على الرغم من التزام إسرائيل الصمت إزاء اتفاق المصالحة الأخير الذي وقعته حركتا "فتح" و"حماس" في القاهرة، برعاية مصرية، الممهّد لانتقال مقاليد إدارة حكم قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية، إلا أنها تدرك أن للاتفاق تأثيرات متباينة ومتضاربة على خارطة مصالحها في القطاع.
في هذا السياق، فإن الاتفاق يقلّص من فرص اندلاع مواجهة عسكرية مع حركة "حماس"، وهو ما يمثل مصلحة إسرائيلية واضحة. فالاتفاق مقترن بتحسين الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، على اعتبار أنه "سيفضي إلى إلغاء العقوبات الاقتصادية التي فرضها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس على القطاع". كذلك سيقلص بشكل جدي مظاهر الحصار المفروض على القطاع.
مع العلم أنه سبق لجميع المستويات الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية التحذير خلال العام الماضي، من تردي الأوضاع الاقتصادية في القطاع "الذي قد يفضي إلى إجبار حركة حماس على المبادرة لشن مواجهة جديدة للخروج من مأزقها".
إلى جانب ذلك، فإن حالة انعدام اليقين السائدة على الجبهة الشمالية، لا سيما مع تعاظم مظاهر نفوذ إيران في سورية، وإمكانية اندلاع مواجهة مع حزب الله، يجعل تل أبيب معنية بتقليص خطر اندلاع مواجهة مع "حماس"، حتى تتفرغ لمواجهة احتمالات اشتعال الجبهة الشمالية.
وفي الوقت ذاته، فإنه نظراً إلى أن مصر أسهمت بشكل كبير في التوصل للاتفاق وسيؤدي رئيسها عبد الفتاح السيسي، دوراً مركزياً في مراقبة تطبيقه، فإنه يمكن الافتراض أن النظام سيحرص، بالتنسيق مع إسرائيل التي يحتفظ معها بعلاقات شراكة استراتيجية، على توظيف الاتفاق في إضعاف مكانة حركة "حماس" في القطاع من خلال العمل على تعزيز حضور قوى فلسطينية أخرى، مثل تيار القيادي المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان. ومن الواضح أن التحرك المصري في هذا الاتجاه سيحظى بدعم الدول الخليجية التي ترتبط بعلاقة وثيقة بنظام السيسي، وإسنادها، والتي تواترت الشواهد على تطور العلاقة بينها وبين إسرائيل.
كما أنه في حال تطبيق الاتفاق بنجاح، فسيحسّن من قدرة تل أبيب على المناورة إزاء السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس. ففي حال انتقلت مقاليد الأمور في القطاع إلى السلطة، فإن هذا سيمنح تل أبيب المسوغ لتحميل عباس وحكومة رام الله المسؤولية عن أي عمل عسكري، يمكن أن تقدم عليه أية مجموعة فلسطينية انطلاقاً من قطاع غزة. وقد توظف حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب أي عمل عسكري ينطلق من قطاع غزة في تسويغ تملصها من التعاطي بإيجابية مع أي حراك دولي يهدف إلى إحياء الجهود الهادفة لتسوية الصراع.
عدا عن ذلك، فإن انتقال مقاليد الأمور في قطاع غزة للسلطة الفلسطينية سيفقد تل أبيب المسوغات لتوجيه الضربات العسكرية الهادفة إلى إحباط الجهود التي تقوم بها حركة "حماس" لتعزيز قوتها العسكرية. فمنذ انتهاء عدوان 2014، يستغلّ جيش الاحتلال عمليات إطلاق القذائف التي تنفذها مجموعات تدعي الانتماء للجهادية السلفية، في تبرير ضرب أهداف عسكرية لحركة "حماس"، بادّعاء أن "الحركة تتحمل المسؤولية عن هذه العمليات بوصفها الطرف الذي يتولى إدارة حكم القطاع". وتخشى تل أبيب من أن يسهم تخلص حركة حماس من تبعات إدارة حكم القطاع في منحها مزيداً من الموارد والوقت لمواصلة تعزيز قوتها العسكرية. كذلك تعي أنه على الرغم من نقل مقاليد إدارة قطاع غزة لحكومة رام الله، إلا أن حركة "حماس" ستظلّ القوة العسكرية الأبرز في قطاع غزة، فلا يمكن لأي طرف داخلي التشويش على مخططاتها لتعزيز قوتها العسكرية.
من هنا، بلورت محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب أفكاراً لتعطيل فرص تعاظم قوة "حماس" العسكرية في أعقاب توقيع اتفاق المصالحة. ودعت دراسة عن "مركز أبحاث الأمن القومي" الإسرائيلي، صدرت يوم الخميس الماضي، إلى أن "تعمل إسرائيل على إقناع مصر والأطراف العربية بأن تشترط السماح بإعادة الإعمار في قطاع غزة بالتزام حركة حماس بوقف تعاظم قوتها العسكرية". مع العلم أن دراسة صدرت قبل شهرين عن المركز نفسه اقترحت أن "تقوم الإمارات تحديداً، بتمويل كل مشاريع إعادة الإعمار في القطاع مقابل التزام حركة حماس بالتخلي عن قوتها العسكرية".