الخميس الماضي، احتفل المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، أمام مجلس الأمن، بمرور عام على دخول طرفي النزاع في مفاوضات لوقف إطلاق النار، باعتباره انجازاً فريداً، على الرغم من أنّ الأمم المتحدة بدت في هذه المشاورات مثل التنين، تشعل المزيد من الحرائق ولا تطفئها.
منذ أن طرح غريفيث ما يسمى بالإعلان المشترك لوقف إطلاق النار، في مارس/آذار 2020، اتسعت رقعة التصعيد، إذ بدأت المليشيات الحوثية هجماتها على الجوف والبيضاء ومن بعدها مأرب، التي لا يزال القتال فيها مستعراً. ليس القصد هنا أنّ الأمم المتحدة ساهمت في تأجيج الحرب أو صبّت الزيت على النار، ولو أن وجهة نظر الحوثيين دائماً ما تكرر هذه الاتهامات، لكن كما هو الحال في بعض الأدوية العلاجية التي تظهر معها أعراض جانبية، هكذا بدت المبادرة الأممية لوقف الحرب في اليمن. ولكن المؤسف أنّ الأعراض الأممية ظهرت أكثر من أعراض الأدوية: امتد العنف إلى محافظات مختلفة، نزيف بشري هائل للمقاتلين من الجانبين، وفوق ذلك تدشين الحوثيين لرحلات جوية مفخخة بشكل يومي صوب المطارات السعودية، فما يحدث في العمق السعودي تعدى مسألة الهجمات المدروسة.
وبما أنّ الأعراض الدوائية في بعض الأحيان تصبح قاتلة، وتدمر الصحة أكثر من المرض المفترض اجتثاثه، يبدو أنّ الأعراض الأممية باتت خطراً على اليمن أكثر من الحرب التي كانت قائمة قبل مارس 2020. ولهذا، يتوجب على الأطباء الأمميين إدراك عدم جدوى ما يقومون به من تدخل علاجي.
على الرغم من كل الأعراض المصاحبة لمبادرته، قدّم غريفيث لمجلس الأمن، الخميس الماضي، تصوراً لشكل اليمن في حال تم تنفيذ اتفاق الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار. وقال: "ما سيحدث في اليوم التالي للتوصل للاتفاق هو أن البنادق سوف تصمت، والطرقات التي أغلقتها الخطوط الأمامية لفترة طويلة، ستفتح تدريجياً - ليس في يوم واحد، ولكن في وقت قصير لمرور البضائع، الإنسانية أولاً، ثمّ من أجل حرية تنقل الأشخاص؛ والأطفال سيذهبون إلى مدارسهم من دون عوائق، فضلاً عن عودة العمال إلى أماكن عملهم عبر الخطوط التي أعاقت ذلك". رسم غريفيث مخططاً هندسياً ليمن ما بعد الاتفاق الذي لم يقبل به أحد منذ عام، وقال إنه "سيساهم بشكل فوري في تخفيف المعاناة وستعود الحياة إلى طبيعتها".
نتائج مبهرة لم يكن أحد يتصورها فعلاً، ويكفي اليمنيين أنهم قد عرفوا بالنوايا الأممية الطيبة تجاههم، على الرغم من أنّ الاتفاقيات ليست بالنيات، ولكن بالتنفيذ الفعلي على أرض الواقع.