بعد مصادقة المحكمة الاتحادية العليا في العراق، أول من أمس الإثنين رسمياً على نتائج الانتخابات البرلمانية التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، سيكون على القوى والكتل السياسية الفائزة، عقد أولى جلسات مجلس النواب خلال أسبوعين، على أن يترأسها النائب الأكبر سناً، ويتم خلالها اختيار رئيس للبرلمان ونائبين له. غير أنه لم يتوفر لغاية الآن أي تفاهم حيال هيئة رئاسة البرلمان الجديدة.
وينص الدستور العراقي النافذ في البلاد منذ عام 2005، بعقد أولى جلسات البرلمان بعد 15 يوماً فقط من تاريخ تصديق المحكمة الاتحادية العليا على نتائج الانتخابات البرلمانية، فيما يقضي العرف السياسي المعمول به في العراق منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، بتوزيع المناصب الرئاسية الثلاثة على المكونات الرئيسة الثلاثة في البلاد (السنة والشيعة والأكراد).
وظلّ منصب رئاسة البرلمان للقوى العربية السنية ضمن هذا العرف الذي يواجه رفضاً واسعاً من قبل الشارع العراقي، باعتباره يعزز الانقسام الطائفي والعرقي في بلد متعدد الأطياف.
ويتم التعامل مع المنصبين الآخرين، وهما رئاسة الجمهورية والحكومة على النحو ذاته، إذ تتولى القوى الكردية التوافق على مرشحها لرئاسة البلاد، فيما تتولى القوى الشيعية التوافق على منصب رئيس الحكومة.
توقعات بإبقاء الجلسة الأولى للبرلمان مفتوحة في حال لم يتم الاتفاق
أولى جلسات البرلمان العراقي في 11 أو 12 يناير
أول الاستحقاقات الدستورية، وهو اختيار رئيس البرلمان، لم يحسم لغاية الآن، بحسب مصادر سياسية عدة في بغداد، توقعت في تصريحات لـ"العربي الجديد"، سيناريو إبقاء الجلسة الأولى للبرلمان مفتوحة لأيام عدة وعدم رفعها لتجنّب الوقوع في خرق دستوري، في حال لم يتم الاتفاق.
ووفق المصادر، فإن "البرلمان الجديد، سيعقد جلسته الأولى لاختيار رئيس المجلس ونائبيه في 11 أو 12 يناير/كانون الثاني المقبل، لكن لغاية الآن لا يوجد أي توافق نهائي على اختيار مرشحي هذه المناصب، ليس من قبل القوى العربية السنية فقط، بل أيضاً من باقي الكتل التي يجب أن تصوّت على اسم رئيس البرلمان بأغلبية النصف زائداً واحداً، والحال نفسه لنائبي الرئيس".
الاتفاق محصور بتحالفي "تقدم" و"العزم"
ولفتت المصادر إلى أن مهمة الاتفاق على رئاسة البرلمان محصورة حالياً بين تحالفي "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، والذي يمتلك ما مجموعه 42 مقعداً، وتحالف "العزم" بزعامة خميس الخنجر، والذي يمتلك 36 مقعداً، مع قاعدة جيدة من التحالفات مع الكتل السياسية الأخرى.
وتحدثت المصادر عن أن "الخلافات قائمة كذلك بين القوى السياسية الشيعية حيال منصب النائب الأول، والأمر ذاته بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وباقي الأحزاب الكردية في إقليم كردستان حول النائب الثاني".
ولم تفض اجتماعات سابقة جرت في بغداد بين تحالفي "تقدم" و"العزم"، عن أي توافقات نهائية معلنة حيال منصب رئيس البرلمان.
لكن المصادر ذاتها أكدت أن قنوات التواصل موجودة بين الطرفين وستدخل عملياً مرحلة الحسم قريباً، ولن تركز على ملف منصب رئيس البرلمان فقط، بل هناك قضايا أخرى يتم العمل على إدخالها في برنامج الحكومة المقبلة.
ومن بين هذه القضايا، وفق المصادر، ملف النازحين وإعادة الحياة للمدن التي ترفض فصائل مسلحة عودة أهلها إليها، ودفع تعويضات وإعمار المدن المدمرة شمال وغربي البلاد، وهو ما يمثل نقطة التقاء بين "تقدم" و"العزم".
محمد العبد ربه: تحالف العزم يطمح لأن تكون رئاسة البرلمان من حصته
تجديد لمحمد الحلبوسي؟
ويصر تحالف "تقدم" على تجديد ولاية ثانية لرئيسه محمد الحلبوسي في البرلمان، لكن هناك تحفظاً من أطراف سياسية أخرى ولا سيما تحالف "العزم"، على ذلك. إذ ترفض هذه الأطراف التجديد لرئيس البرلمان السابق، وتطرح أسماء أخرى مثل، رئيس مجلس النواب الأسبق وعضو تحالف "العزم"، محمود المشهداني، ووزير الدفاع الأسبق وعضو تحالف "العزم" كذلك خالد العبيدي.
في السياق، قال القيادي في تحالف "العزم" محمد العبد ربه، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تقارباً كبيراً بين تحالفي تقدم والعزم، لكن لغاية هذه اللحظة لم نصل إلى مرحلة الاتفاق النهائي على مختلف الملفات ومنها قضية اختيار رئيس البرلمان الجديد".
ولفت العبد ربه إلى أن "الأيام القليلة المقبلة ستشهد حوارات مكثفة لحسم قضية اختيار رئيس البرلمان العراقي الجديد مع كل الأطراف السياسية، وليس السنّية فقط، فهذا الأمر يحتاج إلى توافق واتفاق مع الأطراف كافة، لأن التصويت يحتاج إلى أغلبية أعضاء البرلمان، وهذه الأغلبية تتحقق من خلال تصويت نواب باقي الكتل السياسية".
وأضاف المتحدث نفسه أن "تحالف العزم يطمح خلال الفترة المقبلة لأن تكون رئاسة البرلمان العراقي من حصته، خصوصاً أن مقاعده البرلمانية في تزايد مستمر، وهذا الأمر سيتم حسمه خلال التفاوض والتحاور مع الأطراف السياسية بمن فيها تحالف تقدم، الذي يصر على أن تكون رئاسة البرلمان له من جديد".
علي العيساوي: ترشيح الحلبوسي يحظى بدعم سياسي من أطراف ذات تأثير سياسي وبرلماني
في المقابل، قال القيادي في تحالف "تقدم" علي العيساوي، إن منصب رئاسة البرلمان من حق تحالفهم كونه حصل على أعلى نسبة من المقاعد البرلمانية بين القوى السياسية السنية، "وهذا يعني أن التحالف سيكون له حق ترشيح رئيس البرلمان، ونحن مرشحنا الوحيد لهذا المنصب هو محمد الحلبوسي".
وشدد على أن "ترشيح الحلبوسي لولاية ثانية لرئاسة البرلمان، يحظى بدعم سياسي من أطراف أخرى ذات تأثير سياسي وبرلماني، ولهذا نعتقد أن حظوظه كبيرة جداً، وهذا الأمر سيحسم في الأيام المقبلة، خلال التفاوض والاتفاق النهائي مع القوى السياسية كافة".
حوارات لحسم المناصب العليا في العراق
من جهته، كشف القيادي في "الإطار التنسيقي" (الذي يضم القوى الشيعية الحليفة لإيران) فاضل الفتلاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن "بدء حوارات سياسية بين كل الأطراف في الأيام القليلة المقبلة، لغرض حسم المناصب العليا في الدولة، وعلى رأسها منصب رئيس البرلمان ونائبيه".
وتحدث الفتلاوي عن أن "الكتل التي ستخرج منها ترشيحات المناصب الثلاث (الجمهورية والبرلمان والحكومة) وستظفر بها، ستخسر مناصب أخرى من الوزارات وغيرها، وفق تقسيم النقاط التي تحتسب على عدد المقاعد البرلمانية لكل كتلة سياسية".
وأشار إلى أن "هناك توافقاً مبدئياً على عدم التجديد لأي من الرئاسات الثلاث الحالية، ولهذا الحديث عن اختيار أي شخصية سابق لأونه، فالحوارات والتفاوض الحقيقي لحسم قضية هذه المناصب لم يبدأ بعد".
إلى ذلك، قال الخبير في الشأن السياسي العراقي، عبد الملك الحسيني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الواقع الحالي لا يشي بوجود صراع على منصب رئيس البرلمان، والحوارات تجري في إطار التنسيق للوصول إلى أهداف مشتركة من أجل مواجهة المرحلة المقبلة التي بها الكثير من التحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية".
ولفت الحسيني إلى أن "تولي الحلبوسي رئاسة البرلمان مجدداً متداول داخل الأروقة السياسية".