استمع إلى الملخص
- الدول العربية تعاني من ضعف في التأثير الدولي، مما يؤدي إلى تهميش المصالح العربية واستسلام للضغوط الغربية، ويزيد من احتمالية حدوث اضطرابات.
- التناقض بين الخطاب الرسمي والممارسات الفعلية لبعض الدول العربية يعمق الاستهزاء الغربي بالمصالح العربية ويزيد الفجوة بين الشعوب العربية وحكوماتها.
بعد بداية الحرب الأوكرانية طرح البعض، ومنهم في منطقتنا العربية، فكرة أن العالم متجه نحو "تعددية قطبية"، أملاً في مواجهة الاحتكار الأميركي للسياسات الدولية. بدخول حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي على غزة عامها الثاني، وانطلاقها نحو لبنان، تُطرح أسئلة جدية حول تلك الفكرة. في مقابل وضوح مواقف أصدقاء الصهيونية، إلى مستوى قمع حرية التعبير للتغطية على جرائم إسرائيل، يحق للناس السؤال حول مواقف وسياسات الصين وروسيا، وبقية من يفترض أنهم نواة التعددية القطبية. لكن الإجابة تتطلب البحث الحقيقي عن قيمة ووزن الحالة العربية أمام مصالحها. ومع أن المنطقة الممتدة من المحيط إلى الخليج ليست هامشية في السياسات الدولية، وعلى مستوى مصالح القوى المتنافسة، إلا أن الاستخفاف الذاتي بأهميتها يطرح سؤالاً مخادعاً من نوع: أين الصين وروسيا؟
ظهور الحالة العربية متعايشة مع تمييع غربي لجرائم الحرب وانتهاك الاحتلال الصهيوني القوانين والمعاهدات الدولية لا يساهم في أخذ لاعبين دوليين لخطابها ومصالحها على محمل الجد. طبعاً لا يمكن التوهم بأن أنظمة جامعة الدول العربية سيقلدون جسور أميركا والغرب نحو تل أبيب، لإنقاذ الناس من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، إن في غزة أو لبنان، وغيرهما في الاندفاعة الصهيونية.
الاستسلام لقدرية إغلاق المعابر وفرض محاصرة مليوني إنسان عربي وللاستهتار الصهيوني بمصالحهم لا يساهم في طرق العرب باب السياسة الدولية للقول بوضوح: كفى جرائم. فبعضهم للأسف يراهن على كسر مقاومة الاحتلال، وآخرون يفضلون الظهور عاجزين، إلا من خطب إعلامية لا تُترجم تصرفات. وبالتأكيد ذلك وغيره لن يلجم أقطاب الصهيونية-الدينية ومشاريعها الفاشية المعلنة. بل لعلها فاجعة مخزية أن البعض ينتشي مع التيار الصهيوني-الأميركي بعودة دونالد ترامب، رغم وعود غير سرية بوزن وعد بلفور في فلسطين ولبنان، وربما في الجنوب السوري، لأجل تسمين هذا الكيان الصهيوني.
على كل حال، الصين وروسيا في نهاية المطاف ليستا من "أمة العرب"، وإن كانت مصالحهما تتقاطع معها. وغيابهما يستدعي مراجعة الغياب العربي عن تلك المصالح. فهل قام العرب بجهد حقيقي على المستوى الدولي، أو في الجمعية العامة للأمم المتحدة لكسر الفيتو الأميركي في مجلس الأمن؟ وهل نسق العرب بجدية مع موسكو وبكين، وغيرهما، ليقولوها صريحة لواشنطن: لسنا أحجاراً على رقعة مصالحكم؟ الصورة والممارسة أبداً ليستا كذلك. وليس غريباً أن يولّد هذا الهوان والاسترخاء مع جرائم الحرب المرتكبة، بمعية أميركية وغربية، حالات غضب نحو انفجارات ليست في مصلحة أحد على الإطلاق.
في كل السياقات المتعلقة بتلاعب واشنطن وبعض أقطاب السياسات الغربية بالحالة العربية ثمة ما هو مقلق في تراكم ظهور العرب عاجزين عن الفعل على مستوى الدول. فلا يمكن لظهور بعض السياسات العربية (صاحبة التأثير والوزن تحديداً) بمستوى التحليل السياسي ووصف الأحداث والإمعان من جهة وفي الجهة الأخرى قمع الرأي العام ومنع إظهار رفضه السياسات الغربية وإبداء تضامنه مع الضحايا في فلسطين ولبنان، إلا أن يؤديا إلى تعميق حالة استهزاء واستهتار غربي بمصالحهم، وعتب من لاعبين دوليين لا يلمسون جدية عربية. فماذا يفيد بعض عواصم النظام الرسمي منع علم فلسطين ولبنان، أو قمع مشاعر التضامن مع من يتعرضون للإبادة؟ إن مقارنة بسيطة بين حالة التضامن الشعبي الأوروبي مع الضحايا، وشجب جرائم الحرب، ضغطاً على ساستهم، وحالة بعض الرسميين العرب في فرض تكميم الأفواه، وإطلاق ذباب إلكتروني يمجد مذابح الصهيونية بحق الفلسطيني واللبناني، تكشف حجم مأساة الانفصام والافتراق بين الخطاب والممارسة، بل والنفاق الذي يُتهم به الآخر، غير العربي.