أصدرت محكمة دنماركية في مدينة أودنسه (جنوب وسط)، قبل ظهر اليوم الثلاثاء، حكماً بالسجن المشروط لشهرين على المدير التنفيذي لشركة نقل النفط الدنماركية "دان بنكرينغ" كيلد ديمانت، لقيامها بانتهاك العقوبات الأوروبية على النظام السوري.
وبالإضافة إلى ذلك، قضت المحكمة بتغريم الشركة مالياً بما يصل إلى نحو 45 مليون كرونه عن معاملتها التي ساعدت الروس على نقل وقود للطائرات الحربية إلى الموانئ السورية.
ويأتي حكم اليوم بعد أن وجه الادعاء العام الدنماركي اتهامات للشركة بنقل ما لا يقل عن 172 ألف طن من وقود الطائرات الحربية الروسية بين 2015 و2017 بطرق ملتوية في البحر الأبيض المتوسط، لتساهم تلك الشحنات في تغذية آلة التدمير التي أسفرت عن مقتل الآلاف وتهجير السكان.
وكانت الأدلة التي جمعت بحق "دان بنكرينغ"، بحسب معلومات قدمت من الجانب الأميركي إلى شرطة مكافحة الجرائم الدولية في الدنمارك، كشفت عن تعاونها مع رجال أعمال روس على صلة بالكرملين، ينطلقون من جيب كالينينغراد بين بولندا ودول البلطيق، للالتفاف على عقوبات الاتحاد الأوروبي.
وكشف الادعاء العام في الدنمارك عن الوسائل التي كان الروس يتغلبون فيها على العقوبات الأوروبية على النظام السوري، من خلال قيامهم بتجنب الموانئ الأوروبية باستخدام الشركة الدنماركية بنقل وقود للطائرات الحربية في سورية، من خلال "عميل روسي" لنقل الوقود إلى ناقلة روسية تدعى "موخالتكا". وفي 33 مناسبة، كان العميل الروسي، المرتبط بالجيش الروسي مباشرة، استطاع التعاقد مع شركة "دان بنكرينغ"، لنقل ذلك الوقود على مدار عامين، ما ساهم في تعزيز القدرة على قصف الطائرات الحربية الروسية لتدعيم بقاء نظام بشار الأسد في الحكم.
وعلى الرغم من ادعاء الشركة أنها لم تكن تعلم أن الوقود كان سيستخدم في الطائرات الحربية، إلا أن الوثائق التي قدمها الادعاء، أثبتت، من طريقة الاتصال بالجانب الروسي في القضية، أنها كانت تعلم تماماً بشأن العقوبات الأوروبية، وبوجهة عشرات آلاف أطنان الوقود التي أفرغت في ميناء بانياس السوري، ومنه إلى قواعد الطائرات الحربية.
وتسلّح الادعاء العام بشهادات، من بينها عملاء استخبارات أميركيون، ووثائق تخص الشركة، بأنه رغم ورود تحذير في نهاية عام 2016 من أن شيئاً غير قانوني يحدث مع عمليات النقل، استمرّ المسؤولون في "دان بنكرينغ" بنقل الوقود إلى الطائرات الحربية.
"دليل حاسم"
وشكلت طريقة تصرف سفن نقل الشركة والناقلة الروسية بإغلاق أجهزة التعقب وتحديد الأمكنة عند التسليم والاستلام، دليلاً حاسماً تسلح به الجانبان الدنماركي والأميركي في القضية، إذ أشارت تلك التصرفات في أكثر من مناسبة، إلى معرفة الجانبين أنهما ينتهكان العقوبات الأوروبية على النظام في سورية. ولعبت الوثائق الأميركية المقدمة للمحكمة، وحضور عملاء للـ"إف بي آي" الأميركي للإدلاء بشهادة، دوراً حاسماً في مداولات القضية. وشمل ذلك مراسلات ومعلومات مصرفية بين سوريين وروس مشتبه فيهم بالالتفاف على العقوبات على النظام السوري.
وحاولت هيئة الدفاع عن الشركة اللعب على نقطة أساسية بعد توالي الأدلة المورطة لها، باعتبار أن "العقوبات الأوروبية لا تشمل الجانب الروسي". وأكد هؤلاء أنه حتى لو وصل بعض الوقود المنقول إلى بانياس السورية، فإن "الجانب الروسي ليس فيه انتهاك للقوانين". وسلّط الدفاع على أن محاكمة الشركة على خلفية العقوبات الأوروبية ليس صحيحاً، "لأنها عقوبات يمكن المعاقبة عليها فقط في حال انتهى الوقود في أيدي السوريين وليس في الطائرات الروسية".
وخلال جلسات المحاكمة، كشف النقاب عن أن الاستخبارات الدنماركية كانت تتنصت على هاتف مالك الشركة، توربن أوسترغورد نيلسن، وابنته المشاركة في الملكية، نينا بوريس، حيث ذكر المالك لابنته في مكالمة بينهما في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد قليل من الكشف الإعلامي عن انتهاك العقوبات أن "الأمور لا تبدو جيدة.. إننا نخسر خسارة كبيرة".
وينصّ قانون العقوبات الأوروبي في فقرته "7 أ"، على حظر "بيع أو توريد أو نقل وتصدير وقود الطائرات ومضافات النفط بشكل مباشر أو غير مباشر لأشخاص أو كيانات أو هيئات في سورية أو لاستخدامه في سورية".
ورفضت محكمة أودنسه الدنماركية طلب فريق الدفاع نقل القضية إلى محكمة العدل الأوروبية، أو الحصول منها على تفسير للعقوبات، معتبرة أنها قادرة بنفسها على تقييم وتفسير العقوبات الأوروبية على سورية.