سيّرت الخطوط الجوية اليمنية، أمس الإثنين، أول رحلة إلى مطار صنعاء آتية من عدن قبل أن تنقل عشرات المسافرين إلى مطار عمّان الأردني، في أول رحلة تجارية منذ ست سنوات تنطلق من العاصمة الخاضعة لسيطرة المتمردين، وذلك في إطار تنفيذ بنود الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة التي دخلت حيز التنفيذ منذ الثاني من شهر إبريل/نيسان الماضي ويفترض أن تستمر لشهرين.
لكن التعويل على استمرار فتح المطار لتسيير رحلتين جويتين من وإلى مطار صنعاء كل أسبوع إلى كل من عمان والقاهرة، كما ينص اتفاق الهدنة، يبقى رهناً بتطورات الأيام المقبلة، وتحديداً ما إذا كان الحوثيون سيلتزمون بما يقع على عاتقهم بموجب وقف إطلاق النار، وهو ما أشار إليه المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، من دون تسميتهم، إذ أكد أن "هذا هو وقت التضافر" و"تنفيذ جميع التزامات الهدنة لبناء الثقة والتحرك نحو استئناف عملية سياسية لإنهاء النزاع بشكل مستدام".
كما أعلنت السفارة اليمنية في الولايات المتحدة أن الحكومة أوفت "بجميع التزاماتها" بموجب الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة. ودعت في تغريدة المجتمع الدولي للضغط على الحوثيين "للوفاء بتعهداتهم وإنهاء معاناة الناس في تعز".
وتتضمن بنود اتفاق الهدنة تيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة، وقد تم بالفعل إعطاء تصاريح في هذا السياق. كما يشمل الاتفاق عقد اجتماع بين الأطراف للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات لتحسين حرية حركة الأفراد داخل اليمن، وهو الأمر الذي لا يزال متعثراً وسط اتهامات للحوثيين بالمسؤولية عن العرقلة من خلال تعمدهم عدم تعيين وفدهم لاجتماع إعادة فتح الطرق.
تتضمن بنود اتفاق الهدنة تيسير دخول 18 سفينة تحمل الوقود إلى موانئ الحديدة
تسيير أول رحلة تجارية من مطار صنعاء
وحظي تسيير أول رحلة تجارية من مطار صنعاء بارتياح شعبي لا سيما أنها تأتي بعد سنوات من المعاناة والسفر إلى سيئون أو عدن عبر مناطق وعرة وطرق طويلة وسط مخاطر أمنية.
وقال محمد زيد لوكالة "فرانس برس": حضرت للأردن من أجل علاج ابنتي رزان عمرها ثلاث سنوات ونصف السنة وتعاني من ورم في الدماغ ما أدى إلى صعوبة في المشي والنطق". وقبل المغادرة من صنعاء، قالت لطفية من على كرسيها المتحرك: "أنا سعيدة كل السعادة بافتتاح مطار صنعاء. هذا اليوم هو يوم عيد وأتمنى أن يستمر".
وفيما ذكرت وسائل إعلام يديرها الحوثيون أن رحلة الخطوط الجوية اليمنية متجهة إلى العاصمة الأردنية عمان وعلى متنها 151 راكباً، أفاد المبعوث الأممي أن عدد المسافرين بلغ 130.
من جهته، قال مصدر في وزارة النقل اليمنية لـ"العربي الجديد"، إن هناك إشرافاً مباشراً ومتابعة من قبل الوزارة على تسيير الرحلة وفقاً لتوجيهات الحكومة ورئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي. ولفت الى أن الطائرة التي غادرت إلى مطار الملكة علياء في الأردن، ستنقل ركاباً آخرين من مطار الملكة علياء إلى صنعاء.
من جهته، قال وكيل هيئة الطيران المدني والأرصاد في صنعاء رائد جبل: "ندعو الأمم المتحدة والجهات المعنية في مجال الطيران المدني وفي الجانب الإنساني إلى أن تفتح مطار صنعاء بشكل مستمر لكل أبناء الشعب اليمني بدون أي قيود أو شروط".
كما برزت أمس تغريدة لحسين العزي، نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً، قال فيها: "رحلتان يوميا خلال ما تبقى من الهدنة ونأمل سرعة الوفاء بذلك وعدم العودة لسلوكيات الإعاقة والعرقلة. دعونا نمضي بخطى الرجال الواثقين لنعبر معاً نحو السلام والوئام واستعادة الإخاء وحسن الجوار". وفيما حذر من أن "أي تعطيل أو إعاقة قد يعني العودة للحرب وهذا أمر لا ينبغي أن يحدث أو يسمح أي عاقل بحدوثه" لم يوضح ما إذا كان هناك اتفاق جديد بتسيير رحلتين يومياً بدلاً من أسبوعياً.
وكان من المقرّر أن تغادر أول رحلة تجارية صنعاء في 24 نيسان/إبريل الماضي، لكنّها ألغيت في اللحظات الأخيرة بسبب عدم الحصول على "تصاريح تشغيل" من التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.
وعقب مشاورات أجراها غروندبرغ، أعلنت الحكومة في 12 مايو الحالي أنها اتخذت قرار إعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام النقل المدني إلى جانب قرار اعتماد الجوازات الصادرة من مواقع سيطرة الحوثيين، في سياق ما وصفته بالتعاطي الإيجابي مع مبادرة مكتب المبعوث الأممي.
وأكدت أن هذه الخطوة لا يترتب عليها أي تغيير في المركز القانوني للحكومة اليمنية، كما لا يعتبر اعترافا بالمليشيات الحوثية.
ترقب لفتح طرق تعز
ورحَّب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، أمس، بانطلاق أول رحلة تجارية من مطار صنعاء تنفيذا لاتفاق الهدنة. ولفت إلى أنه "هذا هو وقت التضافر وبذل المزيد من الجهد للبدء في إصلاح ما كسرته الحرب، وتنفيذ جميع التزامات الهدنة". وشدد غروندبرغ على أن "إحراز تقدم نحو فتح الطرق في تعز هو أمر أساسي". وأضاف "أتوقع من الأطراف الوفاء بالتزاماتهم، بما يشمل الاجتماع على وجه السرعة للاتفاق على فتح الطرق في تعز وغيرها من المحافظات في اليمن وفقًا لبنود اتفاق الهدنة".
شدد غروندبرغ على أن إحراز تقدم نحو فتح الطرق في تعز هو أمر أساسي
وفي السياق، قالت مصادر في الحكومة لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة تنتظر ردة فعل إيجابية من الانقلابيين في صنعاء على السماح بتسيير الرحلات من مطار صنعاء". كما أشارت إلى أن الحكومة سترى ما إذا كان المبعوث الأممي سينجح في إقناع الحوثيين بتنفيذ ما التزموا فيه من بنود اتفاق الهدنة الإنسانية، والتي من بينها فتح الطريق في تعز ورفع الحصار عنها، إضافة إلى تنفيذ الاتفاق السابق حول ميناء الحديدة وإيراداته.
ولفتت المصادر إلى أن الحوثيين يرفضون إلى حد الآن تسليم مرتبات موظفي الدولة من إيرادات الميناء، حسب اتفاق استوكهولم (2018)، فضلاً عن فشل المحادثات حول فتح الطرق البرية بين المحافظات المحررة والواقعة تحت سيطرة الحوثيين بما فيها الطرق من وإلى تعز ورفع الحصار عنها.
ولفتت المصادر إلى أن الحكومة تأمل بأن إعادة إطلاق الرحلات من وإلى مطار صنعاء، قد تدفع الحوثيين إلى التقدم في جميع المجالات المطروحة ضمن النقاشات والتي من بينها ملف الأسرى أيضاً.
وفيما أبدت المصادر تشككاً في تقديم الحوثيين أي بوادر حسن نية باتجاه الحكومة نظراً "لسيرتهم خلال السنوات الماضية، والاتفاقيات التي رفضوا تنفيذها"، قال مصدر آخر في الحكومة لـ"العربي الجديد" إن رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، أعطى توجيهات بأن تدفع مرتبات موظفي الدولة في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين من إيرادات ميناء الحديدة وفق اتفاق استوكهولم وما أكدت عليه اتفاقية الهدنة الإنسانية الأخيرة، لكن الحوثيين إلى اليوم يرفضون صرف المرتبات والتي تصل إلى تسعين مليار ريال يمني تقريبا، الموجودة في فرع البنك المركزي في الحديدة.
في هذه الأثناء، رحب البيت الأبيض بالرحلات الجوية باعتبارها دليلاً على "الفوائد المستمرة" لوقف إطلاق النار للشعب اليمني. وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، أدريان واتسون، "يشهد اليمن اليوم أهدأ فترة له منذ بدء الحرب، وهذه الرحلات الجوية هي خطوة مهمة في زيادة تحسين حياة وفرص الشعب اليمني".
من جهتها، ذكرت إيرين هاتشينسون، مديرة مكتب المجلس النرويجي للاجئين في اليمن، أن إقلاع أول رحلة هو بمثابة "حجر أساس في سلام مستدام لليمن". وحثت كل الأطراف على العمل معاً على تطبيق العناصر الأخرى للاتفاق، ومنها إعادة فتح الطرق حول تعز ومحافظات أخرى.