استبق تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) خطط تركيا إنشاء منطقة خالية من التنظيم في ريف حلب الشمالي، محقّقاً المزيد من التقدّم في النقاط الاستراتيجية على جبهات القتال ضد قوات المعارضة السورية في تلك المنطقة.
وأحرز "داعش" مساء الجمعة تقدّماً غير مسبوق على جبهات القتال، إذ تمكّن من السيطرة على قرية تلالين الواقعة إلى الشمال مباشرة من مدينة مارع ثاني أكبر معقل لقوات المعارضة في ريف حلب الشمالي بعد مدينة تل رفعت. وجاءت سيطرة قوات "داعش" على تلالين لتزيد من الخناق الذي يفرضه التنظيم على مقاتلي المعارضة المتحصنين في مارع، ذلك أنه تمكّن قبل أربعة أيام فقط من إحكام السيطرة على قرية أم حوش الواقعة إلى الجنوب من مدينة مارع.
وأكد الناشط الإعلامي الميداني حسن الحلبي، لـ"العربي الجديد"، أن قوات المعارضة تكبّدت خسائر كبيرة في قرية تلالين قبل أن تضطر للانسحاب من القرية مع احتفاظها بالسيطرة على عدة مبان في مداخل القرية الجنوبية.
وأوضح الحلبي أن "داعش" شن هجوماً كبيراً على القرية مع غروب شمس يوم الجمعة لتندلع اشتباكات عنيفة في المنطقة بين قوات "الجبهة الشامية"، أكبر تشكيلات قوات المعارضة في المنطقة، وقوات "داعش" التي تمكّنت خلال ساعات قليلة من حسم القتال لصالحها في القرية، ووصلت تعزيزات لقوات المعارضة إلى المنطقة وخاضت بالاشتراك مع تعزيزات أرسلتها جبهة "النصرة" إلى المنطقة، معارك عنيفة ضد "داعش" في قرية تلالين من دون أن تنجح في استعادة السيطرة على القرية.
وأشار الحلبي إلى أن تعزيزات "النصرة" التي وصلت إلى تلالين، انسحبت من مناطق القتال بعد وصول طيران التحالف الدولي للمنطقة خوفاً من استهداف هذا الطيران لها، لكن طيران التحالف استهدف بعد انسحاب "النصرة" النقاط التي تمركز فيها عناصر "داعش" في القرية بخمس غارات جوية.
وكانت "النصرة" قد أعلنت منذ أيام قليلة عن انسحابها الكامل من جبهات القتال ضد تنظيم "داعش" في ريف حلب الشمالي، مبررة ذلك بعدم استعدادها للمشاركة في مشروع المنطقة الخالية من التنظيم والتي تسعى تركيا إلى إنشائها في ريف حلب في المناطق المقابلة للحدود التركية بعمق يزيد عن أربعين كيلومتراً وبطول يزيد عن تسعين كيلومتراً.
واعتبرت "النصرة" في بيانها أن هذا المشروع يخدم المصالح التركية وسيؤدي إلى خلافات بين الفصائل التي تقاتل "داعش" على الأرض، لتقرر الجبهة الانسحاب من جبهات القتال ضد "الدولة الإسلامية" في ريف حلب.
وكان لانسحاب "النصرة" من جبهات القتال ضد "داعش" في ريف حلب أثر سلبي كبير على هذه الجبهات، إذ كانت قوات الجبهة ترابط في القرى القريبة من الحدود السورية التركية، ولم تنجح قوات "لواء السلطان مراد" التابعة للجيش الحر، والتي تتكوّن في معظمها من مقاتلين تركمان، بسد الفراغ الذي تركه انسحاب "النصرة"، على الرغم من محاولتها الجدية التقدّم على حساب "داعش" في المنطقة. لكن خبرة مقاتلي "داعش" على هذه الجبهة كانت عاملاً حاسماً في منحهم التفوّق الميداني على حساب مقاتلي "لواء السلطان مراد"، الأمر الذي مكّن مقاتلي "داعش" من استعادة جميع النقاط التي خسروها في منطقتي الخربة ومعمل الغاز منذ أيام، قبل أن يتمكنوا من السيطرة على قرية تلالين أخيراً.
اقرأ أيضاً: اشتباكات بين المعارضة السورية و"داعش" قرب الحدود التركية
ولم تقدّم تركيا أي إسناد جوي أو بري لقوات المعارضة التي تقاتل ضد "داعش" باستثناء القصف المدفعي والجوي الذي شنّه الجيش التركي على نقاط التنظيم في ريف حلب الشرقي مطلع الشهر الحالي، والذي جاء بعد أيام قليلة من الاشتباك الذي حصل بين "داعش" وقوات حرس الحدود التركية على الحدود السورية التركية قرب قرية عياشة القريبة من بلدة الراعي التي يسيطر عليها "داعش".
وأدى طرح تركيا لفكرة إنشاء منطقة آمنة أو خالية من تنظيم "داعش" في ريف حلب، إلى استنفار التنظيم على المستويين الأمني والعسكري في المناطق التي يسيطر عليها في ريف حلب الشرقي والشمالي، وبالإضافة إلى تصعيد عملياته العسكرية ضد قوات المعارضة والتي نجم عنها حتى الآن قضمه لمزيد من مناطق سيطرة المعارضة بريف حلب، شن جهاز الأمن في التنظيم حملات اعتقال كبيرة في مناطق سيطرته، استهدفت حتى الآن في غالبيتها سكاناً أكرادا من سكان القرى الكردية في ريف مدينة الباب شمال شرق حلب.
وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد" في ريف حلب الشرقي، قيام "داعش" باعتقال سبعين مواطناً من أبناء قرية شدود في ريف حلب، بالإضافة إلى نحو عشرة آخرين من أبناء قرية الشيخ جراح القريبة منها. وقام التنظيم أيضاً بمصادرة خمسة وأربعين منزلاً لسكان هربوا منه في قرية تل جرجي الواقعة إلى الشمال من مدينة الباب.
وأشارت المصادر إلى أن حالة رعب وترقب تسود بين السكان في مناطق سيطرة "داعش"، خصوصاً في القرى الكردية التي يواصل فيها التنظيم حملات الاعتقال بين السكان، في إطار سعيه كما يبدو إلى ضبط الأوضاع الأمنية في مناطق سيطرته والقضاء على أي احتمالات لحدوث اختراقات أمنية فيها.
اقرأ أيضاً: تركيا تضع أسس "المنطقة الآمنة" ميدانيّاً