مدّد مجلس الأمن، الاثنين الماضي، ولاية البعثة الأممية للدعم في ليبيا لمدة عام جديد، وذلك حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2024، في وقت لم يشهد فيه الملف الليبي، في كل أوراقه العديدة، ومنها الانتخابات، أي تقدم أو نشاط في عهد رئيس البعثة الأممية الحالي، عبد الله باتيلي.
ووفقاً لقرار مجلس الأمن بإنشاء البعثة الأممية للدعم في ليبيا منذ العام 2011، فإن دورها الأساسي يقوم على "ممارسة الوساطة" و"المساعي الحميدة" لتعزيز عملية سياسية شاملة، تثبّت وقف إطلاق النار وتهيئ الأجواء لإجراء انتخابات لإنهاء المراحل الانتقالية.
وبمعنى أوضح فإن دور باتيلي، ومن سبقوه من مبعوثين أممين، ينحصر في "الوساطة" الأممية، كما هي أدوار البعثة الأممية في البلدان التي تعاني نزاعات سياسية.
ولم يشهد الملف السياسي في ليبيا أي تقدم مُحرز في عهد باتيلي، منذ توليه مهامه نهاية سبتمبر/ أيلول 2022، باستثناء إعلانه أكثر من مرة عن عزمه إطلاق عملية حوار سياسي جديد، يجعل لها عنواناً مختلفاً في كل مرة.
فهي حيناً "اللجنة رفيعة المستوى" وتضم كل الأطياف الليبية، وحيناً آخر "المسار التفاوضي الشامل"، وغيرها من العناوين والمسميات، من دون أي تفاصيل في آليات تشكيلها ومهامها، بل والأجندة التي ستناقشها.
لكن عمله في الواقع يسير في ركاب عمليات التقارب الذاتية التي يقوم بها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وآخرها تشكيل لجنة 6+6 المشتركة، لإنجاز القوانين الخاصة بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وعدا عن ذلك، فإن باتيلي لم يتوقف عند حد التنسيق مع المجلسين لتقديم المشورة الفنية والدعم لعمل لجنة 6+6، بل تجاوز دور الوساطة وخرق مهام البعثة بشكل صريح في العديد من المحطات، كإعلانه تحفظه على خريطة الطريق التي أعلنها مجلس النواب نهاية يوليو/ تموز الماضي، ثم إعلانه الآخر بالتحفظ على مخرجات لجنة 6+6 إثر انتهاء أعمالها في أبوزنيقة المغربية مطلع يونيو/ حزيران الماضي. كما تدخّل بشكل سافر في نصوص القوانين عندما طالب بإدخال تعديلات عليها أعدتها بعثته.
يقول باتيلي بشكل واضح وصريح، إن التعديل الدستوري الذي توافق عليه مجلسا النواب والدولة، وبموجبه أنشئت لجنة 6+6، ينص على أن مخرجات اللجنة "نهائية" ولا يجوز لأي طرف التدخل فيها، أو المطالبة بإجراء تعديلات عليها، وعندما اعترض مجلس الدولة وتمسك بنسخة أبوزنيقة، وصف باتيلي مجلس الدولة بأنه "معرقل".
وتظهر تدخلات باتيلي وتجاوزه دور الوساطة، في العديد من المحطات، فإعلان لجنة 6+6 تضمين ملاحظات البعثة يعني وقوعها تحت ضغطه، وهذا خرق آخر. وعندما أصدر مجلس النواب القوانين بشكلها المعدّل طالبها باتيلي بإرسال نسخة ليطلع عليها قبل إحالتها إلى مفوضية الانتخابات، وهو تجاوز صارخ لدور الوساطة الأممية.
لا يبدو أن موقف جميع الأطراف الليبية الممتعض من سياسات ومواقف باتيلي بعيدة عن الواقع، لكن هناك من يفسر هذا التجاوز بأنه مجرد هامش يتحرك فيه باتيلي لتسجيل نقاط إضافية في سيرته السياسية والعملية.
فالمؤثر الحقيقي في حراك الأمم المتحدة، هي الدول الكبرى المعنية بالملف الليبي عندما تنشط فيه وفقاً لأولوياتها في المنطقة. تجديد ولاية باتيلي لا يعني أكثر من أن الملف الليبي ليس في قائمة أولويات السياسة الدولية، ويُراد له أن يراوح مكانه إلى حين آخر.