عزز الجيش التركي قواته في إدلب، اليوم الأربعاء، فيما تجدّدت الاشتباكات بين المعارضة والنظام السوري عقب خرق الأخير لوقف إطلاق النار بالمنطقة، كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن إصابة عدد من جنودها جراء استهدافهم في إدلب.
وقال الناشط مصطفى المحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن رتلاً للجيش التركي يضم عشرات الآليات والدبابات وصل فجر اليوم إلى منطقة جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، بعد يومين من إنشاء تركيا نقطة جديدة في المنطقة.
ويأتي ذلك في سياق تعزيز الجيش التركي للجدار الناري الذي أقامه في منطقة جبل الزاوية، بعد سحب جزء كبير من قواته الواقعة ضمن نقاط في مناطق سيطرة النظام السوري.
إلى ذلك، تجددت الليلة الماضية الاشتباكات بين المعارضة السورية المسلحة وقوات النظام السوري على محور بلدة آفس في ناحية سراقب شرقي إدلب، أعقبها قصف مدفعي وصاروخي من النظام السوري على مناطق متفرقة من ريف إدلب الجنوبي، موقعاً خسائر مادية في ممتلكات المدنيين.
وقالت مصادر من "الجبهة الوطنية للتحرير"، في حديث مع "العربي الجديد"، إن عناصر المعارضة دمروا آلية لقوات النظام خلال محاولتها التقدم على محور آفس جراء استهدافها بصاروخ موجه، ما أوقع خسائر بشرية في صفوف النظام. وكانت قوات النظام قد حاولت التسلّل على ذلك المحور بهدف إنشاء نقاط متقدمة.
وشهدت المنطقة ذاتها، أمس الثلاثاء، اشتباكات جراء محاولة التقدم من قوات النظام التي تتمركز إلى جانبها مليشيات مدعومة من الحرس الثوري الإيراني وروسيا.
وشهدت أمس منطقتا جبل الزاوية جنوبي إدلب وجبل الأكراد في ريف اللاذقية الشمالي قصفاً مدفعياً وصاروخياً من قوات النظام، عقب يوم شهد تجدد القصف الجوي الروسي على منطقة الكبينة في جبل الأكراد، من دون وقوع خسائر بشرية.
بدورها، أعلنت وزارة الدفاع الروسية مساء أمس الثلاثاء، عن إصابة ثلاثة من جنودها في جنوب شرقي إدلب، بعد إصابة عربتهم بصاروخ موجه.
ونقل موقع "روسيا اليوم" عن نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سورية، فياتشيسلاف سيتنيك، قوله إن ناقلة أفراد مدرعة تابعة للقوات الروسية تعرضت لصاروخ مضاد للدبابات تم إطلاقه من منطقة تخضع لسيطرة المعارضة السورية، ما أسفر عن إصابة ثلاثة عسكريين بجروح طفيفة.
وأشار إلى أن الجرحى نقلوا على الفور إلى مستشفى عسكري، حيث تم تقديم المساعدة الطبية اللازمة لهم ولا شيء يهدد صحتهم.
وذكر نائب رئيس المركز أن الحادث وقع أثناء قيام العسكريين الروس بتأمين إخراج مركز مراقبة تركي في الجزء الجنوبي الشرقي من منطقة وقف التصعيد في إدلب.
وأكد المسؤول الروسي أن قيادة مجموعة القوات الروسية في سورية تعمل، بالتعاون مع العسكريين الأتراك والأجهزة الأمنية السورية، على تحديد هوية المسلحين المسؤولين عن استهداف العسكريين الروس.
ويذكر أن الدوريات الروسية التركية المشتركة التي كانت تسير على الطريق الدولي جرى إيقافها، بعد تكرّر عمليات الاستهداف من قبل مجهولين على الطريق الواصل بين حلب واللاذقية مرورا بإدلب.
النظام ينذر مقاتلين سابقين
في هذه الأثناء، أنذر النظام السوري، أمس الثلاثاء، قرابة 40 مقاتلاً سابقاً في المعارضة السورية المسلّحة بتسليم أنفسهم وأسلحتهم وامتثالهم لمحكمة عسكرية تنظر في أمر إجرائهم تسوية ومصالحة، وفي حال رفضوا التسليم فإن الخيار الوحيد أمامهم التهجير عبر الحافلات إلى إدلب شمالي البلاد.
وقال الناشط محمد الحوراني لـ"العربي الجديد" إن اجتماعاً عُقد أمس بين وجهاء من منطقة أم باطنة بريف القنيطرة جنوبي سورية، ورئيس فرع الأمن العسكري في منطقة سعسع المعروف بالفرع 220، من أجل مناقشة ملف 40 مقاتلاً سابقاً في فصائل المعارضة كانوا قد أجروا تسوية مع النظام قبل قرابة عامين.
وذكر الناشط أن رئيس الفرع العميد طلال العلي وجه إنذاراً عن طريق الوجهاء للمقاتلين، بأنه يجب عليهم أن يسلّموا أنفسهم مع أسلحتهم للفرع من أجل عرضهم على محكمة عسكرية ومراجعة عملية التسوية والمصالحة، وإن لم يمتثلوا لهذا الإنذار فإن مصيرهم سيكون التهجير نحو إدلب.
وبحسب الناشط، فإن المقاتلين الأربعين يعيشون في بلدة أم باطنة وكانوا سابقاً ضمن تشكيل "جبهة ثوار سورية"، وأجروا تسوية مع فرع الأمن العسكري إبان اتفاق التسوية الذي شمل درعا، إلا أن النظام عاد مجدداً وفتح ملف المقاتلين عن طريق بقية الفروع الأمنية.
وأوضح الناشط أن النظام أعاد فتح ملفات وتقديم اتهام القتال ضد قواته في القنيطرة والتسبب بخسائر بشرية، وهم الآن مخيرون إما بالرضوخ لمطالب النظام أو التهجير إلى منطقة ما في الشمال السوري. وأضاف الناشط أن غاية النظام من تلك العملية هي بسط سيطرته الكاملة على المنطقة ويرى في هؤلاء المقاتلين ربما فائدة في تجنيدهم من أجل القتال إلى جانبه في شمال سورية. إلا أنهم يرفضون الالتحاق بقوات النظام.
وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن هناك قياديين سابقين في فصائل المعارضة، هم من أثاروا مجدداً ملف المقاتلين في بلدة أم باطنة بعد رفض المقاتلين الانخراط في مليشيات النظام السوري.
وأكدت المصادر أن المليشيات التي تشكلت عقب التسوية في المنطقة جلها مدعوم من إيران و"حزب الله" اللبناني، وعلى رأسها المليشيات المتمركزة في بلدة ممتنة والتي يقودها المدعو "حسن هزاع" و"أبو جعفر ممتنة" اللذان يعملان أيضاً لصالح فرع الأمن العسكري.
حملات اعتقال جديدة بدير الزور والحسكة
في غضون ذلك، شنت قوات النظام السوري حملة اعتقالات اليوم في مدينة دير الزور شرقي البلاد، طاولت عشرات الشبان، بالتزامن مع حملة مماثلة شنتها "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في ناحية تل براك بريف الحسكة شمال شرقي البلاد، وذلك في إطار ملاحقة الشبان بهدف التجنيد الإجباري.
وقال الناشط أبو محمد الجزراوي لـ"العربي الجديد"، إن قوات النظام السوري داهمت أحياء مدينة دير الزور صباح اليوم، واعتقلت أكثر من 30 شاباً من حيي الجورة وطب الجورة ونقلتهم إلى فرع الأمن العسكري التابع للنظام في المدينة.
وبحسب الناشط، فإن تلك الاعتقالات تأتي بهدف تجنيد الشبان في صفوف النظام. وكان من اللافت خلال الحملة مشاركة فرع الأمن الجنائي في المداهمات بذريعة إلقاء القبض على مطلوبين بتهم جنائية.
وفي غضون ذلك، باغتت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) مناطق في ناحية تل براك بريف الحسكة شمالي شرقي البلاد، واعتقلت أيضاً مجموعة من الشبان بهدف السوق إلى التجنيد الإجباري في صفوفها.
وكانت "قسد" قد اعتقلت أمس عشرات الشبان في مدينة القامشلي بريف الحسكة ومدينة عين العرب بريف حلب، إضافة لمداهمات في مدينة الشحيل وبلدة الرز في ريف دير الزور الشرقي.
وقالت مصادر مقربة من "قسد" لـ"العربي الجديد" إن تلك الحملة كانت من أشد الحملات التي تشنها "قسد"، والتي استهدفت مطلوبين للتجنيد الإجباري، وغيرهم من المطلوبين لـ"قسد" بتهم التعامل مع "الجيش الوطني" أو بتهمة "الانتماء لتنظيم داعش".
وشاركت قوات التحالف الدولي مع "قسد" في عمليات المداهمة بريف دير الزور الشرقي، والتي تزامنت أيضاً مع تحليق من قبل طيران التحالف.
من جانب آخر، قال موقع "الخابور" المحلي إن مليشيات "قسد" أطلقت أمس 35 عنصراً من عناصرها كانت قد اعتقلتهم سابقاً بتهمة السرقة، خلال القيام بعمليات في ريف الرقة.
وقال الموقع إن العناصر البالغ عددهم 35، جرى اعتقالهم في وقت سابق خلال الأشهر القليلة الماضية، على خلفية سرقتهم منازل في قرى هنيدة والصفصافة والمنصورة والسويدية والمحمودلي بناحية الطبقة في ريف الرقة الغربي، حيث جرى تقديم بلاغات بحقهم.
وذكر الموقع أن العناصر كانوا يسرقون قوارير الغاز والماشية من المنازل، واكتفت "قسد" بسجنهم لمدة قصيرة من دون محاكمتهم ومن دون إعادة المسروقات لأصحابها.
وأشار الموقع إلى أن تلك العملية تأتي بهدف نقل هؤلاء العناصر، وإعادتهم إلى القتال على الجبهات في منطقة عين عيسى بريف الرقة الشمالي تحت إدارة "مجلس الطبقة العسكري" المنخرط في "قسد".
وفي شأن آخر، خرجت اليوم دفعة جديدة من النازحين السوريين في مخيم الهول شرق الحسكة، تمهيداً لإعادتهم إلى مناطقهم في الرقة والطبقة.
وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن هذه الدفعة هي التاسعة بعد مبادرة "مجلس سورية الديمقراطية"، ووساطة شيوخ العشائر والقبائل العربية لإخلاء السوريين من المخيم الذي يضم الآلاف من المدنيين من نازحين وذوي عناصر من تنظيم "داعش" من جنسيات سورية وأجنبية.
ووفق المصادر، شملت الدفعة الجديدة قرابة 110 عائلات مكونة من 385 شخصاً، جلّهم نساء وأطفال وجميعهم يتحدرون من الرقة وريفها.
اشتباكات بين "قسد" و"الجيش الوطني السوري"
في هذا الوقت، تجددت الاشتباكات والقصف المتبادل بين "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا ومليشيات "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في محاور التماس بمحيط عين عيسى في ريف الرقة وفي ريف الحسكة وريف حلب، تزامناً مع حركة نزوح في ناحية عين عيسى وجنوب ناحية رأس العين.
وقالت مصادر مقربة من "قسد"، لـ"العربي الجديد"، إنّ المعارك تجددت بين "الجيش الوطني" و"قوات سورية الديمقراطية" في محيط مدينة عين عيسى بريف الرقة، وفي ناحية تل تمر بريف الحسكة الشمالي تزامناً مع قصف مدفعي وصاروخي متبادل بين الطرفين.
وبحسب المصادر، ترافقت الاشتباكات مع حركة نزوح مدنيين من القرى المحيطة بمنطقة أبو راسين في ناحية تل تمر، مشيرة إلى أن النزوح يجري نحو المناطق الأكثر هدوءًا في سيطرة "قسد".
وقالت المصادر إن القصف على مناطق "قسد" أسفر عن تدمير مقار عدة، إلا أن هناك مقار لـ"قسد" ضمن الأحياء المأهولة بالمدنيين واستهدافها يشكل حالة من الهلع لدى السكان.
وتجددت الاشتباكات في المنطقة عقب فشل جولات التفاوض بين روسيا و"قسد" حول تسليم البلدة لقوات النظام السوري، بهدف وقف هجوم تركي متوقع على ناحية عين عيسى لطرد المليشيات منها.
ونفت مصادر من "قسد" لـ"العربي الجديد"، التوصل لأي اتفاق حول تسليم المدينة للنظام، وجرى الاتفاق فقط على نشر نقاط مراقبة مشتركة بين النظام وروسيا و"قسد"، إلا أن ذلك لا يرضي تركيا التي تريد مغادرة "قسد" بشكل نهائي للمنطقة.
وقالت مصادر من "الجيش الوطني السوري"، لـ"العربي الجديد"، إنّ الجيش تصدى لعدة محاولات تسلل من "قسد" إلى مواقعهم في منطقة عمليات "نبع السلام" شمال ناحية عين عيسى، والقصف كان رداً على تلك المحاولات التي تخللتها اشتباكات أسفرت عن وقوع خسائر بشرية في صفوف "قسد".
وتزامن القصف والاشتباك في عين عيسى وتل تمر مع تجدّد القصف المتبادل في ناحية منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، وخصوصاً على محور قريتي عرب حسن وتوخار شمال شرقي مدينة منبج، مخلفة أضراراً مادية.
وكانت القوات الروسية قد جلبت، أمس الثلاثاء، تعزيزات إلى القاعدة العسكرية في قرية السعيدية غرب مدينة منبج، مضيفة أن تلك التعزيزات تألفت من 20 آلية محملة بالمعدات والجنود.
وتخضغ خطوط التماس بين "قسد" و"الجيش الوطني السوري" منذ أكتوبر/تشرين الأول 2019 إلى تفاهمات روسية تركية، منعت تركيا من شنّ المزيد من العمليات العسكرية ضد "قسد"، والتي أفقدت الأخيرة في وقت سابق مساحات واسعة في محافظات حلب والرقة والحسكة.