منذ 2011 وأوروبا تمارس بقفازات حريرية نفاقاً سياسياً وحقوقياً خطيراً، يقايض تغطية الاستبداد العربي من القاهرة إلى أبو ظبي بصفقات تسليح واستثمار مهينين للحقوق. فمئات مليارات دولارات العرب تُهدر على أسلحة تتقادم، فتجدد بأخرى، من أدوات القمع إلى الثقيلة، العاجزة عن مواجهة أبسط التحديات الحقيقية للأمن الإستراتيجي العربي.
ولعل أحد أفدح الأمثلة على اختلال نهج أوروبا، بدوسها على القيم والمبادئ، صفقات باريس وروما وبرلين ولندن مع نظام القاهرة، هذا عدا واشنطن، في عهدي الرئيسين الحالي دونالد ترامب والسابق باراك أوباما، الذي صدر صفقة "إف 16 "في 2015، رغم كل السفه المُسوق عن أنه كان ضد انقلاب عبد الفتاح السيسي.
لم تعد سراً الطبيعة الوظيفية للصفقات في مصالح الأوروبيين، الرافعين من ناحية لواء الحريات والابتزاز في الأخرى لديكتاتوريات دونية منفصمة عن الشعوب، نهباً للجيوب، وعلى حساب بنى تحتية عربية رديئة. فقبل أيام وافقت برلين على صفقة تسليح نظام السيسي، المُجرف لحياة المصريين ومنتهك الحقوق الأساسية، ليس فقط السياسية والحريات، بل في التعليم والصحة والغذاء.
وفي برلين نفسها ثمة من ينتقد دعم المستبدين، كما ذهبت النائبة عن حزب اليسار سيفين داغلين، بالقول إنه "حان الوقت لإنتاج الحياة بدل الموت". وفي المقابل، هناك مواقف مشينة لـ"نخب" وأذرع العسكر، رغم معرفتهم بنكبات الانقلاب والاستبداد، مبررين أوهام قوة أعجز عن مواجهة كوارث مطرية أو انهيارات اقتصادية، وتجاوز خط الفقر لثلثي السكان. والمثير للسخرية تلميح بعض مؤيدي الاستبداد إلى أن التسلح "لمواجهة إسرائيل"، وكذا يفعل "برلماني قومي" ومذيع قنوات مخابرات السيسي التلفزيونية، رغم التنسيق الرفيع بين الطرفين وانتشار حمى "إستراتيجية العلاقة مع الصهيونية".
العشرية الأخيرة، ومنذ مواجهة الثورات العربية للاستبداد، أتاحت، باتساع انتشار المعلومات، إطلاع العرب على هذا النفاق الغربي، مع مخاطر ما يولده قهر نهب مئات ملياراتهم مقايضة لشرعنة القمع على علاقة الطرفين. ففي الوقت الذي تغرق فيه شوارع عربية في شبر ماء وبدماء الضحايا، ويناشد المواطن "ولي الأمر"، لعلاج ودراسة وتسديد فاتورة ماء وكهرباء، وانتشار تجريف العقول في الزنازين وتهجير الملايين، ونشر هوية زائفة وخزعبلات وظلامية بحجة "الإصلاح والتنوير"، وتطويع الدين في خدمة القمع والتقهقر والتصهين، يصر بعض أوروبا على استعداء المواطن العربي، بسلوك طريق اليمين المتطرف، الذي يرى الديكتاتورية العربية الأنسب للجيران الجنوبيين، لتعمل كحرس حدود ومصالح لا أكثر.