لا يتوقف الفلسطيني عبد الهادي حجة عن التفكير في حماية نفسه وعائلته وبيته، القريب من أطراف مستوطنة "حومش"، بعد عودة المستوطنين إليها، على إثر إلغاء الكنيست الإسرائيلي قانون "فك الارتباط"، الذي أُخليت بموجبه عام 2005 أربع مستوطنات في شمال الضفة الغربية المحتلة، وجميع المستوطنات في قطاع غزة.
وأقيمت المستوطنة على أراضي المواطنين في قرية برقة والقرى والبلدات الواقعة شمال مدينة نابلس شماليّ الضفة.
وتأتي مخاوف عبد الهادي حجة، ومعه أهالي قرية برقة بأكملها، بدافع التجربة المريرة مع المستوطنين، قديماً وحديثاً.
ويقول حجة لـ"العربي الجديد": "قبل إخلاء المستوطنة التي أقيمت في ثمانينيات القرن الماضي، كانوا جيران سوء. يمنعوننا من الوصول إلى أراضينا الزراعية القريبة منها، ويسرقون المحاصيل، لكن الاستيطان اليوم تطور بشكل مخيف ومرعب، وعودتهم الفعلية تعني نكبة ومجازر قد تُرتكب بحق العزل".
وأضاف حجة أن "شكل الاستيطان انتقل من سرقة الأراضي والبناء إلى تنفيذ هجمات إرهابية وقتل وحرق. اليوم يشنون هجمات جماعية ومركزة على القرى القريبة، يحملون السلاح ويطلقون النار، يقتحمون البيوت ويحرقونها بمن فيها، ويحرقون المحال التجارية وحظائر المواشي التي يقتلونها أو يسرقونها".
بدأت هذه الهجمات الدموية، كما يصفها حجة، عام 2021، عندما نفذ مقاومون فلسطينيون عملية إطلاق نار قتل فيها مستوطن على مدخل المستوطنة، لتشهد ليلتها والأيام التي تلت العملية اعتداءات عنيفة شنها مئات المستوطنين على القرية، فحرقوا عشرات المنازل والأراضي الزراعية، بحماية من جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي قتل خلال المواجهات فلسطينيون وجرح واعتقل آخرون.
وفي أعقاب تلك الاعتداءات الإرهابية، عمد الفلسطينيون إلى تحصين بيوتهم ووضع القضبان الحديدية على النوافذ، لمواجهة أية هجمات جديدة.
وقال حجة: "فعلوا كل هذا والمستوطنة كانت مخلاة، فكيف اليوم وقد عادوا إليها. أنشأوا المدرسة الدينية وسيشرعون قريباً بإعادة بناء المنازل فيها".
ويشدد حجة على أن المستوطنين طوال السنوات الـ18 الماضية، لم يتركوا الموقع دقيقة واحدة، وكانوا يأتون إليها بادئ الأمر خلسة وينامون على الأرض، ثم تشجعوا وصاروا يذهبون بسياراتهم ويمنعون الأهالي من الوصول إلى أراضيهم التي تقع ضمن حدود المستوطنة أو حتى القريبة.
وقال حجة إنه في أكثر من مرة، تعرض فلسطينيون لهجمات دموية من المستوطنين خلال محاولتهم تأهيل أراضيهم، وضُربوا بالقضبان الحديدية ورُشّوا بالغاز السام.
وفي السنوات الأخيرة، كثف المستوطنون هجماتهم الإرهابية على المزارعين والقرى الفلسطينية في معظم مناطق الضفة.
واعتبر المزارع والناشط سامي فرعونية، عودة المستوطنين إلى "حومش"، قطعاً للماء والهواء عن أنفاس أهالي قريتي برقة والسيلة القريبتين من المستوطنة.
وقال المزارع لـ"العربي الجديد": "مرحلة الهدوء الهشة انتهت إلى غير رجعة".
وأضاف أن "إخلاء حومش عام 2005 كان كذبة كبيرة. أذكر أيامها نظمنا الاحتفالات. اجتمعنا وقررنا الشروع بحملة إعادة إعمار وتأهيل للموقع بأكمله. لكننا لم نستطع أن نضع قدماً في المستوطنة حتى وهي فارغة، فجيش الاحتلال لم يفارقها وحوّلها إلى منطقة عسكرية مغلقة".
وفي عام 2010، وبعد أعوام من إخلاء المستوطنة، ظهرت مجموعة استيطانية تسمي نفسها "حومش أولا"، طالبت بالعودة إلى المكان، وبدعم الحكومة اليمينية الموجودة حالياً حققوا مبتغاهم، "بينما تركنا نحن كالأيتام"، قال المزارع فرعونية.
وفي أعقاب ذلك، حاول الأهالي بشتى الطرق استرجاع حقهم، وحصلوا على قرارات عدة من المحكمة العليا الإسرائيلية بأحقيتهم في تعمير أراضيهم، لكن القرارات بقيت حبراً على ورق، بحجة أن "موقع المستوطنة استراتيجي وضروري للأمن الإسرائيلي".
وذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في حينه، أن هذه الحجة تهدف إلى قطع الطريق على الفلسطينيين الذين دُشنت المدرسة الدينية على أراضيهم وقدموا التماساً إلى المحكمة الإسرائيلية العليا يطالبون فيه بتمكينهم من الوصول إلى حقولهم.
وقد عدت منظمة "يش دين" الحقوقية الإسرائيلية، التي قدمت الالتماس باسم أصحاب الأراضي الفلسطينيين القرار العسكري الإسرائيلي "مكافأة وتشجيعاً للمجرمين وتجاوزاً للقانون الدولي".
وقال فرعونية الذي كان عضواً في المجلس القروي لقرية برقة سابقاً: "انقلبت الآية. كانوا يخافون من مجرد المرور من الطريق إلا بحماية الجيش. اليوم هم يهاجموننا في عز النهار".
وأضاف: "الأمر خطير. تطورت أخيراً هجمات المستوطنين بشكل لافت، وهم لا يتوانون عن تنفيذ جرائم القتل وحرق البيوت على من فيها، خصوصاً أن من سيعودون إلى حومش هم من غلاة المتطرفين".
وأوضح أن من بين الخطوات التي سترافق عودة المستوطنين، مصادرة 2000 دونم من أراضي القرية والقرى المجاورة لشق طريق موازٍ للشارع الرئيسي من مدخل مستوطنة "حومش" حتى مدخل مستوطنة "شافي شمرون".
وقال: "سيكون الطريق عنصرياً بامتياز. أي فقط للمستوطنين".
وأشار فرعونية إلى أن من شأن ذلك توجيه ضربة قوية للقطاع الزراعي، "فالأراضي في برقة معروفة بخصوبتها، وعودة المستوطنين إليها تعني خسارة الفلسطينيين في تلك المنطقة أراضيهم، وبالتالي فقدان مورد اقتصادي مهم".
كذلك، تُصنَّف منطقة المستوطنة ضعيفة أمنياً، وفق فرعونية، وبالتالي ستعمل حكومة الاحتلال وجيشها على تكثيف الوجود العسكري وزرع المزيد من النقاط العسكرية والحواجز لحماية المستوطنين، ما سينعكس سلباً على الفلسطينيين وسيضاعف من معاناتهم.