يواجه النظام السوري صعوبات في ردم أنفاق كانت فصائل المعارضة السورية أقامتها في الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، أثناء سنوات المواجهة التي امتدت من عام 2012 وحتى عام 2018، خصوصاً في دوما، كبرى المدن شرق دمشق.
عملية ردم شاقة لأنفاق غوطة دمشق
ونقلت وسائل إعلام تابعة للنظام، قبل أيام، عن رئيس مجلس مدينة دوما هشام المما قوله: "إن ردم جميع الأنفاق الموجودة في المدينة يحتاج إلى وقت طويل، وميزانية أكبر من ميزانية محافظة ريف دمشق" (تتبع لها دوما والغوطة عموما). وزعم أن المجلس يعالج معضلة الأنفاق "بشكل تدريجي"، مضيفاً: إلى الآن رُدم جزء كبير منها.
وأوضح المما أن "المرحلة الأولى من عملية ردم النفق الموجود في منطقة الحميرة بمدينة دوما في ريف دمشق انتهت"، مشيراً إلى أن "هناك الكثير من الأنفاق المنتشرة في كل المدينة، يُعمل على ردمها من قبل مجلس المدينة". ولفت إلى أن "الأنفاق الأكثر أهمية موجودة تحت المباني الحكومية، أما الشق الثاني، وهو الأنفاق الأكثر خطورة التي تسبب انهيارات في شبكة الصرف الصحي وشبكة المياه، فتُعالج بشكل تدريجي".
العديد من الأنفاق كانت تتسع لعبور الأشخاص والبضائع وحتى السيارات
وأقامت الفصائل خلال فترة سيطرتها على غوطة دمشق الشرقية، بين عامي 2012 و2018، العديد من الأنفاق التي كانت تتسع لعبور الأشخاص والبضائع وحتى السيارات، وكانت تضم مستودعات ذخيرة ومشافي ميدانية.
وكانت هذه الأنفاق تصل بين عدة بلدات في غوطة دمشق، وصولاً إلى حي جوبر على أطراف العاصمة الشرقية، الذي شهد معارك ضارية انتهت بتدميره بشكل كامل. كما مكّنت الأنفاق أهالي الغوطة من الصمود أمام الحصار الخانق، لا سيما أن بعض هذه الأنفاق كان يصل إلى أحياء في شمال شرق العاصمة دمشق، منها حيّا القابون وبرزة، قبل أن يستعيد النظام السيطرة على الحيين لاحقاً. وزاد ذلك من وطأة الحصار على الغوطة الشرقية، التي ارتكب النظام مذبحة بحق أهلها بالسلاح الكيميائي في منتصف عام 2013 بهدف إخضاع فصائل المعارضة السورية التي كانت تسيطر عليها وهددت النظام في قلب العاصمة دمشق أكثر من مرة، خصوصاً فصيلي "جيش الرحمن" و"جيش الإسلام".
وكانت قوات النظام قد أشارت، إثر سيطرتها على الغوطة الشرقية في الربع الأول من عام 2018، إلى أن فصائل المعارضة أقامت نفقاً رئيسياً طوله من 4 إلى 5 كيلومترات ويتفرع إلى أنفاق فرعية، طول الواحد منها نحو 600 متر.
وأقامت فصائل المعارضة مستشفيات للمدنيين والمقاتلين تحت الأرض، أبرزها مستشفى ريف دمشق التخصصي (النقطة واحد) داخل الأنفاق في مدينة دوما، لتفادي القصف الجوي المتكرر الذي كانت تنفذه طائرات النظام وعلى مدى سنوات عدة، ما أدى إلى مقتل وإصابة عشرات آلاف المدنيين.
وكان النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون حسموا المعارك لصالحهم بعد حصار استمر سنوات، في إبريل/نيسان من عام 2018، بعد استخدام الغازات السامة في قصف الأنفاق، وهو ما أجبر فصائل المعارضة على القبول بتسوية مع النظام دفعتها إلى الشمال السوري.
وأسفر هجوم غاز الكلور السام عن مقتل 60 شخصاً وإصابة أكثر من ألف آخرين في أماكن عدة بمدينة دوما، التي تعرضت للقصف بأسلحة محرمة دولياً في العديد من المرات، أبرزها في عامي 2013 و2018. وهُجر عدد كبير من سكان دوما والغوطة الشرقية في عام 2018 إلى الشمال السوري، وفق اتفاق التسوية الذي أبرم تحت إشراف الجانب الروسي.
حلّ رهيب لحصار النظام
ورأى الباحث في مركز "جسور" للدراسات وائل علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الأنفاق "كانت حلّاً رهيباً للفصائل المحلية والسكان في ظل الحصار الذي كان يفرضه النظام السوري على مدن وبلدات الغوطة الشرقية ولعدة سنوات متواصلة"، مضيفاً: "كانت مهمة جداً ولا سيما للقطاعين الطبي والعسكري".
وائل علوان: كانت الأنفاق مهمة جداً لا سيما للقطاعين الطبي والعسكري
وأردف علوان، وهو من أبناء الغوطة، بالقول: "يبدو أن النظام بات عاجزاً إلى حدّ فشله في ردم هذه الأنفاق، وإيجاد حلول للتعامل معها، على الرغم من أنها ليست بالحجم الكبير الذي أظهره النظام عبر وسائل إعلامه".
وفي السياق، تساءل المهندس أكرم طعمة، الذي كان رئيس المجلس المحلي في مدينة دوما بالغوطة الشرقية لدمشق إبان سيطرة فصائل المعارضة السورية عليها، في حديث مع "العربي الجديد": "هل يواجه النظام صعوبات بالفعل في ردم الأنفاق في دوما، أم أنه لا يريد ردمها رغبة منه في استخدامها لأمر يعده؟".
وأوضح طعمة أنه كانت "توجد أنفاق على مستوى مدينة دوما وأخرى على مستوى الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق، ومنها ما كان يربط بين مدينة حرستا في الغوطة وحي القابون في دمشق، ومنها بين مدينة عربين في الغوطة وحي برزة الدمشقي". وتابع: "كانت هناك أنفاق للمشاة وأخرى للسيارات، ولكن أغلب الأنفاق كانت للحماية من القصف الجوي من قبل مقاتلات النظام، خصوصاً مداخل المراكز الطبية التي تدخل عبرها سيارات الإسعاف من نقاط مموهة وبعيدة عن مركز النقطة الطبية". وأشار إلى أنه كانت هناك مداخل للسيارات إلى مراكز المستودعات المهمة والنقاط العسكرية.
وبيّن طعمة أن "الأنفاق بين الغوطة وحيي برزة والقابون كان الهدف منها نقل البضائع من برزة إلى الغوطة بالسيارات أثناء الحصار الذي فرضته قوات النظام على مدن وبلدات الغوطة الشرقية لدمشق، التي كانت تضم عشرات آلاف المدنيين الذين كانوا يتعرضون للقصف بشكل يومي ممنهج على مدى سنوات".
كما أوضح طعمة أن بعض الأنفاق كانت تستخدم لنقل الأشخاص المرضى المدنيين، الذين تصعب معالجتهم في مستشفيات ومراكز الغوطة الطبية، إلى حي برزة، ومن ثم إلى مستشفيات في العاصمة دمشق.