لا تزال الميزانية الليبية وملياراتها، المقترحة من الحكومة، سبيلاً لعرقلة الوحدة الوطنية، التي رفعها عبد الحميد الدبيبة ورفاقه في الحكومة شعاراً لهم منذ أول يوم تولوا فيه مهامهم الحكومية. فخلال مسيرة عرقلة مجلس النواب للميزانية، تم استخدام العديد من المبررات لعدم تمريرها، لكن أخطرها الذي صرّح به رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وأبرز بوادر عودة المشهد الليبي إلى حالة الانقسام السياسي، ولكن بشكل آخر جديد.
عكس المرات السابقة التي عبّر فيها صالح عن رفضه لحجم الميزانية البالغ قرابة 20 مليار دولار، فقد أكد، وهو في ضيافة اللواء المتقاعد خليفة حفتر في مقره العسكري في الرجمة الجمعة الماضي، أن النواب يطالبون بميزانية لمليشيات حفتر، في خطوة قرأ فيها متابعون للوضع أنها مؤشر على عودة العلاقات بين الرجلين بعد فترات من الجفاء والتباعد.
وربما لا تكون الفجوة في العلاقة بين صالح وحفتر كبيرة، إذ إنها لم تزد عن حد المواقف المناكفة بدون أن تظهر في شكل تصريحات بين الرجلين، وعليه فإن عودة التفاهمات والمواقف الموحدة بينهما أمر مرجح. لكن الخطر يكمن في باقي تصريحات صالح، التي تحمل مضموناً لم ينفك عن طرحه في مناسبات عديدة، ويتعلق بحقوق الأقاليم وضرورة نيل برقة لحقوقها. ولكن أي حقوق؟
برز الحديث عن الأقاليم الليبية التاريخية في ليبيا للمرة الأولى على لسان صالح، عندما أعلن عن مبادرته السياسية من القاهرة، في إبريل/نيسان 2020، بصحبة حفتر وفي ضيافة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إثر انكسار حملة حفتر العسكرية على طرابلس، وانسحاب مليشياته وتمركزها في سرت، التي اعتبرها السيسي وقتها "خطاً أحمر"، ومن يومها كرستها القوات المتصارعة حداً شكلياً بين نفوذ حفتر العسكري وخصومه في الغرب.
وتمكن صالح من تمرير فكرة المحاصصة، وفق مبدأ الأقاليم، في كل مساعي التسويات اللاحقة، كما في ملف تعيين شاغلي المناصب السيادية في الدولة، وتشكيل الحكومة الحالية ومجلسها الرئاسي، ليصل اليوم إلى الإعلان بشكل رسمي عن حقوق الأقاليم دون أن يبين تلك الحقوق ويحددها، وهل لها علاقة بالمداولات الجارية حول الأساس الدستوري للانتخابات المقبلة، من خلال محاولة تمرير ذات الفكرة لتكون أساساً لحلحلة الخلافات القائمة حول الانتخابات وأطرها وشروط الترشح؟