جرت في العاصمة الجزائرية مراسم أضخم استعراض عسكري يقام في تاريخ الجزائر منذ الاستقلال، بحضور رؤساء دول تونس، وفلسطين، والنيجر، وإثيوبيا، بمناسبة ستينية عيد استقلال الجزائر.
واستعرض الجيش الجزائري جزءاً من ترسانة الأسلحة التي يمتلكها، من دبابات ومركبات وراجمات صواريخ، وقطع من منظومات الدفاع الجوي، بما فيها نظام إس 300، كما شاركت في الحفل القوات الجوية التي قدمت استعراضات جوية، بالإضافة إلى حضور فرقاطات من القوات البحرية إلى الواجهة البحرية المقابلة لمنطقة الاستعراض.
وسمحت السلطات بحضور جمهور غفير على جنبات مسار الاستعراض العسكري، بعد فرض تأمين كامل على المنطقة، التي أغلقت في وجه حركة المرور. وقطع الآلاف من الجزائريين عدة كيلومترات للوصول إلى منطقة العرض، ومشاهدة قوات الجيش والترسانة المشاركة في الاستعراض، وكان الجمهور يتفاعل بشكل كبير وبهتافات وطنية مع كل مرور للمواكب العسكرية، ويردد شعار "الجيش الشعب خاوة".
وقبل بدء الاستعراض، كان الرئيس عبد المجيد تبون قد استعرض، في سيارة مكشوفة، مختلف القوات المشاركة، وأقيم الاستعراض قرب جامع الجزائر الأعظم، في منطقة المحمدية، ويحمل ذلك رمزية تاريخية، باعتبار أن المكان كان في عهد الاستعمار الفرنسي مدرسة كبيرة للآباء البيض وفرق التبشير التي كانت تعمل على تنصير الجزائريين.
ويقرأ مراقبون في الاستعراض العسكري والحجم الاحتفالي الذي حرصت السلطة السياسية على إعطائه لذكرى ستينية الاستقلال جملة من الغايات والرسائل السياسية التي استهدفت إرسالها للداخل والخارج، خصوصاً لناحية التوقيت السياسي للاستعراض العسكري، بعد فترة الحراك الشعبي الذي اتسم ببعض التشنج بين قيادة الجيش والشارع، وارتفعت خلاله شعارات مناوئة للجيش والمؤسستين العسكرية والأمنية، وطبعه التباس كبير في العلاقة بين الشعب والجيش، وهو ما استدعى جهوداً كبيرة لترميم هذه العلاقة، و"إعادة تمركز الجيش في عمق الوجدان الشعبي".
ويذهب الباحث في الشؤون الأمنية عمار سيغة إلى هذا الاتجاه، ويلفت إلى أهمية أخرى تتعلق بـ"التأكيد على عامل الوحدة والانسجام القائم بين السلطة السياسية وقيادة الجيش"، ويقول، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "مع رمزية الحدث، المتزامن مع ستينية الاستقلال، يركز مهندسو العملية الاستعراضية على إخراج الصورة المكتملة للجهوزية التامة للجيش الجزائري، بما يضمن الرسائل الإعلامية إلى الداخل الجزائري، ويعطي مساحة من الأريحية في قدرات الجيش لحماية السيادة الوطنية من كل تهديد. كما يؤكد على حالة الانسجام بين الرئاسة والمؤسسة العسكرية، والتي تُعتبر ثنائية عقائدية في تاريخ الجزائر، ومستقبل العلاقة بين المؤسستين".
ويشير سيغة من جانب آخر إلى "رسائل إقليمية على وجه التحديد، توجهها الجزائر عبر استعراض القوة الذي تضمنه الاستعراض العسكري، على صعيد إبراز القدرات القتالية والإمكانيات اللوجستية التي وصل إليها الجيش الجزائري، وامتلاكه مفاتيح الصناعة العسكرية التي تُعدّ رائدة عربياً وأفريقياً، وكذلك إرسال رسائل قوية لكل من يتربص بأمن واستقرار المنطقة، من تهديدات تقليدية، وأخرى ترتبط بالجريمة المنظمة والجماعات المتطرفة".
ويلفت إلى أن "العملية الاستعراضية تظهر مرة أخرى جهوزية الجيش الجزائري لأي مواجهة عسكرية محتملة، واستعداد قواته بمختلف التشكيلات لخوض أي حرب محتملة في المنطقة، والتي تعرف حالة من اللااستقرار، بالإضافة إلى ما تتعرض له الجزائر من استفزازات وتحرش إقليمي"، بحسب تعبيره.
وبشأن مخاوف من انكشاف مستويات تسليح الجيش الجزائري من خلال الاستعراض، ما يضعها رصد القوى الغربية، ومن تصفهم قيادة الجيش بـ"الأعداء التقليديين"، أكد المحلل وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر توفيق بوقاعدة أن "الغرب لن يكون بحاجة إلى استعراض لمعرفة قدرات الجيش الجزائري، والتي يتابعها عبر الصفقات التي تنجزها الجزائر".
ويقول بوقاعدة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الجزائر لديها القوة لمواجهة التحديات المحيطة بها، وإنها ستواصل بناء قدراتها بناءً على ما تمليه مصلحتها الوطنية، على الرغم من أن الاستعراض في الأساس ليس الهدف منه تخويف أي طرف من إمكانيات الجزائر العسكرية، لأن المعطيات العسكرية لا تقرها مثل هكذا استعراضات، بقدر ما تكشفها صفقات الأسلحة، وأجهزة الاستخبارات العالمية".
ويقول: "في تقديري أن التناول الإعلامي هو الذي سوف يأخد هذا المنحى، كما أنه في ظل الظروف الدولية والإقليمية المضطربة، فإن الجزائر تريد من وراء هذه الاستعراضات لفت الانتباه حول جديتها في حسم أي تهديد عسكرياً، إذا اضطرت إلى ذلك".