جاء قصف الاحتلال الإسرائيلي على ميناء اللاذقية السوري، الثلاثاء الماضي، ليذكر مجدداً بخيبات المراهنة على سياسات روسيا، ليس فقط في سورية، بل ضمن دائرة عربية أوسع دفعت أثماناً كثيرة خلال السنوات الماضية بالمراهنة على موسكو، إن بحجج محاصرة تدخّل إيران أو بحثاً عن حليف غير غربي.
بالتأكيد ليس مشهداً ساراً استقبال سورية عامها الجديد بمزيد من تفكك مجتمعها وتهجير أغلبية شعبها، تحت الدمار والانهيارات. ويقيناً أنّ أغلب الشارع العربي يتألم لهذا الهوان المتواصل منذ "فض الاشتباك" في الجولان في عام 1974 تحت مسمى "حق الرد في الزمان والمكان المناسبين".
ويبدو أن سياسات نظام بشار الأسد باقية كما هي. فخطاب "الانتصارات" بـ"هزيمة العدو ببقاء نظام الحكم" لن يتغيّر طالما أن سورية وصلت إلى هذا الحد من الاستباحة المتواصلة منذ عقود. فجملة "حق الرد" ليست جديدة على مسامع السوريين، ويبدو أن أهم ما في الحكاية هو بقاء حكم الأسرة الأسدية، والرد بقتل المزيد من الشعب السوري.
ربما كان البعض صادقاً في ردود أفعاله الأخيرة الغاضبة من "الحلفاء"؛ الروسي والإيراني وتوابعهما، مع تعمق وانفضاح حالة الذل والهوان، وتحوّل انتهاك السيادة إلى حالة روتينية.
وفي المقابل، ثمة معسكر يُظهر تفجّعاً كاذباً بسبب "فرجة صواريخ الحليف الروسي"، وهؤلاء هم أنفسهم من أقاموا حلقات الدبكة ووصلات الزجل تمجيداً لصب طائرات روسيا نفسها، حمم الدمار والقتل على رؤوس شعبهم، وكأن هناك قصفاً حلالاً وآخر حراماً.
لقد جادل الكثيرون منذ 2015 بأن "روسيا فلاديمير بوتين" لن تحيد عن الخط الأميركي والغربي المرسوم في المنطقة، تحت سقف "حماية إسرائيل" الراغبة ببقاء نظام بشار الأسد. وعلى الرغم من ذلك، بقي عند البعض وهم مشاهدة بقايا "الجيش الأحمر" السوفييتي السابق يضحّي كرمى لعيون "محور الممانعة".
في كل الأحوال، يبدو من المقدمات أن خيبة 2021، ستتعمق أكثر في العام 2022. فلا قواعد روسيا ستخوض حرباً مع تل أبيب، ولا حتى أوهام تقييد النفوذ الإيراني ستتحقّق، كما يأمل معسكر عربي معين.
والوقائع لا تشي بأننا سنكون أمام سورية مختلفة، ما دام النظام ذاته يشتري مزيداً من الوقت، على أمل الديمومة والعودة إلى الساحتين العربية والدولية.
ومن المؤسف القول مجدداً إن الأثمان التي يدفعها العرب، في سياقات خيبة الأمل من الحليف الأميركي ومحاولة اللجوء إلى "حمائية روسية"، فيه إصرار على خوض معارك طواحين هواء لإبقاء الشعوب بعيدة عن المشاركة في تقرير مصير أوطانها.