أحال وزير الداخلية التونسي، توفيق شرف الدين، 6 من المسؤولين بوزارة الداخلية على المعاش، بعد شهرين من إحالة 20 آخرين، في ظل تساؤلات مراقبين حول "حملة تطهير" في صفوف الجهاز الأمني ووسط مخاوف من توظيف ذلك سياسياً.
وجاء قرار إحالة المسؤولين الستة بوزارة الداخلية على المعاش، خلال أعمال المجلس الأعلى لقوّات الأمن الدّاخلي الذي انعقد أمس الإثنين، ونشرت الداخلية بياناً، اليوم الثلاثاء، بخصوصه.
وتناولت أعمال المجلس "الوضع الأمني العام بالبلاد ومزيد إحكام التنسيق بين كل المتداخلين للتصدي للظاهرة الإرهابية ودورية الحملات الخاصة بتأمين المؤسسات التربوية ووسائل النقل ومكافحة الجريمة بمختلف أنواعها وتحسين ظروف عمل الأمنيين"، بحسب ما ورد في البيان.
وذكرت مصادر أمنية أنّ من بين المُحالين على التقاعد الوجوبي، مسؤولون عملوا بإدارة الحدود والأجانب، ومشرفون أمنيون على سفارات تونسية في الخارج، بالإضافة إلى مدير عام سابق بوزارة الداخلية يشغل وظيفة سفير بإحدى الدول العربية.
وقال المحلل السياسي، شكري بن عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "وزارة الداخلية تحوّلت اليوم بأكثر حدة وقوة مما مضى إلى أكثر مؤسسات الدولة السيادية"، مضيفاً أنها "تحوّلت إلى أكثر جهاز تحت التحكم والتوظيف السياسي من رئيس الجمهورية قيس سعيّد".
وتابع أنّ "تعيين شرف الدين وزيراً الداخلية، وهو الذي كان مدير حملة سعيّد الانتخابية في إحدى الجهات بالساحل، لم يكن تعييناً لاعتبارات الكفاءة والجدارة، بل بالولاء وللمؤيدين وجماعة سعيّد".
وأضاف بن عيسى أنّ "وزير الداخلية يعتبر نفسه الذراع التي تنفذ قرارات وتوجهات سعيّد، بل إنّ شرف الدين خلال عملية الإقامة الجبرية المخالفة للقانون للنائب نور الدين البحيري، كان في صراع ويتهم وزارة العدل في العلن".
ووُجهت انتقادات واسعة للندوة الصحافية التي عقدها في وقت سابق وزير الداخلية توفيق شرف الدين، حول وضع المحامي ونائب رئيس "حركة النهضة" نور الدين البحيري قيد الإقامة الجبرية، حيث وصفها المعارضون بالفضيحة، وبمحاولة لإفشال الحشد لاحتجاجات 14 يناير/كانون الثاني، لقطع الطريق أمام المحتجين.
ولفت بن عيسى إلى أنّ "عملية التطهير والتصفية في القيادات العليا للداخلية تتم حسب الانتماء والموالاة، ولا توجد مقاييس واعتبارات الدولة والحياد وغيرها في التعيين".
وتابع المتحدث ذاته قائلاً "هذه الوزارة هي وزارة مفتاح عند سعيّد، بالعودة أيضاً إلى تعيينات المحافظين والمعتمدين (خاضعون للداخلية في المحليات) والتعيينات الأخيرة من المقربين وأنصار سعيّد ممن قادوا حملته في عدد من الجهات، تم تعيينهم في محافظة تونس وبنزرت وبن عروس".
وبيّن أنّ "الوزارة الأقوى في تنفيذ توجهات سعيّد لإطباق السيطرة والهيمنة على كل الأجهزة هي وزارة الداخلية، ومن المفروض أن تكون بعيدة عن التجاذبات وأن تكون مؤتمنة بتطبيق القانون، ولكنها للأسف هي في مهبّ النعرات السياسية والتوجهات الخادمة لاعتبارات الشخص الواحد".
وللمرة الثانية خلال فترة محدودة يتخذ شرف الدين هذا الإجراء العقابي في حق مسؤولين بارزين في وزارة الداخلية التونسية، بعد قائمة أولى شملت 20 مسؤولاً أحالهم على المعاش الإجباري، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وقد أعفى الوزير، منذ شهرين، المديرين العامين السابقين للمصالح المختصة (الاستخبارات) من خلال إحالتهما على التقاعد الوجوبي وهما محرز الزواري والأزهر اللونقو، الموضوع قيد الإقامة الجبرية.
كما شملت الإعفاءات رئيس فريق أمن الطائرات سابقاً عبد الكريم العبيدي، وفتحي البلدي (الموضوع قيد الإقامة الجبرية في ملف البحيري).
ومن الأسماء القيادية البارزة في الأمن وشملها التقاعد الوجوبي، آخر مدير عام للأمن الوطني، وآخر آمر للحرس الوطني وهما زهير الصديق ومحمد علي بن خالد، بالإضافة إلى المسؤولين وحيد التوجاني وعماد الغضباني وحمزة بن عويشة.
واحتجت نقابات أمنية تونسية، في وقت سابق، مطالبة بالكشف عما يفيد بتجاوزات منسوبة للمحالين على التقاعد الوجوبي، وسط وجود مؤشرات للسيطرة على وزارة الداخلية وتوظيفها، مشددة، في بيان لها، على وجوب تقديم ملف كل من ثبت تورطه إلى العدالة ضماناً لعدم الإفلات من العقاب وقطعاً للطريق أمام صفقات الخروج الآمن على حساب مصلحة الوزارة وأبنائها. وشددت كذلك على "ضرورة رد الاعتبار لكل من لم يثبت تورطه فعلياً في ارتكاب تجاوزات أو إخلالات أضرت بالمؤسسة".