بعد نحو 30 سنة من التحول الديمقراطي في أفريقيا، تلوح في الأفق موجة انقلابات. وتلك ليست بمعزل عن صراع المصالح الخارجية، بالتعاون مع "وسطاء" محليين، والتي ساهمت في تعثر الانتقال نحو التخلص العميق من الفساد، ولمصلحة العدالة والمساواة وتوازن علاقة شعوب القارة مع الخارج.
فعلى ما يبدو أن تلك التحولات لم ترق لكثيرين، ممن سعوا بانتهازية مصالح دامية إلى إعادة رسم الجغرافيا السياسية في القارة السمراء.
خلال السنوات العشر الأخيرة، أصبحت الصين وأوروبا وأميركا وروسيا في حالة سباق على القارة، إما هيمنة أو نفوذاً، وبالتدخل المباشر وغير المباشر، سياسياً وعسكرياً.
وشهد العامان الماضيان العديد من الانقلابات ومحاولات انقلاب، في سياق يبدو منسقاً لإعادة وضع العسكر في السلطة. مالي وغينيا وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وتشاد والسودان والنيجر. كما أن الحالتين المصرية والتونسية ليستا بعيدتين عن سجال المشهد.
وفي هذا الاتجاه يبدو الاتحاد الأفريقي، مع توسع التوجه السلطوي، عاجزاً سوى عن بيان روتيني، يدين ويعلق العضوية مؤقتاً، ثم العودة للتعايش مع المتسلطين.
توحش التنازع على المصالح، من آسيا إلى أفريقيا، يُنحي شعارات "القيم والمبادئ" في سياسات الغرب الخارجية، لمصلحة تقديم مبررات تدخله، وحفاظه على سلطات الأمر الواقع، كما الحال مع انقلاب ميانمار، بعد مرور سنة عليه.
وإذا كانت "محاربة التطرف الإسلامي" التبرير الأكثر رواجاً لتدخل غربي في القارة، وعلى رأسه فرنسا، فعلى ما يبدو أن فزاعة الإسلاميين أصبحت على مقاس من يطلب، وبينهم روسيا، بدعمها (اللواء المتقاعد) خليفة حفتر في ليبيا، وغيره في الدول الأخرى، من خلال ما يطلق عليه "جيش الكرملين السري" من مرتزقة "فاغنر".
فمن الملاحظ أن موسكو، التي عرفت القارة في الحقبة السوفييتية بعنوان: "دعم حركات التحرر"، لا تتردد في استخدام كافة الوسائل، من مدغشقر إلى مالي، لتحقيق مصالح ضيقة، ولو على حساب الشعوب.
إجمالاً، لا أحد يجادل حول أن القارة السمراء عاشت تعثر وعود الديمقراطية، وخصوصاً محاربة الفساد ورفع سوية حياة الناس. بيد أن التعثر ليس بعيداً عن سياسات غربية، وغير غربية، أبقت علاقتها بالديمقراطيات الناشئة بعقلية شبه استعمارية، ولصالح عقود تجارية وتسليحية، واستفادة مختلة من الثروات، ومنع تدفق المهاجرين، ولو في ظل أنظمة انقلابية فاسدة.