في سابقة هي الأولى من نوعها، منذ أن بدأ حراك مسيرات العودة الكبرى في 30 مارس/آذار الماضي، شنّ الاحتلال الإسرائيلي ليل الجمعة ــ السبت غارات وعمليات قصف طاولت أهدافاً لحركة حماس، مبرراً إياها بأنها "جاءت رداً على نشاطات نفّذها المشاركون في هذا الحراك يوم الجمعة". فقد أشار المتحدث بلسان جيش الاحتلال بشكل خاص إلى أن "نجاح المتظاهرين الفلسطينيين، الذين تجمّعوا بعد شرق مخيم العودة شرق مدينة غزة، في إزالة جزء كبير من الجدار الحدودي، استدعى هذا النوع من الرد الإسرائيلي العسكري". وقد رأت إسرائيل في إزالة الجدار الحدودي تطوراً خطيراً يوجب محاولة التأثير في الساحة الداخلية الفلسطينية، بشكل يفضي إلى تراجع البيئة الحاضنة حراكَ العودة. وهو ما دفع تل أبيب إلى تبرير غارات الجمعة ـ السبت بما أقدم عليه المتظاهرون المشاركون في الحراك.
فقد سبق لإسرائيل أثناء الحراك أن قصفت أهدافاً لحماس، لكنها عزت ذلك إلى أنشطة عسكرية نفذتها فصائل ومجموعات فلسطينية، مثل زرع عبوات على طول الجدار الحدودي، أو إطلاق قذائف صاروخية. ومن الواضح أن الحرص الإسرائيلي على جباية ثمن من حركة حماس تحديداً وتبرير ذلك بأنشطة نفذها المشاركون في حراك العودة يهدفان إلى فرض معادلة جديدة هدفها الضغط على الحركة للعمل على عدم المساعدة على تواصل حراك العودة. وتنطلق تل أبيب من افتراض مفاده أن "حماس غير معنية باندلاع مواجهة عسكرية في ظل الظروف الداخلية والإقليمية الحالية"، كما أنها في الوقت ذاته لن تسمح بتواصل الظروف التي تسوّغ لإسرائيل تبرير قضم قوتها العسكرية، مما قد يدفعها إلى التدخل لاحتواء حراك العودة. لكن لا يوجد ما يدل على أن الافتراض الإسرائيلي هذا يستند إلى أسس موضوعية وثابتة. فحركة حماس لا يمكنها التفريط بحراك العودة. والحراك نجح بالفعل في إحداث تحولات على بيئة الصراع مع الاحتلال خدمت المقاومة تحديداً، علاوة على أنه حسّن من مكانة الحركة الداخلية والإقليمية.
إلى جانب ذلك، إن المقاومة الفلسطينية تعي أن إسرائيل تحديداً تدفع أثماناً كبيرة جراء تواصل الحراك، لا سيما على صعيد المخاطرة بدفع قسط كبير من قوتها العسكرية إلى الحدود مع القطاع، التي تُعدّ الحدود الأقصر من بين خطوط الحدود الأخرى. فإسرائيل دفعت حتى الآن بنصف تعداد قوات المشاة النظامية. وتدرك تل أبيب أنه في حال تعاظم حراك العودة، فإنها ستكون مطالبة بدفع المزيد من القوات، في ظل سيادة حالة من انعدام اليقين إزاء مستقبل الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية في الجبهة الشمالية. فبحسب توقعات محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب، كلما اقترب موعد نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة (14 مايو/ أيار المقبل)، فإن فرص انفجار الأوضاع في الضفة الغربية تتعاظم؛ لا سيما في حال قرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب المشاركة في الحفل الذي سينظم بهذه المناسبة.
في الوقت ذاته، فإن تل أبيب تتحسب لتداعيات إعلان ترامب المتوقع في 12 مايو المقبل الانسحاب من الاتفاق النووي، وما قد يفضي إليه من توفير بيئة تصعيد في مواجهة إيران في سورية وحزب الله في لبنان. ويمكن الافتراض أن صنّاع القرار في تل أبيب غير معنيين بأن تشتعل جبهة غزة تحديداً في الوقت الذي يتحوطون فيه لإمكانية اندلاع مواجهة في الشمال. إلى جانب ذلك، إن اندلاع مواجهة، ولو محدودة مع حماس قبيل إعلان ترامب قراره بشأن مستقبل الاتفاق النووي مع إيران قد لا يساهم في توفير البيئتين الإقليمية والدولية المناسبتين لذلك، لا سيما أن حكومة اليمين المتطرف ترى في إعلان ترامب المتوقع مصلحة إستراتيجية من الطراز الأول لإسرائيل. من هناك، فإنه يمكن التوقع أن تعلن المقاومة، التي تراهن على الطاقة الكامنة التي ينطوي عليها حراك العودة، أنه في حال واصلت إسرائيل غاراتها فإنها سترد على هذه الغارات كما لو أنه لا يوجد حراك عودة، وسيتواصل الحراك كما لو أنه لا يوجد تصعيد عسكري مع إسرائيل.