30 عاماً على الوحدة الألمانية... تشديد على التماسك وتحذيرات من نموّ الأرض الخصبة لـ"الشعبوية"
ألقى الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، اليوم السبت، في الاحتفال المركزي لعيد الوحدة الألمانية الثلاثين، الذي أقيم في بوتسدام عاصمة ولاية براندنبورغ، كلمة معبرة ووجدانية بحضور شخصيات رسمية رفيعة المستوى، بينها المستشارة أنجيلا ميركل، ورئيس "البوندستاغ" فولفغانغ شويبله، وعدد من رؤساء وزراء الولايات.
وتحتفل ألمانيا، اليوم السبت، بالذكرى الثلاثين لإعادة توحيدها، لترسم صورة إيجابية بشكل عام للتقدم المحرز في دمج الشرق والغرب، وسط احتفالات منخفضة المستوى، بسبب جائحة فيروس كورونا.
وجرى لمّ شمل ألمانيا في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 1990، بعد أربعة عقود من الانقسام في الحرب الباردة. وانضمت ألمانيا الشرقية إلى الجمهورية الفيدرالية الغربية بعد أقل من عام من قيام الحكام الشيوعيين في الشرق، تحت ضغط من الاحتجاجات المتزايدة، بفتح جدار برلين وبقية الحدود شديدة التحصين بين الدولتين.
وفيما أُحرِز تقدم كبير منذ ذلك الحين، لا تزال الاختلافات الاقتصادية وغيرها بين الغرب والشرق، الأقل ازدهاراً، قائمة، في وقت توقف فيه أخيراً الاتجاه طويل الأمد المتمثل بمغادرة المزيد من الأشخاص للشرق، مقارنة بالانتقال إلى هناك في السنوات الأخيرة.
وفي خطابه قال شتاينماير: "إننا نعيش اليوم في أفضل مراحل ألمانيا على الإطلاق، الألمان ليس لديهم سبب للإحباط، وبلدنا تطور إلى دولة موحدة وحرة وديمقراطية في وسط أوروبا، ونحن فخورون بذلك في هذا اليوم".
ولم يغفل شتاينماير الحديث عن الاضطرابات التي أصابت شرق البلاد بشكل أقوى بكثير مما حلّ في غربها، مشيراً، في خطابه، إلى أهمية مناقشتها بصراحة لمعرفة كيف يمكن التقليل من العيوب، محذراً من أنه "عندما يشعر الناس بانتكاسة دائمة، فإنه ينهار التماسك، ثم يزداد انعدام الثقة في السياسة، وعندها تنمو أرض خصبة للشعبوية والأحزاب المتطرفة".
وتابع: "نحن الشعب تعني اليوم كلنا الشعب؛ البافاريون، سكان الساحل، الألمان الشرقيون، والمسيحون والمسلمون واليهود والملحدون هم جزء من بلدنا"، مضيفاً: "نظراً للنمو المشترك بين الشرق والغرب والهجرة والاندماج، فإنّ ألمانيا أصبحت أكثر تنوعاً واختلافاً عن الثلاثين عاماً الماضية؛ ألوان التاريخ الديمقراطي الألماني هي الأسود والأحمر والذهبي؛ ألوان الوحدة والعدالة والحرية".
وكانت المستشارة أنجيلا ميركل، التي نشأت في الشرق، قد قالت للبرلمان الألماني هذا الأسبوع: "لقد حققنا الكثير في هذه السنوات الثلاثين... لقد نجحنا في الحدّ بشكل كبير من الفروق في الظروف المعيشية بين ألمانيا الشرقية والغربية". وأضافت: "لكن الاختلافات الهيكلية لا تزال قائمة... مزيد من الجهود ضرورية".
وعن الاختلافات التي ما زالت تسود بين شرق ألمانيا وغربها، اعتبر وزير الداخلية السابق توماس دي ميزيير، الذي يعيش في دريسدن الشرقية، في حديث مع شبكة "إيه آر دي" الإعلامية، أنه يجب الاستغناء عن مصطلحات "الوحدة الداخلية" و"معادلة ظروف المعيشة" أو "الانتعاش" و "بناء الشرق"، مشيراً إلى أن "هذه المصطلحات تعني أن كل شيء في حالة خراب ويجب الآن بناؤه بطريقة ما".
في المقابل، اعتبر السياسي اليساري ماتياس هون أنهلا، أنّ في الأمر نقاشاً وهمياً، مشيراً إلى أن الاختلافات في الرواتب أدت دوراً كبيراً في الإحباط في ألمانيا الشرقية، حيث لا يشعر الناس بالتقدير الكافي ولا تؤدي سيرهم الذاتية دوراً، وقد قُلِّل من قيمتها.
ولفت إلى أن السلطات الاتحادية تصدر تقارير مجاملة "عاماً بعد عام في ما يتعلق بوضع الوحدة الألمانية".
ويرى مفوض الحكومة الاتحادية عن شرق البلاد ماركو فاندرفيتس، أنّ ألمانيا أصبحت أكثر تشابهاً منذ عام 1990، مضيفاً: "يمكن قياس ذلك بدءاً من النماذج العائلية والأنشطة الترفيهية وساعات العمل، وأينما تنظر، تجد أشياء مشتركة بين الغرب والشرق، وأكثر مما يفصل بينهما".
من جهة أخرى، رأت صحيفة "تاغس شبيغل" أنّ ألمانيا الشرقية اختارت لنفسها طريق الانضمام السريع لأنه بعد سقوط الجدار لم يتوقف تدفق الأشخاص، حتى يومنا هذا، من الانتقال إلى غرب البلاد.
وتشير الصحيفة إلى أهمية تعريف ألمانيا بأنها أوروبية، و"هذا ما يجعلنا ممتنين للوحدة، مع التنبه للعلاقة المرتبكة مع روسيا، وقلة الاهتمام ببولندا، والمساعدات القليلة للمعارضة في بيلاروسيا".
تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً من الولايات الألمانية ستحتفل مساء اليوم أيضاً بالمناسبة بتنظيم قداديس وفعاليات وحفلات موسيقية. واعترفت ميركل بأن الاحتفالات "ستكون أهدأ مما تستحقه المناسبة بالفعل".