لم يحسم أهالي حي الشيخ جراح في القدس المحتلة ومحاموهم موقفهم بعد بشأن المقترح الجديد الذي قدمته محكمة الاحتلال الإسرائيلي العليا، مساء الإثنين الماضي، بشأن تسوية قضية إخلاء الأهالي من منازلهم في الحي لصالح المستوطنين. ويشير هذا المقترح إلى اعتبار الأهالي مستأجرين محميين لمدة 15 عاماً، مع ضمان حقهم بالملكية بحال إثبات ذلك، وهو مقترح يقدم للمرة الأولى منذ بدء قضية أهالي الحي أمام القضاء الإسرائيلي قبل نحو 51 عاماً. وعلى الرغم من هذا المقترح الجديد، إلا أن الأهالي مصرون على تمسكهم بملكية أراضيهم ومنازلهم في الحي وعدم التنازل عم ذلك تحت أي ظروف.
وأوضح المحامي سامي أرشيد، من فريق الدفاع عن عائلات حي الشيخ جراح، لـ"العربي الجديد"، أن مقترح المحكمة الإسرائيلية العليا، والذي وُجه لأهالي الحي وجمعية "نحلات شمعون" الاستيطانية التي تدعي ملكيتها للأرض التي أقيمت عليها المنازل، تتم دراسته بين المحامين وأهالي الشيخ جراح، ويجب الرد عليه في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.
يجب الرد على مقترح المحكمة في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل
ووفق أرشيد، فإنه بموجب مقترح المحكمة، تلغى قرارات الإخلاء عن أربع عائلات من أهالي الحي (الجاعوني، إسكافي، الكرد، القاسم)، ويتم اعتبار أفرادها مستأجرين محميين لمدة 15 عاماً أو "حتى يتم التوصل إلى ترتيب آخر"، مع ضمان حقهم بملكية الأرض في حال إثبات ذلك في إجراءات تسوية مستقبلية ستتم في الحي، مشيراً إلى أن قرار المحكمة "لا يشمل أي اعتراف من الأهالي بملكية جمعية نحلات شمعون للبيوت أو الأراضي بحي الشيخ جراح، ويبقى موضوع الملكية مفتوحاً، من أجل إثبات الأهالي ملكيتهم لها وفق الإجراءات المناسبة في المستقبل".
أما المحامي المقدسي مدحت ديبة، فقال تعقيباً على المقترح المقدم من المحكمة رداً على سؤال لـ"العربي الجديد": "لا شك أن قرار المحكمة العليا الإسرائيلية في قضية الشيخ جراح الصادر في الرابع من الشهر الحالي، والمتضمن اقتراح التسوية، مهم ومريح للسكان الذين صدرت بحقهم قرارات إخلاء نهائية، إذ يتيح لهم شراء بعض الوقت لتسوية الأمر في ما يتعلق بمساكنهم وممتلكاتهم".
لكن ديبة حذر من أن "هناك نقطة مهمة جداً، إذ إن القرار المتضمن التسوية، يرفع الحرج عن الاحتلال أمام العالم، ويرفع سيف الإخلاء عن الأهالي حتى زمن محدد أقصاه 15 عاماً، بسبب تضمين المقترح حق جمعية نحلات شمعون تخلية السكان بموجب البند 131، سواء في حال انتهاء التسوية بتسجيلها مالكة للعقار، أو بانقضاء 15 عاماً من تاريخ توقيع التسوية، أيهما أقرب". وأوضح ديبة "بمعنى أنه إذا تمت التسوية خلال خمس سنوات لصالح الجمعية وتم تسجيل الأرض باسمها، عندها يمكن لها تقديم دعوى تخلية بموجب البند المذكور، وإذا لم تنته إجراءات التسوية خلال 15 عاماً، أيضاً تستطيع الجمعية تقديم دعوى تخلية، بموجب هذا البند". وختم ديبة بالقول: "قلوبنا مع أهالي الشيخ جراح، وهم أصحاب القرار، ولا شك أنه قرار صعب، ففيه اختيار لأهون الشرين".
بدوره، قال المتحدث باسم لجنة أهالي حي الشيخ جراح يعقوب عرفة، لـ"العربي الجديد"، عقب اجتماع أهالي الحي مع طاقم المحامين المكلف بالدفاع عنهم، إن مقترح الاحتلال "لا يزال قيد الدراسة والبحث، وسنجلس مع محامينا مرتين أو ثلاثة وربما أكثر، قبل أن نسلم ردنا النهائي للمحكمة"، مشيراً إلى أنه "نقوم كأهالي حي الشيخ جراح بدراسة خطواتنا المقبلة التي تعزز من ثباتنا في القدس المحتلة، لكن الأمر المفروغ منه هو أننا لن نقبل أبداً بالاعتراف بملكية المستوطنين لبيوتنا".
يعقوب عرفة: لن نقبل أبداً بالاعتراف بملكية المستوطنين لبيوتنا
وأضاف عرفة "من الواضح لنا أن محاكم الاحتلال تماطل وتتهرب من اتخاذ قرار في قضية تهجير أهالي الشيخ الجراح، بسبب الزخم الإعلامي والسياسي العالمي، والذي طالب سلطات الاحتلال بإيقاف جريمة الحرب واقتلاعنا من بيوتنا وأراضينا". وتابع: "نعي أن العدالة والإنصاف لأصحاب الحق لن ولم تأتِ أبداً من المحاكم الإسرائيلية، التي هي بالضرورة محاكم استعمارية، بُنيت لخدمة المستوطنين ولتيسير الممارسات الإسرائيلية الاستيطانية".
من جانبها، أكدت الناشطة المقدسية منى الكرد، المهددة عائلتها بالترحيل القسري من منزلها في حي الشيخ جراح، رفض الأهالي التنازل عن ملكيتهم لمنازلهم وأرضهم في الحي. وقالت في حديث لـ"العربي الجديد: "كونوا على يقين أننا لن نقبل بأي تسوية نتنازل فيها عن حقنا في أرضنا ومنازلنا. لقد عرضت محكمة الاحتلال في مقترحها الأخير تسوية أخرى باعتبارنا مستأجرين محميين، وكل هذا ليقولوا للعالم إنهم يحاولون التوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف لكن الفلسطينيين يرفضون. في الواقع هذا ما أرادوه من مقترحهم، لكن موقفنا ثابت ولن يتغير، وهو تمسكنا بكامل حقوقنا".
وتقيم 27 عائلة فلسطينية في منازلها المهددة بالمصادرة في حي الشيخ جراح، منذ عام 1956، بموجب اتفاق مع الحكومة الأردنية (التي كانت تحكم الضفة الغربية، بما فيها شرقي القدس، قبل احتلالها عام 1967)، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا). وتدعي جماعات استيطانية إسرائيلية أن المنازل أقيمت على أرض كانت بملكية يهودية قبل عام 1948، وهو ما ينفيه الفلسطينيون. وقد نقلت هذه الجمعيات القضية إلى محاكم الاحتلال من أجل إثبات ملكية منازل عائلات الشيخ جراح للمستوطنين وإخلاء الأهالي من منازلهم، منذ العام 1970.