شكل الأسرى الفلسطينيون أحد أعمدة القضية الفلسطينية ورموزها الأساسية. ففي اللحظة التي يركن الشعب الفلسطيني للهدوء تستمر معارك الأسرى مع الاحتلال الصهيوني عن طريق الاحتجاجات والعصيان والإضراب عن الطعام، وكذلك في معركة تهريب النطاف، وفي محاولات انتزاع الحرية من براثن الصهيونية، كما حدث أخيراً في العملية البطولية التي نفذها الأسرى الستة الذين كسروا شوكة الاحتلال وأعلنوا للشعب الفلسطيني أن الصعب وحتى المستحيل يغدو ممكنا بقوة الإرادة والعمل الدؤوب.
أعادت عملية الجلبوع زخم دعم الأسرى الفلسطينيين، ولعل الجانب القانوني هو أحد الجوانب التي لا بد من الوقوف عليها والتمحيص بها. لكن لا بد في البداية من فهم الاختلاف بين مصطلح أسرى الحرب والمعتقلين والسجناء. أسير الحرب هو المقاتل الذي يقع في يد طرف خصم في نزاع مسلح دولي. أما المعتقل فهو المدني المعتقل من قبل الخصم. حيث يكفل القانون الدولي الإنساني الحماية لجميع الأشخاص الذين يقعون في يد العدو أثناء النزاع المسلح، سواء كانوا مقاتلين فيعدون (أسرى حرب) أو مدنيين (معتقلين) فتؤمن لهم الحماية على هذا الأساس، وذلك وفق اتفاقيات جنيف التي حددت شمولية القانون الإنساني لجميع الأشخاص الذين يقعون في يد الخصم. إذ "تطبق هذه الاتفاقية في حالة الحرب المعلنة أو في أي حالة اشتباك مسلح آخر، قد تنشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف المتعاقدة حتى ولو كانت إحداهما لم تعترف بحالة الحرب، كما تنطبق هذه الاتفاقية على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف المتعاقدة حتى ولو لم يواجه هذا الاحتلال مواجهة مسلحة"، ولذلك يتم تمييز المعتقلين عن أسرى الحرب بأن الأخير يأخذ صفة المقاتل سواء كان مقاتلاً بجيش نظامي أو ضمن صفوف المقاومة الشعبية. وأما المعتقل فهو مدني سواء مارس أشكال النضال السلمي أو لم يمارسها. أما السجناء فهم الأشخاص الذين يتم سلب حريتهم بناء على ارتكابهم جريمة مخالفة لقانون الدولة الداخلي.
وبالعودة لحالة أسرانا الأبطال نلحظ أن الاحتلال الصهيوني لا يعترف باحتلاله أرض فلسطين سواء التي تم احتلالها عام ١٩٤٨ أو في ما بعد، لذلك يوصّف الاحتلال الأسرى الفلسطينيين "سجناء أمنيين" وليس أسرى أو معتقلين، معللاً ذلك بأنهم، سواء كانوا مواطنين (عرب الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948)، أو مقيمين (سكان الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس ومرتفعات الجولان)، ارتكبوا جرائم تقع ضمن ولاية قانونه الداخلي.
فعلى الرغم من الاعتراف الدولي الذي ناله الاحتلال كدولة إلا أنه لم يتم الاعتراف دولياً بسيادته على الأراضي المحتلة ما بعد عام ١٩٤٨، ما يجعل الاتفاقيات الدولية كاتفاقيات جنيف وملحقاتها سارية المفعول على تلك الأراضي، وهذا ما أكده على سبيل المثال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في ثمانية عشر قرارا من قراراته، كم أكده مؤتمر الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة، إضافة إلى الفتوى التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في عام 2004 بإعلانها أن "على إسرائيل واجباً قانونياً بالامتثال لأحكام هذه الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية".
فمن الناحية القانونية وفي ضوء القانون الدولي يمكننا توصيف الأسرى الفلسطينيين من الأراضي المحتلة عام ١٩٦٧ أسرى حرب، إلا أن الإشكالية في التوصيف القانوني للأسرى من الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ حيث يقع الكثير من القانونيين في فخ الاحتلال، من حيث أن هؤلاء الأسرى يحملون الجنسية الإسرائيلية وبالتالي هم مواطنون يخضعون لقانون الاحتلال الداخلي، دون القدرة على المحاججة بعكس ذلك، ما يدفع البعض إلى قبول الصفة التي يسوقها الاحتلال لهم ألا وهي "سجناء".
في حين نجد بالعودة إلى البروتوكول الإضافي الأول لعام ١٩٧٧ الملحق باتفاقيات جنيف لعام ١٩٤٩ أن الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ١٩٤٨ ممن يناضلون لنيل حريتهم وضد إجراءات التمييز والفصل العنصري مشمولون ضمن هذا البروتوكول. حيث بينت الفقرة الرابعة من المادة الأولى أن الأوضاع التي يشملها البروتوكول هي "المنازعات المسلحة التي تناضل بھا الشعوب ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية، وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصیر، كما كرسه ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول طبقاً لميثاق الأمم المتحدة".
وعليه وفي سياق القانون الدولي، لا بد أن نسوق الحجج التي تؤكد على عنصرية الاحتلال الصهيوني الممارسة بحق الفلسطينيين، ولكي نبقى بالسياق القانوني نورد بداية القوانين الدولية التي صنفت نظام الاحتلال الصهيوني كنظام عنصري، وهذا ما اعتمده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ٣٣٧٩ لعام ١٩٧٥، حيث اعتبر أن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. على الرغم من إلغاء الجمعية العامة القرار ٣٣٧٩ بالقرار ٨٦/٤٦ لعام ١٩٩١ وذلك كشرط من دولة الاحتلال لقبول المشاركة بمحادثات مدريد، إلا أن الجمعية العامة لم تلغ الأسس التي بنت عليها القرار ٣٣٧٩، وهذه الأسس تبقى كقرائن قانونية صادرة عن هيئات دولية تابعة للأمم المتحدة.
حيث إن الجمعية العامة سبق لها أن أدانت في قرارها ٣١٥١ لعام ١٩٧٣ "التحالف غير المقدس بين عنصرية جنوب أفريقيا والصهيونية". كما تجدر الإشارة إلى المؤتمر العالمي للمرأة في المكسيك عام ١٩٧٥، الذي كان السبب المباشر لتبني القرار ٣٣٧٩، والذي أصدر مبدأ "التعاون الدولي والسلم، تتطلب تحقيق التحرر الوطني والاستقلال، والقضاء على الاستعمار والاستعمار الجديد والاحتلال الأجنبي والصهيونية، والعنصرية والتمييز العنصري بجميع أشكاله، وكذلك الاعتراف بكرامة الشعوب وعلى الحق في تقرير المصير".
كذلك يجب إدراج تقرير منظمة الإسكوا عام ٢٠١٧، الذي اتهم الاحتلال بتأسيس نظام فصل عنصري يهدف إلى تسلّط جماعة عرقية على أخرى، وقدم أدلة ومعطيات تؤكد فرض إسرائيل نظام أبارتهايد على الفلسطينيين وتقسيمهم إلى أربع فئات تخضع كل منها لترتيبات قانونية مختلفة. وإحدى هذه الفئات هي الفلسطينيون الحاملون للجنسية الإسرائيلية، حيث تتعرض هذه الفئة لنظام فصل عنصري معتمداً على العديد من القوانين، منها سياسة الأراضي، فدستور الاحتلال ينص على أنه "لا يجوز بأي شكل من الأشكال نقل الأراضي التي تحتفظ بها دولة إسرائيل أو هيئة التطوير الإسرائيلية أو الصندوق القومي اليهودي"، ما يضع إدارة هذه الأراضي تحت سلطة هذه المؤسسات بصورة دائمة، وتدير سلطة أراضي إسرائيل أراضي الدولة، التي تمثل ٩٣% من الأراضي ضمن حدود إسرائيل المعترف بها دوليا، وهي، قانوناً، مُحرّم استخدامها أو تطويرها أو امتلاكها على غير اليهود.
وكما سن الاحتلال قانون العودة الذي يمنح اليهودي أيا كان بلده الأصلي حق دخول إسرائيل والحصول على جنسيتها، في حين يمنع عن الفلسطينيين أي حق مماثل بصرف النظر عما يحملونه من وثائق وإثباتات تدل على انتمائهم لهذه الأرض كوطن أصلي لهم دون وجود أي وطن بديل.
إضافة إلى قانون لم الشمل الذي يمنع الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية من لم شمل أزواجهم وخاصة عندما يكون الأزواج من الفئات الفلسطينية الأخرى. وعلى الرغم من سحب الجمعية العامة للأمم المتحدة التقرير بعد يومين من نشره نتيجة ضغط القوى الإمبريالية، إلا أنه يمكن الاستئناس به كمرجع فقهي قانوني.
كما أن الاحتلال لا يترك مناسبة إلا يثبت فيها عنصريته، كقانون يهودية الدولة، الذي أقره الكنيست عام ٢٠١٨، والذي بموجبه ثبت وأكد على أن الفلسطينيين الحاملين للجنسية الإسرائيلية من غير اليهود مواطنون من درجة أدنى، كما أنه حصر "ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي"، حارماً أصحاب الأرض الأصليين منه، كما جعل من الاستيطان والاحتلال مشروعا قوميا واجب الدعم، "تعتبر الدولة تطوير الاستيطان اليهودي قيمة قومية، وتعمل لأجل تشجيعه ودعم إقامته وتثبيته".
لقد تعمدت سرد الأدلة المثبتة بمواثيق الأمم المتحدة على عنصرية الاحتلال، بغرض تبيان واجب معاملة الفلسطينيين المعتقلين في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ كمعتقلين وأسرى حرب، لأنهم يناضلون ضد العنصرية والفصل العنصري ومن أجل تحقيق حريتهم وتقرير مصيرهم.
في النهاية نعلم الكيفية والظرف اللذين يسمحان للاحتلال بتجاهل القانون الدولي والاتفاقات التي وقع عليها دون أي عواقب تذكر. لذلك لا نملك أي وهم حول نجاعة القانون الدولي، بقدر ما نعتقد أن معركة القانون الدولي جزء مكمل من مقاومتنا الشعبية الهادفة إلى انتزاع حريتنا المستلبة، تماما كما انتزع أبطالنا الستة حريتهم في عملية نفق الحرية. لذا حاولنا في هذه المادة تسليط الضوء على جانب قانوني لم نولِه الاهتمام الكافي سابقاً، رغم امتلاك أدواته أولاً، ورغم قدرته على فضح العدو الصهيوني ومحاصرته وربما تعزيز جهود مقاطعته عالمياً ثانياً، فضلاً عن دوره في دعم أسرنا من فلسطينيي ٤٨ ثالثاً.