يبدو أن الألمان أكثر سرعة من غيرهم في دول الشمال الأوروبي في الذهاب نحو وصف سياسة بلدهم في أفغانستان بالفاشلة، وسط دعوات لضرورة مراجعتها بتحميل مسؤولية واضحة لساسة الحزب الديمقراطي المسيحي الذين يصارعون بعد أسابيع للفوز في الانتخابات المقبلة.
ورغم أنه لم يمر سوى أيام قليلة على تحولات المشهد الأفغاني المتسارعة، تتحول قضية "فشل سياسات ألمانيا في أفغانستان" و"القلق" من تدفق مهاجرين ولاجئين أفغان إلى ألمانيا إلى مادة تجاذب سياسي وحزبي، يستغلها حزب اليمين المتشدد "البديل لأجل ألمانيا"، لتصبح مادة انتخابية، فيما يذهب اليسار نحو موقف يدعو إلى تحمل ألمانيا مسؤوليتها حيال 10 آلاف أفغاني تأخر ترحيلهم.
وعلى بعد نحو شهر على الانتخابات العامة الألمانية، يحاول معسكر اليمين القومي المتشدد في البلاد جعل استغلال الأخبار التي تتحدث عن استعداد برلين لاستقبال نحو 10 آلاف لاجئ أفغاني للنيل من أرمين لاشيت مرشح المستشار الذي سيخلف أنغيلا ميركل. منذ مساء الإثنين الماضي تحول الشأن الأفغاني وبالتحديد قضية اللاجئين إلى مادة حاضرة بقوة على وسائل الإعلام المحلية، مع توالي الصور التي أظهرت تكدساً كبيراً في مطار كابول بعد سيطرة طالبان على العاصمة.
وتحدثت ميركل عن إمكانية إنقاذ بعض اللاجئين المختارين بعانية، فيما يدور الحديث في الصحافة المحلية حول أن ألمانيا بصدد استقبال نحو 10 آلاف ممن يطلق عليهم "اليائسين في البحث عن خروج من بلادهم".
وتخوض التلفزة الألمانية منذ صباح الإثنين الماضي نقاشات وتحليلات مع سياسيين وخبراء يدعون إلى تحرك سياسي سريع حتى لا تواجه البلاد أزمة شبيهة بتلك التي نشأت قبل نحو 6 سنوات.
وبعد ساعات من سقوط كابول كان وزير الداخلية الاتحادي المحافظ عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي، هورست سيهوفر، يحذر من احتمالية خروج "نحو 5 ملايين لاجئ أفغاني بعد سيطرة طالبان"، داعيا إلى بذل الجهود لمواجهة إمكانية تدفق كبير نحو أوروبا، وفقا لما نقلت عنه صحيفة "شتوتغارت زايتونغ" يوم الإثنين.
وأشارت ميركل، بحسب التلفزة المحلية الألمانية، إلى أن عملية الإجلاء التي تقوم بها السلطات الألمانية "تتعلق بالأساس بهؤلاء الذين ساعدوا القوات الألمانية وأسرهم"، فيما أشارت إلى أن العملية تتم ببطء شديد، مؤكدة أن بعض الطائرات الألمانية اضطرت إلى العودة إلى أوزبكستان بعد اكتظاظ مطار كابول بآلاف الراغبين في الخروج، ما خلق أجواء فوضوية ومخاطر على هؤلاء والطائرات.
ويدور الحديث عن آلاف من "المحتاجين" للحماية، بمن فيهم من منظمات حقوقية وصحافيين وأفراد من المجتمع المدني، حيث أدى التأخير في إجلاء 2500 متعاون محلي مع الألمان إلى هرب البعض نحو دول مجاورة، فيما قالت ميركل إن نحو 600 من بين هؤلاء ينتظر أن تساعد الولايات المتحدة في إجلائهم، مؤكدة أنه "بدون مساعدة الأميركيين لن نتمكن من الإجلاء".
وكان المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن سيبرت قد أشار الإثنين الماضي إلى أن الأولوية هي لإجلاء المهددين في كابول و"إخراج أكبر قدر من المتعاونين المحليين الأفغان إلى بر الأمان"، معبرًا عن قلق برلين على من ساعدوا ألمانيا، وخصوصًا نشطاء حقوق الإنسان، بعد تواتر الأخبار عن أن وزارة الدفاع الألمانية لم تستطع إجلاء سوى 7 من بين آلاف المتعاونين حتى مساء أمس، وفقاً لما ذكرته قناة "أن دي آر" التلفزيونية الألمانية صباح اليوم الأربعاء.
ويعد قلق "الديمقراطي المسيحي" من وصف سياساته في أفغانستان بالفاشلة قلقاً مشروعاً مع توالي هجمات "البديل لأجل ألمانيا" على تلك السياسات، وذهاب نحو 79 في المائة من الألمان لاعتبار بلدهم غير مستعد لاستقبال مهاجرين من ذلك البلد، وفقاً لاستطلاع لصحيفة "دير شبيغل".
وفي ذات الاستطلاع كان 76 في المائة من الألمان يصنفون سياسة بلادهم الأفغانية بالفاشلة، وهو أيضاً مؤشر غير مبشر لمرشح المستشار لاشيت الذي يعاني من تراجع شعبيته بعد انتقاد تعامله مع كارثة الفيضانات التي شهدتها بلاده وأودت بحياة المئات وشردت الآلاف في الشهر الماضي.
حول موقف تأييد الألمان لسياسة الأحزاب حيال أفغانستان، حظي "دي لينكه" اليساري بنسبة بلغة نحو 86 بالمئة، فيما حصل "الخضر" على 85 في المائة، والاجتماعي الديمقراطي على 81 في المائة، فيما حل "الديمقراطي المسيحي" وبشكل لافت في آخر القائمة بنسبة 62 في المائة، حيث تقدم عليه اليمين المتشدد "البديل لأجل ألمانيا" بنسبة 79 في المائة.
ويتعرض ساسة "الديمقراطي المسيحي" لانتقادات من شتى الاتجاهات ومن زاويا مختلفة، تجمع على أن البلاد فشلت في أفغانستان، وهو ما عنونته بشكل لافت صحيفة "دير شبيغل" أمس الثلاثاء. فيما يوجه اليسار والخضر انتقادات لسياسة ألمانيا التي "لم تضع خطة طوارئ، وبالتالي عرضت الآلاف لخطر الموت".
أما حزب البديل فيذهب في انتقاداته إلى زاوية الرفض المطلق لاستقبال حتى المتعاونين مع ألمانيا، وينتهج الحزب سياسة "صفر لاجئين"، مسترشداً بسياسات الدنمارك التي يقول عنها إنها كانت الأفضل في وقف اللجوء إليها، واضعاً إياها كنقطة رئيسة لجذب الناخبين الرافضين لتكرار مشهد 2015 في بلادهم.
واعتبرت أحد أبرز مرشحي الحزب أليس فايدل أنه لا يجب استعادة مشهد 2015، كما سجلت على موقعها الرسمي على "تويتر" مشاركة العلم الدنماركي وتجربتها في وقف اللجوء للقادمين إليها منذ 2016.
وعلى عكس الموقف المتشدد للبديل يرى "الخضر" أن لاشيت يتوجب عليه انتهاج سياسة مختلفة تماما مستقبلا فيما خص القضايا الحقوقية في أفغانستان وأن يتكفل بعد الانتخابات باستمرار استقبال 10 آلاف شخص، كما صرحت مسؤولة الحزب آنالينا بايربوك، لـ"دير شبيغل".
ويعرف لاشيت الذي يضع ثقله لكسب منصب المستشار أهمية دعم "الخضر" ويسار الوسط في مواجهة تراجع شعبيته، ومن الملفت أن "الحزب اللبيرالي" (أف دي بي) انتقد بشدة سياسة بطء وعدم فعالية الإجلاء من أفغانستان، محملًا حكومة ميركل "مسؤولية الفشل"، وفقا لما صرح زعيمه كريستيان ليندر، مؤكدًا أنه لا يزال هناك عدد من الألمان في أفغانستان لم يتم إجلاؤهم، واصفًا سياسة بلاده بالفاشلة، بحسب ما نشر الموقع الرسمي لحزب الليبراليين اليوم الأربعاء.