ألمانيا: احتدام الحملات الانتخابية وسط تبادل الاتهامات بالغش والتحيز الجنسي واستغلال الوظيفة
تزداد في ألمانيا حملات الانتخابات البرلمانية العامة، المقررة في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، سخونة، وترتفع حدة اللهجة صرامة، إذ يتم تبادل الاتهامات بين المرشحين لمنصب مستشار من الأحزاب الرئيسية الثلاثة: "الاتحاد المسيحي" و"الخضر" و"الاشتراكي الديمقراطي".
وتنذر هذه الحدة بين الأحزاب بخلق جبهات لصد الحملات الهجومية من خلال محاولة تقديم مواقف دفاعية لتبرير التهم، وسط تخوفات من أن تورط هذه الحملات أصحابها وأحزابهم في مواجهة سياسية، الأمر الذي دفع رئيس الجمهورية الاتحادية فرانك فالتر شتاينماير، للدعوة إلى الحفاظ على الاعتدال اللفظي ومعاملة الأحزاب لبعضها بإنصاف.
وعلى ما يبدو، فإنّ مرشحة "الخضر" أنالينا بيربوك هي من أكثر المتأثرين بهذه الحملات بفعل التشكيك في قدراتها وقلة خبرتها، إلى جانب اتهامها بالغش في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه، الأمر الذي دفع بالسياسي عن حزبها يورغن تريتن لوصف ما تتعرض له مرشحة حزبهم بأنه "مؤامرة يمينية" و"حرب دعائية"، وفق ما ذكرته صحيفة "بيلد" الألمانية.
وكانت المرشحة قد صححت "سيرتها الذاتية" بعد اللغط الذي حصل حول ما تضمنته من مغالطات بشأن خبراتها العملية، إذ تعرضت للإهانات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا لصحيفة "فرانكفورتر الغماينه".
وفي الإطار، يقول المستشار السياسي والرقمي مارتن فوكس، في حديث مع موقع "تي أونلاين"، إنّ التحيّز الجنسي يلعب دوراً في الحملات الانتخابية، "ومنذ وصول المستشارة (أنجيلا) ميركل لم يتغير شيء، والهجمات الشخصية ليست جديدة، لكنها باتت أكثر وضوحاً مما كانت عليه من قبل"، معتبراً أنّ "الإنترنت ساهمت في تغيير الخطاب الإعلامي، كما جعلت ردود الفعل أسرع وأوسع"، مشيراً إلى أنّ "حدة النقاش باتت مختلفة اليوم عما سبق، إذ سرعان ما يصبح سوء السلوك الفعلي علنياً ويتم التداول به ومناقشته عبر المنصات كتويتر مثلاً (..) هذا ما كان مختلفاً منذ 16 عاماً"، داعياً إلى "التحلّي بالشجاعة وتصويب الأمور بأمانة".
من جانب آخر، برزت انتقادات لصمت قيادة الحزب "المسيحي الديمقراطي" إزاء تصريحات هانس غيورغ ماسن، رئيس المخابرات الداخلية السابق المثير للجدل، والمرشح عن ولاية تورينغن، بحق الصحافة، حيث قال، في حديث إعلامي، إنه لم يعد يرى توازناً في التقارير، متهماً وسائل الإعلام بـ"التلاعب بالآراء ورمي التهم وحذف الحقائق واستخدام الحيل"، معتبراً أنّ "هناك انعطافاً يسارياً واضحاً".
من جهته، قال زعيم كتلة "الخضر" أنطون هوفرايتر، في حديث مع صحيفة "نويه أوسنابروكر تسايتونغ"، إنّ صمت رئيس الحزب "المسيحي الديمقراطي" أرمين لاشيت بشأن ما أدلى به ماسن لا يطاق.
وقالت رئيسة حكومة ولاية راينلاند بفالس مالو دراير، المنتمية للحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، إنّ ادعاء ماسن "هدفه إساءة السمعة وزعزعة مصداقية حرية الصحافة".
أما لاشيت فقد وصف أسلوب كتلة "الخضر" بـ"العدواني" القريب من "الترامبية"، في إشارة إلى أسلوب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
من جهة أخرى، طالب حزبا "اليسار" و"الديمقراطي الحر"، وزير المالية الاتحادي ومرشح الحزب "الاشتراكي الديمقراطي" أولاف شولز، بتوضيح مزاعم استخدام وزارته لأغراض الحملة الانتخابية، على اعتبار أنّ ذلك يشكل انتهاكاً لقانون الأحزاب السياسية، الأمر الذي رد عليه متحدث باسم الوزارة وفقاً لصحيفة "دي تسايت"، بأنّ "الأمر عادي أن تقوم الوزارة بإعداد تقارير فنية للوزير".
وبحسب صحيفة "فرانكفورتر إلغماينه"، فإنه ومن منظور العلم السياسي هناك عدة تفسيرات لذلك الجدل، والاتهامات، مشيرة إلى أنّ هناك عدداً أكبر من الناخبين المتأرجحين الذين تتسابق عليهم الأحزاب لإقناعهم بالحجج، مؤكدة أنّ الأحزاب الصغيرة بما في ذلك "الخضر"، تمكّنت من إثبات حضورها بعدما كانت الأحزاب التقليدية الشعبية تهيمن على أكثر من ثلثي الأصوات على مدى عقود خلت.
وأشارت الصحيفة إلى أنه بات يتعين على الأحزاب الصغيرة الذهاب إلى حيث توجد إمكانية للتجادل مع الآخرين، موضحة أنّ هذا التطور "غير مريح بالنسبة لهم بعدما كان تركيزهم ينصب بشكل أساسي على السياسات الحزبية".
وعن الحقيقة "المؤلمة" التي يمكن أن تحملها الحملة الانتخابية للبوندستاغ (البرلمان)، فقد أعرب الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، في مقابلة مع القناة الثانية في التلفزيون الألماني "زد دي أف"، عن قلقه من مناخ الحملات والاتهامات، داعياً الأحزاب إلى معاملة بعضها البعض بإنصاف، مشدداً على ضرورة "مراعاة احتمالية جلوس المتخاصمين مرة أخرى إلى طاولة واحدة لتقاسم المسؤوليات".
وأشار شتاينماير الذي تستمر ولايته حتى مارس/آذار المقبل، مع إعلان اهتمامه بولاية ثانية، إلى أنّ "الديمقراطية لا يمكن أن تنجح، إلا إذا ساد الاعتدال والحس السليم"، كما حث "الجميع على الانفتاح عند تشكيل تحالف حكومي بعد الانتخابات باعتباره شرطاً أساسياً لديمقراطية ناجحة"، موضحاً أنّ "الأمر يتطلب شجاعة من أولئك الذين سيتولون المسؤولية مستقبلاً للتعامل مع عواقب الوباء وتغير المناخ والرقمنة، والمزيد من العدالة الاجتماعية مع ما يواجهه المجتمع من تحولات في جميع المجالات"، بحسب قوله.