أمير قطر في الأمم المتحدة: وقف الإبادة في غزّة ونداء من أجل لبنان

25 سبتمبر 2024
أمير قطر في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك 24 سبتمبر 2024 (Getty)
+ الخط -

تعدّدت القضايا التي جاءت عليها كلمة أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أمس الثلاثاء، ولم يكن مستغرباً أن تتعلق هذه القضايا بالمنطقة العربية (مع عدم إغفال الحرب بين روسيا وأوكرانيا)، فالحروب والفظاعات الإنسانية تتصدّر المشهد العام في أكثر من بلد عربي. ومع التمادي المشهود الذي تقترفه إسرائيل في الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، جاء متوقعاً أن تستأثر ما وصفها أمير قطر بـ"حرب وحشية" هناك بنصيب كبير من الكلمة التي أحاطت بمختلف جوانب هذه الحرب، على صعُد إنسانية وسياسية، سيما وأن أمير قطر وصل الحادث في غزّة بغياب أي خطواتٍ عينيةٍ لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. وقد استمع العالم، وممثلو دوله في الهيئة الأممية، إلى استعراضٍ وافٍ لأهم تفاصيل المشهد العام في الأراضي الفلسطينية، ومنها غزّة، مع حرصٍ على تسمية الأشياء بمسمّياتها، سيّما وقد تسلّحت الكلمة بالحقائق التي "تصدُر عن منظّمات دولية" بشأن الحادث في القطاع، ومنها "التقارير عن قصف المدارس والمستشفيات واستخدام الغذاء والدواء سلاحاً"، عدا عن أن "نيّات القادة الإسرائيليين منشورة، وتُقال على رؤوس الأشهاد"، وبذلك كان الوصف الذي رمى به الشيخ تميم عدم التدخّل لوقف العدوان "فضيحة كبرى"، متسقاً مع ما بسطته الكلمة من تشخيص لمظاهر ما لم تبالغ في القول إنها "جريمة إبادة بأحدث الأسلحة لشعب محاصر في معسكر اعتقال، لا مهرب فيه من وابل القنابل الذي تلقيه الطائرات".

ونحت كلمة أمير قطر أمام الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة إلى التشديد على ما هو شديد الوضوح، ومهمل في الوقت نفسه، لدى الذين ينتهجون "النهج الذي يريد تفصيل المنطقة كلها على قياس إسرائيل، ويبحث عن طرقٍ التفافيةٍ لتجنّب إنهاء الاحتلال، وفرض حكم شعبٍ على شعبٍ آخر بالقوة"، وذلك بعد أن توقفت الكلمة عند التوصيف الأكثر ملاءمةً لتعيين واقع قضية الاحتلال القائم في الأراضي الفلسطينية، أنها قضية "سكان أصليين على أرضهم يتعرّضون لاحتلال استيطاني إحلالي، وبات هذا الاحتلال يتخذ شكل نظام عنصري في القرن الحادي والعشرين". ويحسم الشيخ تميم مسألة زوال قضية فلسطين بإحدى حالتين: "زوال الاحتلال أو زوال الشعب الفلسطيني"، ويقول: "يبدو أن في إسرائيل من يمنّي النفس بالقضاء على هذا الشعب".

وتبدو الكلمة، بما اشتملت عليه من نقاطٍ تحيل إلى القانوني والسياسي والإنساني، بمثابة مرافعة أخلاقية على غير صعيد، ومن ذلك أن أمير قطر يؤكّد معارضة بلاده "العنف والتعرّض للمدنيين الأبرياء من أي طرفٍ كان"، إلا أنه يصل هذا بالذي تقترفه إسرائيل منذ عام على الحرب التي تشنّها في غزّة، عندما يذكّر العالم بأنه، مع كل ما ارتكب في أثناء الحرب ويرتكب فيها، "لم يعد ممكناً الحديث عن حقّ إسرائيل بالدفاع عن نفسها في هذا السياق من دون التورّط في تبرير الجريمة"، وذلك بعد أن استبق الأمير هذا بأن القرارات والإدانات والتقارير بشأن الحادث في غزّة استُنفدت، و"لم يبق سوى الجريمة العارية المتواصلة مع سبق الإصرار، ومن دون رادع، وضحاياها من الأطفال والنساء وكبار السن".

تبدو الكلمة، بما اشتملت عليه من نقاطٍ تحيل إلى القانوني والسياسي والإنساني، بمثابة مرافعة أخلاقية على غير صعيد

ويسأل أمير قطر ما إذا كان يعقل أن الدول الكبرى "ذات القدرة على التأثير في سير الأحداث" لم تستنج بعد "ضرورة وقف الحرب والتوجّه إلى الحلّ العادل على الفور، بدلاً من التفنّن في الصياغات للتهرّب منه"، وذلك مع تعيين هذا الحل العادل الذي أكّدته الأمم المتحدة نفسها التي يخاطب الأمير العالم من منبرها، وهو زوال الاحتلال وممارسة الشعب الفلسطيني حقّه في تقرير المصير، وهذا "ليس منةً أو مكرمةً من أحد". كما جاءت الكلمة على ما يحسُن أن يتذكّره العالم، وهو اعتماد الجمعية العامة في شهر مايو/ أيار الماضي قراراً يدعم طلب دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، الأمر على الأقل "يرسل رسالةً إلى حكومة اليمين المتطرّف الضالعة في تحدّي الشرعية الدولية بأن القوة لا تلغي الحق".

أحاطت كلمة أمير قطر بما أحدثته "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل في جزء من الشعب الفلسطيني في غزّة، ومن ذلك سقوط 41 ألف شهيد، وجاءت على جهود الوساطة التي تضطلع بها دولة قطر لوقف العدوان وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وهي وساطةٌ "في ظل حربٍ شرسةٍ وظروف معقدة". وللمرّة الأولى على منصة الأمم المتحدة يجري، في الكلمة، تذكير العالم بأن القائد السياسي لحركة حماس الذي اغتيل، إسماعيل هنية، كان أول رئيس وزراء فلسطيني منتخب. كما أنها المرّة الأولى التي توصَف فيها "جريمة كبرى" عملية "تفخيخ وسائل اتصال لاسكلية وتفجيرها بآلاف الناس في لحظة واحدة دون أخذ هويتهم أو مكان وجودهم بالاعتبار"، في إشارة إلى ما شهده الأسبوع الماضي لبنان، الذي أفادت الكلمة بأن الحرب التي تشنها إسرائيل عليه حالياً "لا أحد يعلم إلى أي حدّ يمكن أن تتدهور". وقد بدا نداءً ملحّاً الذي أطلقه الشيخ تميم بن حمد أمام العالم "أوقفوا العدوان على غزّة. أوقفوا الحرب على لبنان"، بعد أن قال إن قادة إسرائيل يعرفون أن الحرب التدميرية المنهجية التي يشنّونها "لن تجلب الأمن والسلام لشمال إسرائيل أو للبنان".

لم تغفل الكلمة الوافية الجاري في سورية والسودان واليمن وليبيا، فقد أكّدت حرص دولة قطر على "مصلحة الشعب السوري"، ودعمها كل الجهود الإقليمية والدولية إنهاء الأزمة السودانية، "بما يضمن وحدة مؤسسات الدولة وسيادة السودان واستقراره"، وكذلك دعمها المسار السياسي في ليبيا، وأنها تحثّ كل الأطراف على العودة إلى الحوار، وتجاوز الخلافات من أجل إتمام المصالحة الوطنية الشاملة"، وأنها تتطلّع إلى الحفاظ على هدنة عام 2022 في اليمن، والانطلاق منها نحو وقف شامل لإطلاق النار.