كشفت مصادر دبلوماسية مصرية، وأخرى غربية في القاهرة، عن مفاجآت متعلقة بتطورات ملف أزمة سد النهضة الإثيوبي، مؤكدة أن هناك تراجعاً كبيراً في الموقف المصري بسبب مجموعة من العوامل الخارجية.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، لـ"العربي الجديد"، إن التحركات المصرية في الوقت الراهن باتت محصورة في محاولات إقناع الولايات المتحدة الأميركية بالتدخل عبر وساطة مباشرة، على غرار تلك التي قامت بها الإدارة السابقة في عهد الرئيس دونالد ترامب، مضيفة أن هذا المقترح يواجه ما يمكن تسميته "بعدم استعداد أميركي في الوقت الراهن". وأشارت إلى أن القاهرة دعت المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان للوساطة المباشرة، أو محاولة الضغط على الجانب الإثيوبي لتوسيع الوساطة التي يقوم بها الاتحاد الأفريقي، لإحداث نوع من التوازن.
تحولت الودائع المالية الخليجية إلى ورقة ضغط على مصر
وقطعت المصادر، المطلعة على جوانب الأزمة بما وصفته "بحقيقة الموقف"، بقولها "مصر بدأت تستعد للملء الثاني بشكل رسمي على مستوى كافة الجهات المعنية"، لافتة إلى أن "هناك جهات في الدولة، بصدد تجهيز خطاب ورسائل شعبية جديدة لبثها عبر وسائل الإعلام، للتعاطي مع الخطوة الإثيوبية التي باتت في حكم الأمر الواقع". وتابعت "الإدارة المصرية في الوقت الراهن تجهز أوراقها للملء الثالث، للحصول على اتفاق قبله".
وكشفت المصادر عما اعتبرته "صدمة جديدة"، بشأن موقف دول خليجية داعمة للإدارة المصرية، موضحة أن ضغوطاً خليجية، غير مباشرة، ساهمت حتى الآن في رضوخ القاهرة للأمر الواقع أمام إثيوبيا، بشأن الملء الثاني. وقالت: "القاهرة غير مستعدة في الوقت الراهن لأزمات اقتصادية، أو عقوبات، نتيجة أي عمل عسكري في ظل استحقاقات مالية خليجية على القاهرة خلال الأشهر القليلة المقبلة". وأوضحت المصادر أن "المشاورات الأولية من جانب مصر مع الكويت، والإمارات، والسعودية، بشأن تجديد ودائع تقدر بنحو 12.5 مليار دولار لدى البنك المركزي المصري، تشهد تعثراً"، لافتة إلى أنه "لا يوجد تفاعل من جانب الدول الخليجية الثلاث مع المطلب المصري بتمديد الودائع، أو على الأقل إرجاء أقساطها المستحقة، وهو الأمر الذي وضع الإدارة المصرية في مأزق كبير، ربما يستتبعه تقديم تنازلات سياسية وإقليمية، سيكون من بينها بلا شك أزمة السد والمصالح الخليجية المتعلقة بها". وقالت "للأسف الودائع الخليجية التي حلت مواعيد استحقاقها، تحولت إلى ورقة ضغط على مصر، تلعب دوراً كبيراً في تحديد شكل الموقف المصري في ظل أطروحات خليجية، لحل الأزمة لا تلقى قبولاً مصرياً حتى الآن".
وقالت مصادر غربية إن "المخاوف التي طرحتها القاهرة بشأن ما يمكن أن تتعرض له، جراء الملء الثاني، لم تكن مقنعة تماماً للأطراف الدولية الفاعلة، في مقابل ما قدمته أديس أبابا من إيضاحات، بشأن مراعاتها لمخاوف دولتي المصب، مصر والسودان، في هذا الشأن، وعدم تضرر احتياجات القاهرة من المياه خلال الملء الثاني". وأضافت "أديس أبابا أوضحت أن ما سيصل لمصر خلال موسم الفيضان الجديد، ورغم الملء الثاني، ربما يكون أكثر من التدفقات العادية في مثل هذا الوقت من العام، نظراً للتوقعات الخاصة بزيادة هطول الأمطار خلال الموسم الحالي".
وكشفت المصادر أن "هناك عدم اقتناع في الوقت الحالي بالموقف المصري، في مقابل اقتناع غربي لحد كبير بالملف الإثيوبي المتكامل، والذي سبق وحدد الملء الثاني كخطوة إنشائية، ليست ضمن خطوات التشغيل الفعلي للسد". وقالت "ليس هناك تعاطف دولي مع الإدارة المصرية بشأن أزمة ملف السد على عكس ما يروجه الإعلام المصري"، كاشفة أن "بعض القوى الأوروبية ردت على الجانب المصري بشأن المخاوف، بعدم تعرض مصر لأضرار أو مخاطر خلال الملء الأول كما كانت تروج وقتها، في حين كانت تؤكد إثيوبيا عدم تأثر مصر خلاله، وهو ما حدث فعلاً".
مصادر: الإدارة المصرية تجهز أوراقها للملء الثالث
وقالت المصادر إن القاهرة استطلعت موقف القوى الكبرى قبل مخاطبتها مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة، بعدما تنحى الحل العسكري بشكل شبه تام، في ظل تطورات جديدة متعلقة بالشريك المصري في الخرطوم، خاصة بعد نجاح رئيس حكومة السودان عبد الله حمدوك في تغليب موقف القوى المدنية برفض الخيار العسكري ومشاركة مصر في حلول عسكرية، لكون السودان ليس مضطراً لهذا الحل، نظراً لوجود حلول أخرى أكثر فاعلية للخرطوم، وتجنبها أزمات دولية.
يأتي هذا في وقت قال فيه المتحدث الرسمي باسم وزارة الري المصرية محمد غانم، قبل أيام إنه تم الاستعداد لكل السيناريوهات المحتمل حدوثها في أزمة السد، وفقاً لأسوأ الظروف، من خلال إدارة منظومة قوية لكل قطرة مياه، مضيفاً، في تصريحات صحافية، "لدينا 4 خطط رئيسية لتخفيف آثار أية أزمة محتملة". وأخيراً مضت إثيوبيا نحو تنفيذ خططها، حيث قامت بفتح البوابات العلوية للسد عند مستوى منسوب 540، وذلك بهدف تخفيض مستوى المياه، استعداداً لعمليات صب الخرسانة وتعلية السد إلى مستوى قد يصل إلى 595 متراً تمهيداً للبدء في الملء الثاني لبحيرة السد.
من جانبها، حثت وزارة الخارجية البريطانية، في رد مكتوب على سؤال من أحد اللوردات من أعضاء المجموعة البريطانية المصرية، جميع الأطراف المشاركة في النزاع حول سد النهضة على التوصل إلى اتفاق بشأن ملء السد وتشغيله. وقالت إن "حكومة بريطانيا تدعم جهود الاتحاد الأفريقي للمساعدة في التوصل إلى اتفاق، وضمان إدارة موارد المياه بطريقة تضمن استخدامها المستدام على المدى الطويل لجميع الأطراف". وكان السفير المصري لدى واشنطن، معتز زهران، أكد، في مقال نشره بمجلة "فورين بوليسي" الأميركية قبل أيام، أن الولايات المتحدة وحدها من تمتلك النفوذ اللازم لتشجيع إثيوبيا على الانخراط بحسن نية في المفاوضات بشأن سد النهضة، والامتناع عن الإجراءات الأحادية.
وفي سياق ذي صلة، قال وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي، خلال مشاركة في الجلسة الافتتاحية لملتقى "حوار المناخ" الافتراضي أمس الأول، إنّ مصر "تواجه تحديات كبرى في مجال المياه، على رأسها الإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي في ما يخص سد النهضة، والتي تزيد من حجم التحديات التي تواجهها مصر في مجال المياه، فضلاً عن أنّ 97 في المائة من موارد المياه المتجددة تأتي من خارج الحدود".