إعادة تحريك ملف الرئاسة اللبنانية: تعويلٌ على دور اللجنة الخماسية

23 يناير 2024
خلال لقاء بري مع السفير السعودي في لبنان (السفارة السعودية في بيروت)
+ الخط -

على وقع تصاعد العمليات العسكرية على الجبهة الجنوبية في لبنان، يبرز حراكٌ دبلوماسيٌّ على مستوى سفراء اللجنة الخماسية لإعادة إحياء ملف الرئاسة اللبنانية، بعدما عُلّق البحث فيه منذ بدء الاشتباكات بين "حزب الله" وجيش الاحتلال الإسرائيلي في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، غداة انطلاق عملية "طوفان الأقصى".

وبرزت في الآونة الأخيرة اللقاءات الثنائية الجانبية، التي عُقدت في بيروت على مستوى سفراء اللجنة الخماسية المؤلفة من قطر وأميركا ومصر وفرنسا والسعودية، والتي من المرتقب أن تترجم باجتماعٍ للدبلوماسيين مع المسؤولين اللبنانيين، في محاولةٍ جديدة للتوصّل إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية، ينهي الشغور المستمرّ منذ ما يزيد على السنة.

وكان من المرتقب أن يجتمع سفراء الدول الخمس، اليوم الثلاثاء، مع رئيس البرلمان نبيه بري، لكن أُرجئ اللقاء إلى موعدٍ لاحقٍ لم يُعلَن، لكن النشاط الدبلوماسي بقيَ قائماً في عين التينة، مقرّ الرئاسة الثانية في بيروت، باجتماعين منفصلين جمعا بري مع السفيرين لدى لبنان، السعودي وليد بخاري، ومن ثم المصري علاء موسى.

وبحسب بيان للسفارة السعودية لدى لبنان، فإن اللقاء بحث "الجهود المبذولة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي اللبناني في أسرع وقتٍ، بوصف ذلك السبيل الوحيد لضمان استقرار لبنان والشروع في تنفيذ الإصلاحات اللازمة لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية، في ظلّ تسارع الأحداث التي تشهدها المنطقة".

من جانبه، قال السفير المصري علاء موسى، في تصريحات بعد لقائه رئيس البرلمان نبيه بري: "تناولنا مجمل الأوضاع في المنطقة وما يحدث من تطورات وتأثيرها وتفاعلها على المنطقة وعلى دولها خاصة على مصر ولبنان، وقد استمعت إلى تقييمات بري ورؤيته للمستقبل وطرحت عليه أيضاً تقييمنا، وتناولنا أيضاً مسألة الشغور الرئاسي ودور اللجنة الخماسية وخريطة عملها في المستقبل وتبادلنا الآراء حول هذا الأمر، ونأمل أن تؤدي إلى أشياء إيجابية سوف تظهر في المستقبل القريب".

ورداً على سؤال حول أسباب تأجيل موعد سفراء اللجنة الخماسية مع الرئيس بري، قال موسى: "اللقاء مع بري اليوم هو فرصة للتأكيد على أن الموقف في الخماسية موقف واحد وموحّد، والاجتماع جرى تأجيله إلى الفترة المقبلة، وذلك في إطار اجتماعات أخرى لسفراء الخماسية مع مختلف القوى السياسية من أجل ترتيب مواعيد السفراء فقط، وهذا أمرٌ طبيعيّ يحصل بما يخصّ ارتباطات السفراء، وهذا سوف يتم تداركه ومراعاته في المستقبل".

وأضاف: "نحن في الحقيقة نسعى لترتيب لقاء لسفراء الخماسية سريعاً، وهذا الاجتماع لا يهدف للحديث حول تناقضات، بالعكس يتحدث حول المشتركات وخريطة طريق لعمل الخماسية".

وشدد السفير المصري على أن "من طبيعة الأمور أن أي دولة في العالم يجب أن يكون لها رئيس وفي الظروف المشددة والحرجة يتطلب أكثر هذا الأمر، وبالتالي نحن نرى أن ما يحصل في المنطقة وما يواجهه لبنان ودول المنطقة من تحديات يستوجب الإسراع في إتمام هذا الاستحقاق وهو انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن".

زيارة مرتقبة للودريان لبيروت

وتتزامن هذه الحركة الدبلوماسية العربية الدولية مع جولاتٍ قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، على الدوحة والرياض، قبل أيام، في إطار مهمة "التيسير" المُكلَّف إياها بالملف اللبناني، والمرتقبة عودته بعد انتهاء جميع جولاته في بيروت، حاملاً معه مقاربة الدول الخمس، ومحاولاً إيجاد صيغة توافق بين القوى السياسية اللبنانية.

في السياق، يقول عضو كتلة "التنمية والتحرير" (يرأسها بري)، النائب قاسم هاشم لـ"العربي الجديد"، إن "اللجنة الخماسية عاودت التواصل مع القوى السياسية للبحث في كيفية مساعدة لبنان على حلّ الأزمة الرئاسية، ونحن ننتظر الاجتماع الذي سيعقد بين السفراء في لبنان، وكذلك في الخارج بين ممثلي الدول الخمس، والمرجح أن يكون الأسبوع المقبل لمعرفة الأفكار التي يُمكن أن تُطرَح، وكيف يمكن أن تساعد في تذليل العقبات وإنهاء الشغور الرئاسي، وسنبني أيضاً موقفنا على أساسها".

ويلفت هاشم إلى أن "الاجتماع الذي كان مقرّراً اليوم بين بري وسفراء الدول الخمس أرجئ، وقد التقى رئيس البرلمان السفيرين السعودي والمصري، وقد يكون مردّ التأجيل إلى مستجدّ معيّن، أو ضرورة بلورة بعض الأفكار التي ستطرح بين السفراء أنفسهم قبل لقائهم بري ووضعه في إطار رؤيتهم".

كذلك، يشدد هاشم على أنّ "هذه المساعي مشكورة، ونحن نعوّل على الجهود الخارجية التي تبذل، ولكن المسؤولية تبقى من مجلس النواب والقوى السياسية الممثلة فيه عبر كتلها بانتخاب رئيس للجمهورية"، مشيراً إلى أننا "مستمرّون بتأييدنا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ونحن مع التواصل والتشاور والحوار بين الجميع للوصول إلى توافق". وأكد كذلك أن "اللجنة الخماسية لا تدخل في الأسماء، بل فقط تحدثت عن المعايير الرئاسية".

منع توسّع الحرب في لبنان

وقال مصدرٌ دبلوماسي في السفارة الفرنسية في بيروت لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأولوية اليوم لمنع توسّع الحرب في لبنان، والاستقرار الذي ننتظره يتطلب في المقابل استقراراً سياسياً، بحيث بات من الضروري والعاجل انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة بصلاحيات كاملة ليستعيد كذلك البرلمان دوره التشريعي".

وأشار إلى أن "هناك حركة تجاه لبنان للدفع باتجاه حصول توافق بين القوى السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم رئيس للحكومة، لإعادة تفعيل الحياة السياسية المؤسساتية، لكن الجهود الدبلوماسية يجب أن تُقابَل بجهود لبنانية لوضع الخلافات جانباً والتلاقي حول مصلحة البلد".

كذلك، لفت إلى أنّ "السفير الفرنسي لدى بيروت يجري لقاءات مع سفراء اللجنة الخماسية لبحث الاستحقاقات السياسية والأمنية في لبنان. وبدوره، يجري لودريان مشاورات مستمرة مع ممثلي الدول، وقد يعود إلى لبنان في وقتٍ قريبٍ، ولكن لا موعد محدّد بعد، والزيارة ترتبط بالتطورات التي ستحصل على صعيد المباحثات".

وقال المصدر نفسه إنّ "الكلام الذي يُسمَع من قبل المسؤولين اللبناني إيجابي لناحية رغبتهم في وضع حدّ للشغور الرئاسي، لكن حتى الساعة الانقسام السياسي لا يزال قائماً في البلاد"، مشيراً إلى أنّ "فرنسا أو الدول ضمن اللجنة الخماسية لن تدخل في لعبة الأسماء، فهذا شأنٌ لبنانيٌّ داخليٌّ، ولكن قد يرحّبون بالبحث باسم ثالث، في ظلّ عدم قدرة المرشحين، الوزير السابق جهاد أزعور (المدعوم من معارضي حزب الله)، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية (مرشح حزب الله وحليفه السياسي)، على تأمين الأصوات اللازمة للفوز بالرئاسة".

تمسك حزب الله بفرنجية

في المقابل، تستبعد أوساط نيابية معارضة لـ"حزب الله" أن يصار إلى حلّ الأزمة الرئاسية في وقتٍ قريبٍ، في ظلّ استمرار فريق الحزب بالتمسك بمرشحه فرنجية، ومحاولة فرضه.

وتقول أوساط نيابية معارضة لـ"العربي الجديد" إن "الجهود الدبلوماسية مهمة، ولكن الفراغ سيبقى في ظل تعنّت "حزب الله" وفريقه السياسي، الذي يعطل مجلس النواب في محاولة فرضه مرشحه للرئاسة"، لافتة إلى أنّ "الحل الوحيد لإنهاء الشغور يكمن في عقد جلسة انتخابية بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس وفق الأطر الديمقراطية".

على صعيد آخر، كان لافتاً الاجتماع الذي عُقد أمس بين السفير السعودي وليد بخاري، والسفير الإيراني لدى لبنان، مجتبى أماني، الذي استعرض أبرز التطورات السياسية الراهنة على الساحتين اللبنانية والإقليمية، بالإضافة إلى "العلاقات الثنائية بين البلدين وتبادل الرؤى في العديد من القضايا والموضوعات ذات الاهتمام المشترك"، بحسب ما أفاد بيان للسفارة السعودية. 

المساهمون