إرهاب المستوطنين يتصاعد في الضفة لمحاولة فرض "دولتهم"

02 سبتمبر 2024
سيارتان أحرقهما مستوطنون في جيت، 16 أغسطس 2024 (ناصر اشتية/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تصاعد هجمات المستوطنين**: شهدت الضفة الغربية تصاعدًا في هجمات المستوطنين، مما أدى إلى قتل عدد من الفلسطينيين، أبرزها في بلدات قصرة وجيت ووادي رحال.
- **تنظيم الهجمات**: الهجمات كانت منظمة ومخطط لها بعناية، بهدف تهجير الفلسطينيين وإقامة بؤر استيطانية جديدة، مع توثيق مصادرة آلاف الدونمات وحرق مئات أشجار الزيتون.
- **دعم حكومي إسرائيلي**: حكومة نتنياهو تدعم المستوطنين بتسليحهم وتوفير الحماية لهم، مما يعزز سيطرتهم على الأراضي الفلسطينية، وسط تحذيرات من سياسة تهجير وقتل الفلسطينيين.

يتصاعد إرهاب المستوطنين بشكل لافت في الآونة الأخيرة في عدة مناطق من الضفة الغربية، وصلت إلى مرحلة قتل عدد من الفلسطينيين، بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي. ووقعت أحدث الهجمات مساء أول من أمس السبت على بلدة قصرة جنوب نابلس شمالي الضفة، ما أوقع عدة إصابات، وسط تحذيرات من أن تكون ممارسات المستوطنين تهدف إلى إقامة دولتهم بالضفة بعد تهجير الفلسطينيين منها.

أسبوعان مرا على استشهاد الشاب رشيد عبد القادر السدة (23 سنة) وحرق عدد من المنازل والمركبات بعد تعرض قرية جيت، غرب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، لهجوم شنه عليها نحو 100 مستوطن، معظمهم كان ملثماً وبعضهم كان مسلحاً، بحماية جيش الاحتلال، الذي أقر بعد تحقيق، ادعى أنه أجراه، بتواطؤ عدد من جنوده في الهجوم. حادثة استشهاد السدة لم تكن الأخيرة، ففي 27 أغسطس/آب الماضي، هاجم مستوطنون مسلحون قرية واد رحال جنوب بيت لحم، جنوبي الضفة المحتلة، وقتلوا خليل سالم زيادة (40 عاماً) وأصابوا ثلاثة آخرين بجروح. وهذه المرة أيضاً تدخل جيش الاحتلال وأطلق قنابل الصوت والغاز السام باتجاه المواطنين، لتأمين حماية وانسحاب المعتدين.

هيثم السدة: الهجوم على قرية جيت يؤكد أنه منظم ومخطط له بعناية

وقبل الحادثتين وبعدهما، واصلت مجموعات منظمة من المستوطنين شن هجمات، خاصة في مناطق الأغوار وجنوب نابلس، أسفرت عن تهجير عدد من التجمعات البدوية والشروع بإقامة بؤر استيطانية مكانها، كما جرى مع التجمع البدوي أم الجمال في الاغوار الشمالية.

تطور لافت في إرهاب المستوطنين

يقول الناشط هيثم السدة، لـ"العربي الجديد"، إن "الهجوم الذي تعرضت له قرية جيت يعد حدثاً مفصلياً، ينبئ عن تطور خطير في الهجمات التي يشنها المستوطنون. فمجرد استذكار ما جرى يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه منظم ومخطط له بعناية، حيث وقع الاختيار على المنطقة المستهدفة كونها قريبة من مستوطنة "جلعاد" ما سهل على المهاجمين الاقتحام والانسحاب. كما أنها تمتاز بقلة المنازل والمواطنين فيها، كونها تقع على طرف القرية". ويضيف السدة: "هذا ليس أمراً عفوياً، وهو يشي بوجود مجموعات تعمل على المراقبة والرصد وأخرى تنفذ وتهاجم، وأعتقد أن هناك مجموعات إسناد قد تشترك حال لزم الأمر". ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وثّق الناشطون في قرية جيت مصادرة آلاف الدونمات من أراضيها، بالإضافة إلى حرق قرابة 500 شجرة زيتون، كما جرى تجريف نحو 400 دونم من أراضي المزارعين، فيما منع الأهالي من الوصول إلى 2000 دونم.

التحريض الإسرائيلي سبب تصاعداً بالهجمات

من جهته، يوضح رئيس المجلس القروي لواد رحال حمدي زيادة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن القرية تتعرض منذ عقود لاعتداءات من مستوطني مستوطنة "أفرات" المقامة على أراضي الفلسطينيين، تتمثل بسرقة المحاصيل الزراعية وإغراق الأراضي بالمياه العادمة القادمة من المستوطنة، لكن أن يصل الأمر إلى تنفيذ هجوم دموي يؤدي إلى استشهاد أحد أبناء القرية، في ظل تواطؤ معلن من جنود الاحتلال، فهذا لم يكن بالحسبان. ويشير إلى أن تصاعد إرهاب المستوطنين وشنهم هجوماً على قرية واد رحال يأتي بعد موجة من التصريحات الإسرائيلية التي تستنكر ما جرى في قرية جيت، وتوعد بملاحقة الفاعلين، ما يؤكد أنها مجرد كلام في الهواء، لا يمكن الانخداع بها، وأكبر دليل أن الهجوم تكرر بالدموية نفسها في واد رحال. ويقول زيادة: "أنا أؤكد أن ما جرى في واد رحال لم يكن ليحدث لولا أن هناك ضوءاً أخضر من جيش الاحتلال والحكومة الإسرائيلية التي تدرب وتسلح المستوطنين وتدعمهم وتوفر لهم الحماية من الملاحقة والمساءلة".

ويشترك زيادة مع السدة في اعتبار أن "ما يجري بالضفة يدفع لتوجيه دعوة للكل الفلسطيني لحماية البلدات والقرى التي تتعرض لاعتداءات المستوطنين، وعدم الاكتفاء بالمشاهدة والرصد، لأن الاعتماد على الذات أفضل من انتظار الدعم الحكومي أو الرسمي الذي لن يأتي، وإن أتى فسيكون متأخراً".

دولة المستوطنين بالضفة

ويقول مدير مركز أبحاث الأراضي محمود الصيفي، لـ"العربي الجديد"، إن "حكومة الاحتلال بقيادة بنيامين نتنياهو هي حكومة مستوطنين بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهي ماضية من دون أي تردد في تنفيذ حلمهم بإنهاء الوجود الفلسطيني في الضفة الغربية، وأكبر دليل على ذلك أن الهجمات على مدار العقود الماضية كانت تتركز على تفريغ المناطق المصنفة (ج) من الفلسطينيين. وعندما شارفت على إنهاء هذه المهمة انتقلت فوراً ومن دون توقف إلى المناطق المصنفة (ب)، وأعلنت ذلك من خلال تصريحات لوزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، والدور القادم سيكون بحق سكان المدن في مناطق (أ)".

ويوضح الصيفي أن هناك تصاعداً منظماً في إرهاب المستوطنين الذي بدأ بغارات ليلية متباعدة تهدف إلى حرق وقطع أشجار الزيتون وحرق المحاصيل، وانتهى بهجمات مسلحة على المناطق الريفية، استشهد فيها 19 فلسطينياً منذ السابع من أكتوبر الماضي، وحرق الممتلكات، "ما يؤكد المخاوف التي طالما حذرنا منها، من أن هناك دولة للمستوطنين يخطط لإقامتها في الضفة الغربية". ويشير الصيفي إلى أن شرعنة المستوطنات والبؤر الاستيطانية يندرج في هذا الباب، حيث يجرى ربطهما معاً من خلال شبكة من الطرق الالتفافية والجسور التي تقام على أراضي الفلسطينيين.

أمير داود: إسرائيل تنفذ سياسة خطيرة تهدف إلى قتل وطرد كل الفلسطينيين

وكان تقرير لمنظمة "بمكوم-مخططون من أجل حقوق التخطيط"، وهي إحدى المنظمات الحقوقية الإسرائيلية غير الحكومية، كشف مؤخراً أن حكومة الاحتلال الإسرائيلي تدفع قدمًا باتجاه شرعنة 35% من البؤر الاستيطانية في الضفة الغربية. ويشمل المخطط، بحسب المنظمة، تسوية 70 بؤرة استيطانية من أصل 200 واقعة في مناطق (ج)، موضحةً أن "49 بؤرة استيطانية مقامة على أراضٍ فلسطينية مملوكة ملكية خاصة وتم الاستيلاء عليها، و32 بؤرة استيطانية لا جدوى تخطيطية لها بسبب العوائق القضائية والطبوغرافية، وستُربط فورًا بشبكات المياه والكهرباء، وإنشاء مبانٍ عامة فيها، وإيقاف الإجراءات القانونية ضدها".

وعن تصاعد إرهاب المستوطنين في الضفة، يقول منسق الدائرة الإعلامية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية أمير داود، لـ"العربي الجديد"، إن "دولة المستوطنين في الضفة حلم لطالما راودهم، وفي سبيل الحصول، عليه شُرعت قوانين كثيرة، من أبرزها قانون ضم الضفة الغربية، وقانون أملاك الغائبين، وأي قطعة أرض تضع دولة الاحتلال يدها عليها فهذا يعني تلقائياً أنها باتت في يد المستوطنين".

سياسة قتل وتهجير الفلسطينيين

ويلفت داود إلى الخطورة الكبيرة التي ينطوي عليها إرهاب المستوطنين بهدف تهجير التجمعات البدوية والرعوية من مسافر يطا جنوباً إلى أطراف بيسان شمالاً، وبوادي يطا والخليل وبيت لحم وأريحا والقدس أيضاً. ويرى أن "إسرائيل تنفذ سياسة خطيرة، تهدف إلى قتل وطرد كل الفلسطينيين، وتستخدم المستوطنين أداةً لتنفيذ مخططها، مستثمرة الانشغال الدولي بالحرب على غزة". ويقول: "في ظل الصمت العالمي عما يجري من حرب إبادة في غزة، وغض الطرف عما يجري في الضفة، هناك حقيقة واحدة تتمثل بأنه لن يتمكن من حمايتنا إلا نحن".

وبحسب التقرير النصفي لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فقد أدى إرهاب المستوطنين وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي إلى تهجير خمسة تجمعات بدوية فلسطينية تتكون من 18 عائلة يبلغ عدد أفرادها 118 شخصاً منذ مطلع العام الحالي، يضافون إلى 24 تجمعاً بدوياً فلسطينياً يتكون من 266 عائلة تشمل 1517 فرداً، هُجِّروا من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى بعد السابع من أكتوبر الماضي.

ويقول داود: "هذه العائلات رُحلت وهجرت من تجمعاتها بعد فاتورة الصمود التي دفعتها على مدار السنوات والأشهر الماضية، بعد أن هددهم المستوطنون بالقتل والحرق أحياء، وتضييق سبل العيش، بعد السيطرة على ينابيع المياه وإغلاق المراعي والاعتداء على المساكن واقتحامها في انتهاك لحرمات البيوت وترويع الأطفال والنساء، بالإضافة إلى مصادرة سياراتهم الخاصة وجراراتهم الزراعية وسرقة مواشيهم".

أسلوب آخر في سبيل تعزيز سيطرة المستوطنين على الأرض يكشف عنه الناشط في مقاومة الاستيطان أيمن غريب، يتمثل في منحهم تصاريح لإنشاء مزارعهم الخاصة وتزويدها بالبنية التحتية اللازمة من مياه، وكهرباء وحماية مسلحة. ويقول غريب، لـ"العربي الجديد": "تجد مستوطناً واحداً يستولي على آلاف الدونمات لتحويلها إلى مزارع للعنب والأشجار المثمرة، بينما يُمنع الفلسطيني من زراعة شجرة واحدة في أرضه الخاصة، حتى لو كان يمتلك وثائق إثبات الملكية كافة". ويوضح غريب أن "الإدارة المدنية الإسرائيلية" باتت "صاحبة الولاية القانونية والذراع الإدارية للاحتلال في الضفة الغربية، تُغير تصنيف الأراضي خدمةً للمستوطنين، فتحول الأراضي الزراعية إلى سكنية، والأراضي الخاصة إلى أراضي دولة، وأحياناً إلى محميات طبيعية، وذلك بهدف نزع الأراضي من الفلسطينيين بشكل قسري، وإعادة تخصيصها لهم لتثبيت وجودهم"، في حين يلاقي الفلسطيني عقبات كثيرة في طريقه حال أراد استصلاح أرضه أو إقامة مشروع عليها.

ويضرب غريب مثالاً على مستوطن يدعى "كوكي" يسيطر وحده على ربع مساحة قرية بيت دجن شرق نابلس، مبدياً أسفه لضعف إمكانيات الأهالي في مواجهة هجمات المستوطنين مقارنة مع عصابات فتيان التلال، وما يلاقونه من تكاتف ودعم حكومتهم. ويقول غريب: "الفلسطينيون في كافة أماكن وجودهم تُركوا وحيدين يصارعون آلة القتل الإسرائيلية، لكن البدو يشعرون بالخذلان أكثر من غيرهم بسبب هدم جرافات الاحتلال بيوتهم ومساكنهم، حيث وجدوا أنفسهم يواجهون إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال من دون أي سند أو دعم، وما يقدمه المستوى السياسي الفلسطيني غير كافٍ ولا يفي بالغرض، حيث بات البدوي الفلسطيني مكشوف الظهر ومحاصراً من المستوطنين وجيش الاحتلال الإسرائيلي".

المساهمون