- الجدل داخل الحكومة الإسرائيلية حول فرض الحكم العسكري في غزة يعكس انقسامات، مع معارضة وزير الأمن يوآف غالانت للفكرة بسبب التكاليف الباهظة والثمن البشري، بينما لم يستبعد رئيس الوزراء نتنياهو الفكرة.
- التاريخ يظهر أن الحكم العسكري الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية بعد حرب 1967 أدى إلى انتهاكات ضد الفلسطينيين، مما يثير مخاوف من تكرار هذه الانتهاكات وتعميق الأزمة الإنسانية في حال تم فرضه مجددًا.
وثيقة لوزارة الأمن الإسرائيلية: فرض حكم عسكري في غزة أحد الخيارات
الحكم العسكري سيكون مكلفاً جداً على نحو لا تستطيع إسرائيل تحمّله
غالانت يرفض الحكم العسكري في القطاع عكس نتنياهو ويهدد بالاستقالة
أشارت وثيقة لوزارة الأمن الإسرائيلية إلى أن فرض حكم عسكري في غزة بعد الحرب سيتطلب وضع خمس فرق من جيش الاحتلال في غزة، ونقل جنود من المنطقتين الشمالية والوسطى، وزيادة كبيرة في حكم قوات الاحتياط، وسيكون مكلفاً جداً على نحو لا تستطيع دولة الاحتلال تحمّله.
ونشرت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، اليوم الجمعة، تفاصيل الوثيقة، في ظل الحديث المتزايد عن أن فرض حكم عسكري في غزة هو أحد الخيارات، وعاصفة ردود الفعل التي أثارها وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت بتصريحه الرافض فرض حكم عسكري في غزة في "اليوم التالي" لحرب الإبادة، ومطالبته رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإعلان موقف مشابه.
وحذّر غالانت، أول من أمس الأربعاء، مما سيترتب على فرض حكم عسكري في غزة من "ثمن باهظ في الدماء والأموال"، فيما لم يستبعد نتنياهو في رده على غالانت، ولا في تصريحات لاحقة، الحكم العكسري. ودلّ موقف غالانت على أن مسألة الحكم العسكري مطروحة فعلاً على طاولة الحكومة الإسرائيلية، وإلا لما خرج رافضاً إياها على الملأ، في رسالة كانت مليئة بالانتقادات المبطّنة لنتنياهو بشكل خاص وأعضاء في المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) لعدم بحث مقترحات المؤسسة العسكرية لما يُسمى "اليوم التالي".
وفي السياق، ذكرت "يديعوت أحرونوت" أنه طُلب من المؤسسة الأمنية، في الآونة الأخيرة، فحص البدائل المختلفة لحركة حماس في غزة. واشتملت ورقة المؤسسة الأمنية التي كُتبت قبل بضعة أيام على تحليل موسّع للتبعات المالية لإقامة حكم عسكري في غزة ولحجم القوى البشرية المطلوبة.
وبحسب الوثيقة، تقدّر التكلفة التشغيلية للحكم العسكري ذلك بنحو 20 مليار شيكل سنوياً (5.4 مليارات دولار) (الدولار اليوم نحو 3.7 شيكلات إسرائيلية). وتقدّر تكلفة إنشاء ممر إضافي بحوالي 150 مليون شيكل (40.4 مليون دولار)، ولا يشمل ذلك جميع التكاليف المترتّبة على إدارة الحكم العسكري. كما لا تشمل هذه المبالغ تكاليف إعادة إعمار القطاع، من بنية تحتية، ومستشفيات، ومدارس، وطرق، وإنشاء البنية التحتية للحكومة العسكرية وغير ذلك.
ومن حيث القوة العسكرية، ستكون هناك حاجة إلى أربع فرق هجومية وفرقة دفاعية لفرض حكم عسكري في غزة. وسيتطلب نقل الجنود إلى القطاع تقليص عدد الكتائب في منطقتي القيادتين الشمالية والوسطى، بالإضافة إلى زيادة كبيرة في حجم قوات الاحتياط للجانب العملياتي.
وحذّر غالانت، في المؤتمر الصحافي، من عدم استمراره في منصبه إذا كانت هناك سيطرة إسرائيلية على غزة. ويعتقد غالانت أن السلوك الحالي من قبل الحكومة أدى إلى وضع تسيطر فيه إسرائيل حالياً على القطاع، قائلاً إن "هذا وضع خطير".
وقال غالانت: "هناك اتجاه يتطوّر، يعزز الحكم العسكري والمدني في غزة. هذا أمر خطير بالنسبة لنا. ممنوع أن تسيطر إسرائيل مدنياً على قطاع غزة. منذ أكتوبر/ تشرين الأول (الماضي) وأنا أثير هذه القضية في المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) من دون الحصول على إجابة. نهاية العمل العسكري تكون بعمل سياسي". وليس غالانت الوزير الوحيد الذي يرى في حكم إسرائيل غزة كابوساً تترتب عليه أثمان كبيرة في الدماء والأموال. ونجد من بين المعارضين للسيطرة الإسرائيلية الوزيرين بني غانتس وغادي آيزنكوت.
وتعتبر عدة أوساط إسرائيلية أن رفض نتنياهو مناقشة "اليوم التالي" والجهات البديلة لحكم حركة حماس يخلق وضعاً يدفع إسرائيل نحو إدارة الحياة في غزة. ويثير ذلك تساؤلات كثيرة حول قدرتها على ذلك أصلاً، حتى لو تمكنت من فرض سيطرتها على القطاع، وهي التي تتكبد خسائر كبيرة جداً، في مواردها وحياة جنودها الذين يسقطون بالجملة، كما حدث في الأيام الأخيرة.
ومن بين التساؤلات التي حاولت وثيقة وزارة الأمن الإجابة عنها، إن كانت إسرائيل تمتلك القدرة على العودة وإدارة الحياة في القطاع؟ وهل سيتحمل اقتصادها هذا العبء؟ وجاءت الإجابة واضحة بأن "إسرائيل لن تتحمل العبء". وستتضرر قدرة الجيش الإسرائيلي على الاستعداد لاحتمال نشوب حرب على الجبهة الشمالية أمام حزب الله في لبنان، وكذلك الاستعداد لإحباط الهجمات والعمليات ضد أهداف إسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وغيرها.
وستعني السيطرة على غزة أزمة غير مسبوقة في الميزانية العامة، ما سيضر بشكل كبير بالخدمات المقدّمة للمواطن الإسرائيلي، كما سيثقل كاهل الميزانية. مع هذا، لا يستبعد نتنياهو قيام حكم عسكري إسرائيلي في غزة، ويتحدّث عن أن جيش الاحتلال سيكون مسؤولاً عن الأمن في غزة، ولكن عملياً سيعني ذلك أنه سيكون مطالباً بإدارة الحياة المدنية أيضاً، في غياب بديل عن "حماس" وفي غياب السلطة الفلسطينية.
وفي مقابلة مع قناة "سي إن بي سي" الأميركية، قال نتنياهو، أخيراً، إنه "بعد انتهاء الجزء المكثّف من الحرب على قطاع غزة، نحتاج إلى إعادة الإعمار. وأود أن أرى حكومة مدنية في غزة مع مسؤولية عسكرية إسرائيلية".
من جانبه، قال وزير المالية بتسلئيل سموتريش، صراحة، وفي حديث سابق للقناة 12 العبرية، إنه ينبغي فرض حكم عسكري إسرائيلي في غزة. وعلى حد قوله: "إما نحن وإما هم. كل الحديث عن جهة مدنية معتدلة غير حماس، تأخذ مكاننا صباح الغد، هو مجرد أوهام. وأي حزب يدخل بموافقة حماس سيكون وكيلاً عنها وسيثبّت سلطة الإرهاب".
وسبق أن خضع قطاع غزة، وكذلك الضفة الغربية المحتلة، للحكم العسكري الإسرائيلي. بل في الضفة لا يزال جيش الاحتلال يفعل ما يريد ومتى شاء، ويتحكّم إلى حد كبير بمجريات الأمور والحياة، عدا عن المداهمات والاعتقالات والقتل وسلسلة من الانتهاكات اليومية.
ومن أشكال الحكم العسكري، حكم الجيش المدنيين، وعادة ما يكون ذلك بعد الحرب والاحتلال. ويتحكّم الحكم العسكري بمختلف مجريات الحياة، ويحد من حرية المدنيين وتحركاتهم وإشراكهم في قرارات تحدد مصيرهم، كما أنه يقضم حقوقهم. ويحد من الحق في الملكية، ويشدد العقوبة، وقادر على فرض حظر للتجول، وغير ذلك من أمور تمكن ملاحظتها حتى اليوم في سلوكيات الاحتلال في فلسطين. وفي كثير من الأحيان، يكون النظام القضائي تابعاً للجيش، بحيث يُحاكَم المدنيون أيضاً في محاكم عسكرية، وهذا لا يزال قائماً حتى اليوم بحق الفلسطينيين في الضفة الغربية، فضلاً عن إجراء اعتقالات من دون محاكمة.
إسرائيل اختبرت سابقاً فرض حكم عسكري في غزة
وسبق أن فرضت دولة الاحتلال الاسرائيلي حكماً عسكرياً في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، من خلال هيئة إسرائيلية حكمتهما من عام 1967 إلى عام 1982، في الأراضي التي احتلها الجيش الإسرائيلي عقب نكسة يونيو/حزيران 1967، التي تخللها أيضاً احتلال هضبة الجولان السوري وشبه جزيرة سيناء المصرية.
وفرضت إسرائيل حكماً عسكرياً مدّعية أنه يتماشى مع معاهدة جنيف الرابعة، التي تحدد أسلوب الحكم في الأراضي المحتلة التي يُستولى عليها في الحرب. ووضعت صلاحيات الحكم العسكري في الضفة الغربية بيد قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال، وفي قطاع غزة بيد حاكم المنطقة الجنوبية في الجيش. وبحسب مصادر إسرائيلية، فإن القائد العسكري هو الوحيد المخوّل توقيع الأوامر ولوائح الأنظمة الرئيسية المعمول بها في مناطق الحكم العسكري.
وتسببت مطامع الاحتلال في الضفة وغزة إبان الحكم العسكري بتجاوزات لجزء من بنود معاهدة جنيف وسريانها فيهما، حيث أقامت إسرائيل عدة مستوطنات بخلاف ما تنص عليه المعاهدة، كما طردت عدداً كبيراً من السكان الفلسطينيين من أراضيهم. ومنذ عام 1981 وحتى 1994، عملت في تلك المناطق ما تُسمّى الإدارية المدنية الإسرائيلية، ومهمتها استبدال الحكم العسكري، وإدارة الحياة اليومية للفلسطينيين.
وتشكّلت هذه الهيئة من مسؤولين حكوميين في مختلف مكاتب الحكومة الإسرائيلية، ومدنيين، وموظفين وضباط في جيش الاحتلال الإسرائيلي. وفيما كانت الفكرة من وراء إنشائها، وفق الادعاءات الإسرائيلية، جلب أشخاص ذوي خبرة في الإدارة العامة المدنية، يكونون قادرين على إدارة الحياة اليومية بشكل أفضل من ضباط الجيش الذين لم يُدرَّبوا على ذلك، بقيت صلاحيات اتخاذ القرارات الأمنية بيد الجيش.
ومع توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993، وإقامة السلطة الفلسطينية، انتقل إليها جزء من صلاحيات "الإدارة المدنية"، وجزء من صلاحيات الحكم العسكري. ومع ذلك، بقيت بعض المناطق المحددة في اتفاقية أوسلو مناطقَ خاضعةً للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، تحت سيطرة الإدارة المدنية الإسرائيلية.
وفي أعقاب خطة الانفصال أحادية الجانب التي أقدمت عليها إسرائيل في سبتمبر/ أيلول عام 2005، انتهى الحكم العسكري في قطاع غزة، فيما أعادت الحرب الحالية النوايا الإسرائيلية المبيّتة إلى الواجهة، على الملأ، سواء بتصريحات حول احتلال غزة وإعادة الاستيطان فيها، أو تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بشأن تهجير سكان القطاع، عدا استمرار الإبادة والتجويع، والحديث عن عودة محتملة للحكم العسكري هناك.