إحجام تبون عن زيارة الولايات الجزائرية: تفسيرات سياسية ووبائية

20 ابريل 2022
انشغل تبون بأزمة كورونا وتداعياتها (رياض الكرامضي/فرانس برس)
+ الخط -

بخلاف أسلافه من الرؤساء، لم يقم الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، منذ تسلمه الحكم في ديسمبر/كانون الأول 2019 وحتى اليوم، بأي زيارات إلى الولايات الجزائرية الداخلية، سواء لاستطلاع أوضاعها، أو الوقوف على تنفيذ القرارات الحكومية والمشاريع الاقتصادية، أو لقاء النخب المحلية فيها.

ويأتي هذا الإحجام عن الزيارات الداخلية، علماً أن تبون، الذي وصل إلى السلطة في ظروف متوترة سياسياً وشعبياً، كان قطع وعوداً مع الناخبين في الولايات خلال حملته الرئاسية، بالعودة إليهم. ويُرجع متابعون غياب الجولات الداخلية لتبون، إلى جملة من الأسباب السياسية، فضلاً عن الدور الذي لعبته أزمة تفشي كورونا في ذلك.

زيارات داخلية معدومة للرئيس الجزائري

وقام الرئيس تبون، خلال النصف الأول من عهدته الرئاسية الأولى، بزيارات محدودة إلى نقاط معينة في محيط العاصمة الجزائرية، كمسجد الجزائر الأعظم، وتدشينه جدارية للجزائريين المنفيين من قبل الاستعمار الفرنسي إلى كاليدونيا (في ساحة الشهيد بوجمعة حمّار وسط العاصمة)، وافتتاح معرض الإنتاج في الجزائر (2019)، أو زيارته مقر وزارة الدفاع.

ما عدا ذلك، فإن تبون لم يزر أي ولاية أخرى خارج ولاية الجزائر، بما فيها ولاية تيزي وزو، عاصمة منطقة القبائل (كان تبون والياً عليها منتصف الثمانينيات)، والتي كان تعهد خلال أول مؤتمر صحافي أجراه بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية، بزيارتها، لكونها الولاية الوحيدة التي لم يقم بها تجمعاً انتخابياً.

لم يزر تبون بعد ولاية تيزي وزو، التي كان تعهد بعد فوزه بالانتخابات، بزيارتها
 

وكان للمعطيات السياسية التي رافقت إجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر 2019، ومستوى المقاطعة الشعبية الكبير لهذا الاستحقاق، واستمرار تظاهرات الحراك الشعبي لأشهر بعد ذلك (حتى توقفها في مارس/آذار 2020 بسبب كورونا)، أن تفرض على الرئيس التخطيط لبعض الزيارات إلى الولايات الداخلية لترميم شعبيته، على غرار ما قام به سلفه الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مباشرة بعد انتخابه في إبريل/نيسان 1999، لترميم شعبيته بعد انسحاب منافسيه الستة من انتخابات الرئاسة.

إلا أن تلك الظروف والمعطيات كانت في حدّ ذاتها مقلقة لرئاسة تبون، ودفعتها إلى استبعاد فكرة تنظيم زيارات داخلية.

أولوية لترتيب بيت الرئاسة الجزائرية

وجاء ذلك خصوصاً أن الأولوية كانت بالنسبة لتبون حين تسلّمه السلطة، إعادة ترتيب بيت الرئاسة وإجراء لقاءات مع قادة الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية وطرح مبادرات لاحتواء الحراك الشعبي، بالإضافة إلى اختيار الفريق الحكومي الذي سيعمل معه والتفكير في الخطط والخيارات السياسية التي لم تكن جاهزة بعد حينها بشكل كاف لطرحها.

وإضافة إلى هذه المعطيات، والوعكة الصحية التي ألمت به في أكتوبر/تشرين الأول 2020 ما استدعى نقله للعلاج في ألمانيا، فإن قراءة في السلوك السياسي للرئيس تبون تشير إلى عدم تحمسه إلى هذا النوع من السياسات التي تقوم على اللقاءات الجماهيرية والزيارات المكثفة إلى الولايات، خصوصاً في ظل عدم وجود مشاريع تستدعي زيارة رئاسية.

مخصصات مالية مفقودة

ويأتي ذلك فضلاً عن أن مثل هذه الزيارات تفرض طرح مخصصات مالية لكل ولاية تتم زيارتها لتنفيذ مشاريع وبنى تحتية، وهو أمر لم يكن متوفراً بالنسبة للحكومة في ذلك الحين بسبب الأزمة المالية الحادة التي مرّت بها الجزائر خلال فترة كورونا نتيجة تراجع مداخيل البلاد من النفط، قبل الطفرة الأخيرة للأسعار بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.

ويربط المحلل وأستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، توفيق بوقاعدة، إحجام الرئيس تبون عن الخروج إلى الشارع خلال الفترة الماضية، بمجموعة من الأسباب.

ويقول بوقاعدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الظرفية الزمنية التي جاء فيها تبون إلى السلطة لم تكن مساعدة على ذلك، إذ كانت هناك حالة من التوتر السياسي مباشرة عقب انتخابه، بحيث كان الخروج إلى الشارع بمثابة مغامرة سياسية وأمنية، وكان يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية، خصوصاً أن الرئيس تبون لم يحصل حينها على نتائج مطمئنة من الانتخابات".

ويضيف المحلّل السياسي أنه "إذا تجاوزنا السبب الثاني المتعلق بكورونا والإغلاق الذي نجم عنه، فإن السبب الأهم لغياب الزيارات الداخلية لتبون، يتعلق بعدم امتلاك الرئيس لمشروع سياسي واقتصادي واضح يمكن أن يشكل أساساً للقيام بمثل هذه الزيارات، كما أنه لم تكن تتوفر له حزمة مالية يمكن توزيعها على الولايات".

ويشير بوقاعدة إلى أن "بعض الأسباب الراهنة وحالة الانكماش التي عاشها الاقتصاد الجزائري وغياب منجزات عملية سياسياً واقتصادياً للرئيس، تجعل الخروج إلى الشارع خطوة غير ذات جدوى، والغضب الشعبي من الغلاء والانسداد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، كلها عوامل تجعل من الصعوبة بمكان أن تسهم الزيارات في امتصاص قلق الجزائريين".

ظروف ومعطيات صحية وسياسية واقتصادية كانت مقلقة لرئاسة تبون، ودفعته حتى الآن إلى استبعاد فكرة تنظيم زيارات داخلية

لكن المؤيدين للرئيس عبد المجيد تبون يعتبرون أن هناك عوامل موضوعية لم تسمح للأخير بتنظيم زيارات إلى الولايات الداخلية، تأتي على رأسها أزمة كورونا التي فاجأت الجزائر والعالم مباشرة بعد تسلم تبون للسلطة، وإقرار الإغلاق منذ مارس 2020 لمدة فاقت العام، حيث لم يكن يسمح بأي نوع من التجمعات أو التظاهرات.

وفي هذا الإطار، يعرب جمال لهديري، وهو أحد كوادر الحملة الانتخابية لصالح الرئيس تبون، في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن التركيز الأساس بالنسبة للرئيس في الفترة الماضية، "كان مرتبطاً بكيفية إدارة الأزمة الصحية والحصول على اللقاحات، بالإضافة وجود عوامل سياسية تتعلق بمشاريع صياغة الدستور الجديد في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، والقوانين الناظمة للانتخابات وتنظيم الانتخابات النيابية والمحلية منتصف ونهاية العام الماضي". وبرأيه، فإن هذه الظروف "لم تكن لتتيح للرئيس تنظيم زيارات إلى الولايات".

تبون... تفكير مبكر بالولاية الثانية

من جهته، يتوقع حسام براهيمي، وهو ناشط سياسي في ائتلاف "المسار الجديد" وموالٍ للرئيس، أن "الانتهاء من تنفيذ الخطط والأولويات السياسية وإعادة تركيز المؤسسات الدستورية، والإحاطة الكاملة بتداعيات الأزمة الصحية لكورونا، تدفع الرئيس تبون اليوم إلى الانتقال لمنح الأولوية للقضايا الاقتصادية والتنمية، ما يدفعنا إلى توقع أن يبدأ بعد عيد الفطر (بداية مايو/أيار المقبل) تنظيم زيارات إلى الولايات للوقوف على تنفيذ الخطط والمشاريع الاقتصادية".

ويتوقع مراقبون أن تشهد المرحلة المقبلة المتبقية من العهدة الرئاسية الأولى لتبون، خروجه إلى الولايات، وتميل بعض المؤشرات إلى أن الرئيس الجزائري ومحيطه بدأوا يفكرون مبكراً في انتقاله إلى عهدة رئاسية ثانية بعد استقرار الأوضاع الداخلية لصالح السلطة وخياراتها وتقلص مساحات نشاط قوى المعارضة السياسية والشعبية.

ويفرض مثل هذا الخيار، خصوصاً بعد انتهاء مبررات الأزمة الصحية، على تبون التفكير في إجراء زيارات إلى الداخل، وخصوصاً إلى الولايات التي تضم مشاريع حيوية بالنسبة للجزائر، والتي يراهن عليها الرئيس تبون في خطط الإنعاش الاقتصادي والتخلص من التبعية للنفط، وذلك قبل موعد الانتخابات المقبلة لقياس شعبيته.

علماً أن بعض الاستحقاقات المقبلة، تفرض على تبون الانتقال إلى الولايات، كافتتاح ألعاب البحر الأبيض المتوسط المقررة في مدينة وهران غربي الجزائر، في شهر يوليو/تموز المقبل.