شكّلت الجلسة الثامنة للبرلمان اللبناني، اليوم الخميس، حلقة مُكرّرة من "مسرحية" انتخاب رئيس جديد للبلاد كما بات يسمّيها غالبية النواب على قاعدة أن التوافق السياسي هو الطريق الوحيد لملء الشغور الرئاسي، وذلك في ظل عدم وجود أكثرية نيابية قادرة على إيصال مرشحها، وانطلاقاً من التجارب الرئاسية التي تقوم على التسوية المُنجَزة بعيداً من اللعبة الديمقراطية.
وقبل تعطيل نصاب الدورة الثانية وتحديد رئيس البرلمان نبيه بري جلسة جديدة الخميس المقبل، تصدّرت الورقة البيضاء في الدورة الأولى، عدد أصوات النواب الـ111 المقترعين، بـ52 صوتاً، والتي تُمثل "حزب الله" وحلفاءه، بشكل أساسي. وحاز النائب ميشال معوض على 37 صوتاً، مع تسجيل تراجع ملحوظ برصيده مقارنة مع الجلسة الماضية التي نال فيها 42 صوتاً.
ويعدّ معوض مرشح أحزاب "القوات اللبنانية" (يرأسه سمير جعجع)، و"الكتائب اللبنانية" (يرأسه النائب سامي الجميل)، و"التقدمي الاشتراكي" (يرأسه وليد جنبلاط)، وبعض نواب التغيير المنقسِمين، والمستقلين، علماً أن هذه المجموعة غير متمسِّكة بمعوض بشكل نهائي، ومستعدة للسير بمرشح آخر في حال تأمين توافق واسع عليه بعد توحيد صفوف المعارضة، في حين يُصنّفه "حزب الله" وحلفاؤه بمرشح "التحدّي".
ويواصل نواب "حزب الله" وحلفائه اختيار الورقة البيضاء لعدم توافقهم بعد على مرشح رئاسي، رغم أن أكثرية هذا الفريق تؤيد بشكل غير مُعلن وصول رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية لسدة الرئاسة، لكن العقبة الأساسية التي تحول دون السير به رسمياً، تتمثل بالرفض المطلق الموضوع على اسمه من قبل رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي بدأ يسوق داخلياً وخارجياً لبعض الأسماء "المستقلّة" مع تراجع أوراقه الرابحة كمرشح رئاسي.
ومن خارج لعبة الموالاة والمعارضة التقليدية، حاز الباحث والمؤرخ عصام خليفة على 4 أصوات وهو يحظى بتأييد بعض نواب "التغيير"، بينما نال شعار "لبنان الجديد" 9 أصوات وهو يعبّر عن أصوات عددٍ من النواب المستقلّين، الذين يتريثون في السير بمرشح محدد حتى نضوج تسوية سياسية ما.
وحاز وزير الداخلية الأسبق زياد بارود على صوتين، علماً أنه من الأسماء التي تردد أنها على لائحة باسيل، بينما نزلت في صندوق الاقتراع أسماء وشعارات من بوابة توجيه رسائل سياسية ولمجرد التصويت فاعتُبرت لاغية.
جلسة برلمانية على وقع تغييرين نيابيين وحدثين مالي وسياسي
وجاءت جلسة اليوم الخميس على وقع تغيير نيابي تمثّل بانضمام النائبَيْن "الجديدَيْن" فيصل كرامي وحيدر آصف ناصر إلى البرلمان بعد إبطال المجلس الدستوري نيابتَيْ رامي فنج وفراس السلوم. وأعلن كرامي أنه "صوّت اليوم للتوافق"، مع الإشارة إلى أنه يعدّ من المقرّبين جداً إلى "حزب الله" وأحد أبرز حلفائه من الطائفة السنية في طرابلس شمالاً.
كما تزامنت الجلسة مع حدثَيْن مؤثّرَيْن، الأول شعبي، بدخول الدولار الجمركي على أساس 15 ألف ليرة لبنانية بدلاً من 1507 ليرات حيز التنفيذ اليوم، في ظل غياب الإجراءات الرادعة لجشع التجار الذين يستغلون تقاعس الجهات الرسمية لتحقيق أرباح طائلة على حساب معاناة المواطنين الذين سيكونون أمام موجة غلاء عشوائية.
والحدث الثاني، ينذر بصراع سياسي دستوري، مع ارتفاع وتيرة الحديث عن اتجاه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد ما سيفتح المجال أمام فتاوى دستورية حول صلاحيات ومشروعية هذه الخطوة، سيما في ظل شغورٍ رئاسيٍّ ويُجدّد المواجهة بين ميقاتي و"التيار الوطني الحر" الذي كرّر أمس الأربعاء وقوفه بوجه ما يعتبره "مخالفة دستورية".
وقالت الهيئة السياسية في "التيار" بعد اجتماعها أمس برئاسة باسيل إن "ميقاتي يمتنع عمداً عن القيام بما يمكن للحكومة القيام به من ضمن صلاحياتها المحددة في الدستور، وبالمقابل، فإنه يعد لمراسيم غير دستورية ويصدر قرارات غير شرعية بصلاحيات لا يمتلكها".
وأشارت إلى أن "ذلك يترافق مع حملة سياسية مبرمجة تطالب بعقد جلسة لمجلس الوزراء، خلافاً للدستور، بحجة تأمين الأموال للمتطلبات الأساسية، تحت طائلة اتهام من يرفض مخالفة الدستور بأنه سيكون في مواجهة مع الناس".
وأكدت الهيئة أن "التيار الوطني الحر لا يخضع لأي ابتزاز، وهو يرى أن الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية".
وبلغت هذه المواجهة حدتها مع توجيه الرئيس السابق، ميشال عون، عشية انتهاء ولايته في 30 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي رسالة إلى مجلس النواب شدد فيها على عدم موافقته قطعاً ممارسة حكومة تصريف الأعمال الحالية صلاحيات رئاسة الجمهورية وكالة حتى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، منبهاً مما يمكن أن تنحرف إليه الأمور في ما هو ليس من مصلحة البلاد.
ويلوّح "التيار" بمواجهة انعقاد الجلسة بمقاطعتها من قبل وزرائه بيد أنه لم يحسم خطوته بشكل معلن رسمياً لعوامل عدة أبرزها أن هناك وزراء محسوبين عليه لا يلتقون معه بهذا الاتجاه. كما أن باسيل لم يحصل على تأييد من قبل حلفائه سيما "حزب الله" بملاقاته، والذي ينشط وزراؤه على صعيد الاجتماعات الوزارية المصغرة واللجان ويرى بحسب أوساطه ضرورة في تسيير المرفق العام، وأن هناك قرارات مالية طارئة تتطلب انعقاد مجلس الوزراء.
وناقش البرلمان اللبناني رسالة عون ليقرر بعدها ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للقيام بمهامه كحكومة تصريف أعمال.
ولم يتمكن ميقاتي منذ تكليفه في 23 يونيو/ حزيران الماضي وحتى انتهاء ولاية عون في 31 أكتوبر/ تشرين الأول من تشكيل حكومة جديدة في وقتٍ دخلت حكومته مرحلة تصريف الأعمال منذ مايو/ أيار الماضي، بعد انتخاب مجلس نيابي جديد في 15 مايو، وهو ما يتذرع به أيضاً فريق باسيل للوقوف بوجه حركة الحكومة الفاقدة لثقة البرلمان الحالي.
انعقاد مجلس الوزراء مشروط بجدول أعمال "غير فضفاض"
في السياق، قال الخبير الدستوري والمحامي سعيد مالك لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة الراهنة هي حكومة تصريف أعمال وتصرف بالمعنى الضيق، لكن التصريف هذا لا يعفيها من موجب معالجة أي أمر طارئ ممكن أن يحدث ويلحق ضرراً وأذى على صعيد المجتمع وبالبلاد والعباد".
ولفت بالتالي إلى أن "ميقاتي يحق له أن يدعو مجلس الوزراء للانعقاد بشكل استثنائي لكن بشرط أن يكون جدول أعمال الجلسة غير فضفاض، ويقتصر على القضايا الملحة والطارئة دون غيرها".
وأوضح مالك أن "النصاب اللازم لالتئام مجلس الوزراء هو أكثرية ثلثي أعضاء الحكومة أي ما يعادل 16 وزيراً من أصل 24، أما القرارات الصادرة فإما تكون توافقية تتخذ بين الوزراء المجتمعين، وإلا فبالتصويت بالنصف زائدا واحدا من الحضور في القضايا العادية، وثلثي أعضاء الحكومة لتلك الطارئة والملحة".
ويرى الخبير الدستوري أن القرارات المالية التي تتخذ في هذه الفترة منها نتيجة قانون الموازنة لعام 2022 المطعون به أمام المجلس الدستوري تعتريها الكثير من الشوائب ويمكن أيضاً الطعن بها أمام مجلس شورى الدولة.
وفي ظل الشغور الرئاسي ووجود حكومة تصريف أعمال متنازع على صلاحياتها، ومجلس نيابي معترض على انعقاده لجلسات خارج إطار انتخاب الرئيس، يعيش لبنان فوضى شاملة على وقع قرارات بعيدة من أي خطة شاملة أو برنامج إصلاحي.
وقررت السلطات اللبنانية السير بدولار جمركي جديد سيزيد أسعار السلع والبضائع المستوردة أضعافاً قبل أن تصدر لائحة السلع المعفاة من الرسوم، وقبل أن تضع حدّا للتخزين والاحتكار والتهرّب الضريبي والتهريب عبر المعابر والمرافئ الشرعية وغير الشرعية والتلاعب بالفواتير.
دعوة سعودية إلى ميقاتي
على صعيد آخر، تسلم ميقاتي أمس الأربعاء دعوة من العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، لحضور القمة العربية الصينية التي تستضيفها الرياض في التاسع من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
وشدد السفير السعودي لدى لبنان وليد البخاري بعد تسليمه ميقاتي الدعوة على "أهمية المضي في البرنامج الإصلاحي للحكومة وخريطة الطريق الموضوعة من قبل صندوق النقد الدولي واستكمال الإصلاحات بالتعاون مع مجلس النواب".