بكثير من الأهمية ينظر إلى زيارة نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال إلى موسكو، اليوم الخميس، والتي سيبحث خلالها ملفات عالقة بين روسيا وتركيا حول الملفين الليبي والسوري، ويسود الترقب بشأن ما سيعود به أونال من موسكو من نتائج تحيط بالملفين، ولا سيما الملف السوري وذلك بعد التطورات الأخيرة في إدلب.
وبحسب ما نقلته وكالة "تاس" الروسية عن السفارة التركية في موسكو، فإنّ أونال سيبحث في لقاءين الملفين السوري والليبي دون تحديد من سيلتقيهم نائب الوزير في زيارته، ولم تشر كذلك السفارة في هذه التصريحات إلى اصطحاب الدبلوماسي أونال لوفد معه خلال الزيارة من عدمه، علماً أنه دائماً ما ترأس فريق الدبلوماسيين والتقنيين الأتراك خلال الاجتماعات التفاوضية مع الجانب الروسي حول الملفين الليبي والسوري.
أهمية زيارة نائب الوزير بالنسبة للملف السوري، تأتي بعد تطور لافت في الأيام القليلة الماضية، حيث عمدت أنقرة إلى سحب نقطة المراقبة العسكرية التاسعة في مورك، شمالي حماة، وهي أكبر نقطة مراقبة للجيش التركي في جنوب "منطقة خفض التصعيد" (إدلب ومحيطها)، ما عده مراقبون ومدنيون في إدلب تراجعاً من أنقرة حول التزاماتها بإعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم التي أبعدتهم عنها قوات النظام السوري والمليشيات المدعومة من إيران وروسيا خلال عملياتها العسكرية الأخيرة وقضم مساحات واسعة من "منطقة خفض التصعيد" قبل إبرام اتفاق وقف إطلاق النار بين تركيا وروسيا، في 5 مارس/ آذار الماضي.
وكانت آخر جولة من المباحثات بين الدبلوماسيين والعسكريين الروس والأتراك، منتصف الشهر الماضي، رشح عنها ما سربته وسائل إعلام روسية بأنّ موسكو طلبت من أنقرة سحب نقاطها العسكرية من جنوب طريق حلب – اللاذقية الدولي "أم 4"، أي جنوب "منطقة خفض التصعيد"، الأمر الذي قابلته أنقرة بالرفض، لتطرح موسكو مقترحاً آخر يتضمن سحب أنقرة للسلاح الثقيل من المنطقة المذكورة، وهذا ما لم تجب عليه أنقرة لا بالرفض ولا بالقبول، بحسب التسريبات.
إلا أن وسائل إعلام أخرى، روسية كذلك، تحدثت عن طلب أنقرة تسليمها مدينتي منبج وتل رفعت، شمالي حلب، اللتين تسيطر عليهما الوحدات الكردية، مقابل الانسحاب من مناطق جنوبي طريق "أم 4".
غير أنّ سياسيين أتراكاً نفوا في تصريحات لـ"العربي الجديد"، حينها، صحة هذه المقايضة، موضحين أنّ تركيا ليست بوارد القبول بأي مقايضات، ولا تزال تشدد على التزامها بالحفاظ على وقف إطلاق النار وتطبيق الاتفاقات بين روسيا وتركيا، بالإضافة للاستمرار بمطلبها الرئيسي، وهو إبعاد قوات النظام إلى ما وراء حدود "منطقة خفض التصعيد" (إدلب ومحيطها)، بناء على الحدود الجغرافية لاتفاق سوتشي 2018.
وشهد، أول أمس، الثلاثاء، انسحاباً لنقطة المراقبة التركية التاسعة التي كانت متمركزة في مدينة مورك، شمالي حماة، في الجزء التابع منه لـ"منطقة خفض التصعيد" قبل السيطرة عليه من قبل قوات النظام في منتصف العام الماضي، وتمركزت النقطة المنسحبة في بلدة قوقفين المرتفعة والواقعة على خط التماس بين قوات النظام والمعارضة في جبل الزاوية، جنوبي إدلب.
وتلك الخطوة عدها المدنيون في إدلب، ولا سيما النازحون منهم جراء المعارك الأخيرة، أنها تأتي كبداية للتراجع التركي عن الالتزام بإعادة النازحين إلى مدنهم وقراهم التي أبعدتهم عنها قوات النظام وحلفاؤها خلال عمليات التقدم الأخيرة، والذين فاق عددهم 1.7 مليون نازح، خرجوا من أرياف حماه الشمالي والغربي، وإدلب الشرقي والجنوبي، وحلب الجنوبي والغربي، وكلها تتبع لـ"منطقة خفض التصعيد الرابعة" التي أقرتها مباحثات أستانة بين الضامنين: إيران وروسيا وتركيا، في مايو/ أيار 2017، وثبت حدودها اتفاق سوتشي بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان في سبتمبر/ أيلول 2018.
وعزت مصادر متطابقة من فصائل المعارضة السورية وتركيا خطوة الانسحاب من النقطة المذكورة إلى أنّ الأخيرة انتفى دورها بتقديم أي إضافة للفصائل في إدلب، إضافة لإبلاغ موسكو لأنقرة بأنها لم تعد قادرة على حماية النقطة، بحسب المصادر، التي أشارت إلى أن الاحتفاظ بهذه النقاط كان من أجل استخدامها كأوراق ضغط تفاوضية مع الجانب الروسي خلال المباحثات، سواء لفرض الاتفاق الشامل، أو في إطار عودة النازحين، ولكن عدم وجود فعالية لهذه المناطق وانتفاء دورها، وعدم الحديث عن ضمانات حقيقية لانسحاب النظام من المنطقة تمهيداً لعودة النازحين، قلّلت من أهمية وجود نقاط المراقبة هذه، وتحولت إلى عبء على تركيا.
وأضافت المصادر نفسها أن تركيا التي عززت وجودها الميداني في إدلب بشكل كبير ومكثف، كانت ترسل تعزيزاتها لجنوب وشمال الطريق الدولي "أم 4"، من دون تعزيز نقاطها المحاصرة.
ولفتت المصادر المتطابقة إلى نية تركيا سحب نقطتي مراقبة رئيسيتين إلى نقطة مورك، بالإضافة إلى سحب بعض نقاط الانتشار، وجميعها محاصرة من قبل قوات النظام والمليشيات المساندة لها، في حين أكدت معلومات أخرى أن ليس في نية تركيا حالياً سوى سحب نقطة مورك وانتظار ما ستحمله مزيد من جولات التفاوض مع موسكو.
ولا شك أنّ مباحثات نائب وزير الخارجية التركي، اليوم، في موسكو ستكشف عن الكثير من الملفات الغامضة بين الروس والأتراك بشأن إدلب، والتي شابها عدم الوضوح منذ جولة المباحثات الأخيرة بين الجانبين، منتصف الشهر الماضي، في ظل صعوبة قراءة المجريات على الأرض من خلال الأنباء عن التراجع التركي لصالح موسكو في إدلب مقابل تحصيل مكاسب في ريف حلب وشرق الفرات، وذلك ما تُصعِّب من فهمه حركة التعزيزات العسكرية الكبيرة التي ترسلها أنقرة إلى نقاطها جنوبي إدلب بشكل كبير، وتعزيز القدرات الدفاعية والهجومية بمعدات وتقنيات متطورة، وهذا ما يدعمه الاستنتاج الذي يشير إلى أن أنقرة ستعمد تدريجياً إلى سحب نقاطها المحاصرة كي لا تكون عبئاً عليها ونقاط ضغط وضعف في حال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار وتجدد المعارك.
النظام السوري يقصف حماة وإدلب
ميدانياً، قصفت قوات النظام السوري والمليشيات الموالية لها، اليوم الخميس، مواقع في سهل الغاب بريف حماة، وسط سورية، إضافة إلى مواقع أخرى في منطقة جبل الزاوية، جنوبي محافظة إدلب.
وقال الناشط مصطفى محمد، لـ"العربي الجديد"، إنّ قوات النظام استهدفت بالمدفعية وراجمات الصواريخ قرية الزيارة في سهل الغاب، شمال غربي مدينة حماة، ما أدى إلى وقوع خسائر مادية في ممتلكات المدنيين.
وأضاف محمد أنّ القصف طاول في ساعات الفجر قريتي كنصفرة وسفوهن في منطقة جبل الزاوية، تزامناً مع وصول تعزيزات تركية إلى المنطقة. كما أشار إلى أن القوات التركية استطلعت محيط بلدة البارة في جبل الزاوية، وسط أنباء عن نيتها إقامة نقطة عسكرية جديدة، بعد سحب النقطة الـ12 من مدينة مورك، شمالي حماة.
وفي سياق منفصل، تبادلت فصائل "الجيش الوطني" المعارض، و"قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، القصف المدفعي، واستهدفت قذائف المدفعية مواقع للطرفين في ريف عين عيسى، شمالي محافظة الرقة.
ويوم أمس، الأربعاء، شنّ "الجيش الوطني" هجوماً على مستودعات ذخيرة تابعة لـ"قسد"، واقتحم عناصره قرية العزيزية، ومنطقة الصيدا ومحيط مخيم عين عيسى.
وبحسب مصدر من "الجيش الوطني"، فإنّ العملية أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 10 عناصر من "قسد" وتدمير مواقع كانت تستهدف القرى والبلدات الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وفي الوقت نفسه، أعلنت "قسد" عن تصدّي مقاتليها ومسلحين من قوات الأمن الكردية (أسايش) للهجوم، ولم تشر إلى وقوع خسائر في صفوف المقاتلين.
وتشهد خطوط القتال في المناطق التي سيطر عليها الجيشان التركي و"الوطني" في أرياف حلب والرقة والحسكة مواجهات وقصفاً بين "قسد" ومقاتلي تلك الفصائل بشكل متكرر، ما يوقع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والعسكريين.