبر القمودي أن وصول الأزمة إلى مستوى تهديد المصرف المركزي يستدعي تدخلا سريعا لإخضاع جميع الأطراف للحوار والتوصل إلى اتفاق.

أول تداع لأزمة المصرف قد حدث، وهو وقف تدفق النفط

كما يستدل الباحث الليبي خلال تصريحات لـ"العربي الجديد" على جدية المجتمع الدولي في التدخل لاحتواء أزمة المصرف ومنع أي تداع لها ببيان وزارة الخارجية الأميركية اليوم، الذي شددت فيه على ضرورة تجاوب الأطراف الليبية مع دعوة مجلس الأمن للحوار. وأضاف: "البيان الأميركي بمثابة التلويح بإجراءات أكثر شدة حيال مصرف ليبيا المركزي وإنذار مفاده أن التعامل لا يزال في مستوى التحذير بصدوره من وزارة الخارجية قبل أن يصدر بإجراءات فعلية من وزارة الخزانة الأميركية".

وفيما يشدد القمودي على ارتباط المصرف المركزي الليبي بمنظومة قوانين وتشريعات مالية واقتصادية دولية، يلفت إلى ارتباطه أيضا بملف النفط، مضيفا "أول تداع لأزمة المصرف قد حدث، وهو وقف تدفق النفط، ومنظومة السوق الدولية لن تحمل اختلالا لوقت طويل باستمرار غياب كميات المنتج النفطي الليبي، ولذا خرج أول المواقف الدولية من واشنطن، وأعتقد خروج المزيد مما لا تحتمله الأطراف الليبية أيضا وتصبح مجبرة على الخضوع لمطالب الحوار والتوافق".