استمع إلى الملخص
- التناقضات في تاريخ حفتر: رغم مبادراته الأخيرة، يتذكر الليبيون انقلاب حفتر عام 2014 وحروبه في بنغازي وطرابلس، مما يثير الشكوك حول نواياه الحقيقية في تحقيق السلام والمصالحة.
- التحديات القانونية والحقوقية: تتزامن مبادرة حفتر مع دعوات للإفراج عن المحتجزين تعسفيًا، وسط تساؤلات حول مصداقية حفتر في ظل تاريخه الجنائي واتهامات بجرائم حرب.
قال إعلام اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر إن حفتر قدّم "مبادرة جديدة تهدف إلى ضمان نجاح المصالحة الوطنية الشاملة"، مشدداً على ضرورة أن يتوافق الجميع لتنجح مبادرته "من أجل بناء مستقبل مستقر وآمن للبلاد". جاء ذلك بالأمس، أثناء لقائه رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو، الذي جاء للقادة الليبيين من أجل حشد الدعم لمبادرة أفريقية حول المصالحة في ليبيا من منظور رؤية الاتحاد الأفريقي أن المصالحة هي الطريق الأنجع لحل الأزمة الليبية، واعتزامه جمع الليبيين في مؤتمر جامع للمصالحة في يناير/كانون الثاني المقبل في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وعلى الرغم مما تحمله مبادرة حفتر من رفع ضمني لمبادرة الاتحاد الأفريقي، إلا أن الأعجب أن يدعو حفتر للمصالحة، بل ويمتلك في ذلك مبادرة يرى أن نجاحها يستوجب توافق الجميع، ومن أجل ماذا؟ من أجل بناء مستقبل مستقر للبلاد!
قد تكون خطابات حفتر الأخيرة من خلال مشاريع الإعمار والبناء التي أطلقها في شرق ليبيا توهم البعض بجنوحه للسلم، لكن الغالبية الكبرى من الليبيين لا تزال تتذكر كيف أعلن حفتر انقلابه التلفزيوني عام 2014 على الشرعية والإعلان الدستوري، وتوعد بإنزال دباباته وسط العاصمة طرابلس، في الوقت الذي كانت تتحضر فيه هيئة صياغة دستور البلاد لتدشين أعمالها. ثم ذهب لإطلاق حربه في بنغازي التي لم يقبل فيها بأي دعوة للحوار طيلة سنواتها الأربع، ولا تزال 10 آلاف أسرة بنغازية مشردة ويرفض رجوعها لمنازلها.
ولا يزال الليبيون يتذكرون وهم يتحضرون لمؤتمر غدامس الجامع، في إبريل/نيسان 2019، الذي كانوا بموجبه سيطلقون أكبر مسار للمصالحة الوطنية، عندما نقل آلات الحرب والدمار إلى تخوم العاصمة طرابلس وأدخلها في حرب لم تُبق أخضر ولا يابسا لمدة عام ونصف العام.
من عجيب المناسبات وأكثرها مفارقة، أن حفتر قدّم مبادرته للمصالحة، بالتزامن تماماً مع كلمة للقائمة بأعمال البعثة الأممية في ليبيا ستيفاني خوري، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حثت فيها حفتر والأطراف المسلحة الأخرى على "الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المحتجزين تعسفيا"، وضرورة تمكينهم من الوصول إلى القضاء. ليس الكلام موجهاً لحفتر لوحده بالطبع، فهناك من قادة السلاح الآخرين الذين تورطوا في جرائم جنائية كبيرة، لكن المثير للعجب أن يحاول عسكري ملفه الجنائي متخم بالجريمة والقتل والاختطافات أن يتحدث عن مصالحة، لا بل وبناء وطن مستقر وآمن! ولو افترضنا قبول مبادرته، فأي منطق للمصالحة سيتحدث به حفتر لأهالي مئات المدنيين المفقودين داخل مقابره الجماعية في ترهونة؟ أي مصالحة وبناء لـ"الوطن" والعشرات من أسر ضحايا حروبه في بنغازي لجأوا للمحاكم الأميركية لتقديم شكوى ضده لمعرفتهم بأنه "مواطن" يحمل الجنسية الأميركية؟