"هل هي بداية النهاية لطي ملف معتقلي حراك الريف في المغرب؟" هو السؤال الأكثر ترداداً في الحياة السياسة المغربية، بفعل بروز تطورات عدة في الفترة الأخيرة. أبرز تلك التطورات، سماح إدارة السجون للمعتقلين، وأبرزهم قائد الحراك، ناصر الزفزافي، والرجل الثاني في الحراك، نبيل أحمجيق، بزيارة أمهاتهم، على الرغم من سريان قرار منع الزيارات في إطار الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا. أما ثانيها، فتجديد حزب "الأصالة والمعاصرة"، دعوته لإصدار عفو ملكي عن باقي معتقلي حراك الريف، وإبداء رغبته في ترشيحهم على لوائحه في الانتخابات التشريعية والبلدية المقررة في العام المقبل.
مع العلم أن أحداث حراك الريف، الذي انطلق في البلاد تدريجياً بوفاة درامية لبائع سمك يدعى محسن فكري في أكتوبر/تشرين الأول 2016، وضعت الدولة في موقف محرج جراء التبعات الحقوقية التي تركها تعاملها معه على صورة المغرب دولياً. وهو ما دفعها، بالإضافة إلى أسباب أخرى، إلى التوجه نحو طي الملف بصفة نهائية، في وقت تعيش فيه البلاد تعبئة شاملة لمواجهة تداعيات كورونا، فضلاً عن تحديات خارجية تفرضها تطورات نزاع الصحراء.
المقترح الجديد سيسمح بإدماج معتقلي حراك الريف في العملية السياسية
في ظل هذا الواقع، يبدو أن ملف حراك الريف مقبل على مرحلةٍ جديدةٍ من التّعاطي مع تداعياته وما يعرفه من "سوء فهم كبير". وعلى الرغم من تحكّم الدولة في الملف محاولة تكريس هيبتها وإبراز عدم خضوعها للمطالب والضغوط، إلا أن حل ملف الحراك دخل، بحسب بعض المراقبين، مرحلة جديدة من التعاطي مع العفو الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش في يوليو/تموز الماضي، عنوانها البحث عن مخرجات نهائية لحراك الريف.
وبعد أسابيع قليلة على إحياء الذكرى السنوية الرابعة لحراك الريف، بدت لافتة تحركات يقودها حزب "الأصالة والمعاصرة"، ثاني أكبر قوة سياسية في المغرب، من أجل طي الملف نهائياً من خلال إطلاق مبادرة تهدف لإدماج معتقلي الحراك في الحياة السياسية والعمل من داخل المؤسسات.
ولبلوغ هذا الهدف، أطلقت قيادة "الأصالة والمعاصرة" مشاورات مع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، لحشد الدعم لتمرير مقترح قانون يقضي بتمكين المستفيدين من العفو الملكي بالحق في الترشح للانتخابات البرلمانية والجماعية. ويتعلق المقترح بحذف فقرة في القانون التنظيمي الخاص بمجلس النواب، الصادر في 14 أكتوبر 2011، تنص على أنه "لا يترتب على العفو الخاص رفع مانع الأهلية الانتخابية".
وفيما لم يصدر أي موقف رسمي بشأن موقف البرلمان من مقترح القانون، ترى قيادة "الأصالة والمعاصرة"، المقرّبة من السلطة، أن المقترح سيسمح بإدماج معتقلي حراك الريف في العملية السياسية، مؤكدة ضرورة بناء علاقة جديدة مع معتقلي الحراك، لأنهم" تظاهروا لأسباب تتعلق بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي لم نختلف حولها".
ووفق الأمين العام لـ"الأصالة والمعاصرة" عبد اللطيف وهبي، فإن الحل يكمن في أن ينقل هؤلاء الشباب مطالبهم التي كانوا يرفعونها في التظاهرات إلى المؤسسات الدستورية. وقال في تصريحات صحافية إن حزبه سيفتح الباب أمام المعتقلين للترشح للانتخابات، لتمنح لهم الفرصة للمطالبة بهذه الحقوق في المؤسسات الرسمية والدستورية.
ظاهرياً، يبدو أن مبادرة "الأصالة والمعاصرة" تهدف إلى تجاوز مرحلة سوء الفهم الكبير بشكل نهائي، لأن استمرار النظر فيها قد يطيل أمد المعاناة بالنسبة للجميع. ولتحقيق ذلك، تراهن المبادرة على تكرار مسلسل المصالحة الذي عرفه المغرب مع اليسار، ومع مرحلة سنوات الرصاص في تسعينيات القرن الماضي، ومع السلفيين في عام 2016، من خلال إدماجهم في الحياة السياسية عبر بوابة المشاركة في العملية الانتخابية.
كما تراهن المبادرة على مؤشرات انفراج محتمل توترات خلال الأسابيع الماضية، بدءاً من العفو الملكي، مروراً بإعلان الزفزافي استعداده للحوار، وانتهاء بقرار السماح لبعض المعتقلين بزيارة أمهاتهم. وبالتالي فإن نجاح المبادرة، سيؤدي إلى تجاوز إخفاق مبادرات عدة في السنوات الثلاث الماضية، بين اقتراح العفو العام الذي يمكن أن يصدره البرلمان في حالة تبنّي مشروع قانون يسمح بذلك، وبين مطالبة المعتقلين بتقديم طلبات للعفو الملكي مرفقة بـ"مراجعات".
ورغم نفي وهبي بأن يكون الهدف من مبادرة حزبه "المزايدة"، إلا أن تساؤلات عدة تبرز حول ما إذا كانت المبادرة تهدف لإقفال الملف بإدماج معتقلي الحراك في الحياة السياسية، أم أنها مجرد مناورة لتحقيق مآرب انتخابية استعداداً لانتخابات 2021، أو حتى جزء من الصراع الداخلي في الحزب.
في السياق، يرى أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، رشيد لزرق، في دعوة قيادة "الأصالة والمعاصرة" لإصدار عفو ملكي عن باقي معتقلي حراك الريف، قبل الانتخابات المقبلة ورغبته في ترشيح المعتقلين، محاولة لتصفية الحسابات مع جناح "ريافة الرباط" (المنتمين إلى منطقة الريف)، بقيادة الأمين العام السابق إلياس العماري، أكثر من بحثه عن تسوية ملف المعتقلين. ويقول لزرق في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن إعادة طرح دعوة الإفراج عن معتقلي الحراك وإبداء الرغبة في ترشيحهم باسم الحزب في الاستحقاقات الانتخابية عام 2021، فيه توظيف شعبوي للملف.
قد يرى البعض أن دعوة "الأصالة والمعاصرة" مجرد مناورة انتخابية
في المقابل، يذهب الناشط الحقوقي خالد البكاري، إلى القول في حديث لـ"العربي الجديد" إن دعوة "الأصالة والمعاصرة" قد يراها البعض مجرد مناورة انتخابية، خصوصاً أن منطقة الريف كانت تعتبر في الانتخابات الأخيرة معقلاً للحزب. ويلفت إلى أنه في ظل تضرر مصداقية الحزب خلال الحراك وبعده، قد يدفع البعض إلى اعتبار الطرح الجديد لقيادته محاولة لاستعادة موقعه الانتخابي على بعد أشهر معدودة من الانتخابات.
ويرى البكاري أنه "مهما كانت دوافع ذلك، إلا أن هناك جانباً إيجابياً متمثلاً في الإقرار بالطابع السياسي لاعتقالهم النشطاء، والإقرار ببراءتهم". ويضيف أنه "من هذه الناحية يبقى هذا التصريح مهماً، باعتبار أن حزب الأصالة والمعاصرة ما زال يعتبر حزباً مقرّباً من جهات في السلطة، وبالتالي فأهمية تصريح وهبي تكمن في دلالاته السياسية، وليس الانتخابية، باعتبار أنه حتى لو تم إطلاق سراح معتقلي الحراك، فإن قانون الانتخابات يمنعهم من الترشح حالياً".
ويعتبر البكاري أن دعوة قيادة "الأصالة والمعاصرة" لا تهدف إلى احتواء قادة الحراك، لأن عمليات احتواء المعارضين لا تمر من قنوات مكشوفة، وعبر تصريحات. ويرى أن "الأمر يقف في حدود المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، والقيام بمناورة استباقية تجعل الحزب يقطف ثمار أي انفراج مستقبلي، باعتبار أنه لم يتوقف عن المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين. كما أنه لم يتورط في شيطنة الحراك، على الرغم من أن هذا الأخير اعتبر الحزب وجهاً من أوجه الفساد في المنطقة".
ويتوقع البكاري إمكانية تحقق إدماج معتقلي حراك الريف في الحياة السياسية، مشيراً إلى أنه بالنظر لكون معتقلي الحراك كتلة غير متجانسة سياسياً وأيديولوجياً، فإن بعضهم سينخرط في العمل السياسي من بوابة الانتخابات. وقد عبّر عدد من المفرج عنهم عن هذا الاختيار، فيما سيستمر آخرون في رفض العمل من داخل البنية الحزبية القائمة.