أعلنت الهيئة الفيدرالية الروسية لتنفيذ العقوبات في دائرة يامالو-نينتس في أقصى شمال روسيا، اليوم الجمعة، عن وفاة المعارض الروسي الأبرز أليكسي نافالني في سجن "الذئب القطبي" ذي النظام الخاص.
وأفادت الهيئة بأن نافالني أصيب بوعكة صحية أثناء جولة فقد على أثرها الوعي "فوراً تقريباً"، مما تطلب استدعاء طاقم إسعاف، وفق رواية الهيئة.
وأضاف البيان الصادر عن الهيئة أنه تقرر إيفاد لجنة إلى السجن، ستضم قادة وموظفين بالوحدات العملياتية والطبية التابعة لهيئة تنفيذ العقوبات.
وأكد الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أنه جرى إخطار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالوفاة، جازماً بأن هيئة تنفيذ العقوبات "تتولى جميع المراجعات اللازمة دون أن يتطلب ذلك أي تكليفات، لأن هناك لائحة من القواعد بهذا الخصوص".
من جانب آخر، قال محامي نافالني، ليونيد سولوفيوف، لصحيفة "نوفايا غازيتا" الروسية ذات التوجهات الليبرالية المعارضة، إن أسرة نافالني طلبت عدم الإدلاء بأي تعليقات، مضيفاً: "نتحقق الآن. زار المحامي نافالني الأربعاء. كان كل شيء على ما يرام حينها".
بدورها، أوضحت الناطقة باسم نافالني، كيرا يارميش، أنها لم تتلق أي تأكيدات بخصوص وفاة نافالني في السجن، واعدة بتقديم معلومات حين توفرها.
كما نقلت "نوفايا غازيتا" عن والدة نافالني قولها، إن ابنها كان "على قيد الحياة وبصحة جيدة وسعيداً" عندما رأته آخر مرة في 12 فبراير/ شباط.
وذكرت الصحيفة أن ليودميلا نافالنايا كتبت في منشور على "فيسبوك" اليوم الجمعة: "لا أريد أن أسمع أي تعاز. لقد رأيناه في السجن يوم 12 فبراير. كان على قيد الحياة وبصحة جيدة وسعيداً".
بلينكن: روسيا مسؤولة عن وفاة نافالني
وتعليقاً على خبر الوفاة، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إن التقارير التي أفادت بوفاة نافالني إذا كانت صحيحة فهي تبرز "ضعف وفساد" النظام الذي بناه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال بلينكن في ميونخ: "أولاً وقبل كل شيء، إذا كانت هذه التقارير دقيقة، فقلوبنا مع زوجته وعائلته". وأضاف: "علاوة على ذلك، فإن وفاته في سجن روسي والهوس والخوف من رجل واحد تؤكد فقط الضعف والفساد في قلب النظام الذي بناه بوتين. روسيا مسؤولة عن ذلك".
وتابع: "سنتحدث إلى العديد من الدول الأخرى المعنية بشأن أليكسي نافالني، خاصة إذا ثبتت صحة هذه التقارير".
من جهتها، أكدت الأمم المتحدة أنها تشعر بالهلع حيال نبأ وفاة نافالني في السجن، داعية السلطات الروسية إلى "وضع حد للاضطهاد".
وقالت الناطقة باسم مفوّضية الأمم المتّحدة لحقوق الإنسان ليز ثروسيل، وفق ما أوردته وكالة "فرانس برس": "إذا توفي شخص ما أثناء احتجازه لدى الدولة، فيفترض بأن الدولة هي المسؤولة، وهي مسؤولية لا يمكن دحضها إلا من خلال تحقيق محايد وشامل وشفاف تجريه هيئة مستقلة".
We are appalled at the news that Russian opposition figure Alexei Navalny has died in prison.
— UN Human Rights (@UNHumanRights) February 16, 2024
The Russian authorities must ensure a credible investigation into Navalny's death & end the persecution of politicians, human rights defenders & journalists, among others.
وكان نافالني قد نقل في العام الماضي إلى السجن رقم 3 "الذئب القطبي" ذي النظام الخاص في دائرة يامالو-نينيتس التي تتمتع بالحكم الذاتي في شمال روسيا.
وبذلك، جرى تشديد نظام سجن نافالني، بعدما كان يؤدي عقوبة السجن لمدة تسع سنوات في قضية "احتيال" بالسجن ذي النظام المشدد رقم 6 في منطقة كوفروف في مقاطعة فلاديمير الواقعة شرقي موسكو.
لكن في أغسطس/ آب الماضي، حكم على نافالني بالسجن لمدة 19 عاماً مع أداء العقوبة في سجن ذي نظام خاص، لإدانته بإنشاء "جماعة متطرفة".
وخلال 12 عاماً مضت، مرت العلاقة بين السلطة الروسية ونافالني بمراحل مختلفة، راوحت بين السماح له بخوض سباق انتخابات عمدة موسكو في عام 2013، واستبعاده عن الانتخابات الرئاسية في عام 2018، وتعرضه لواقعة التسميم بغاز أعصاب يشتبه بأنه ينتمي إلى مجموعة "نوفيتشوك" سوفييتية المنشأ في عام 2020.
ومنذ عودته من ألمانيا في مطلع عام 2021 بعد رحلة علاج امتدت لأشهر واعتقاله في المطار عند وصوله، واجه نافالني تعديلاً لحكم سابق بالسجن مع وقف التنفيذ إلى السجن النافذ، وحكماً جديداً بالسجن المشدد مدة تسع سنوات بتهمة "التلاعب"، وصولاً إلى الحكم بسجنه 19 عاماً إضافية في أغسطس/ آب 2023.
ومنذ بدء مسيرته السياسية في حزب "يابلوكو"، عُرف نافالني بتوجهاته القومية التي أدت إلى استبعاده من الحزب الليبرالي، وسط مشاركته في ما عُرف بـ"المسيرات الروسية" وتظاهرات حملة "كفانا نغذي القوقاز" المناهضة للدعم المالي الهائل المقدم لجمهوريات شمال القوقاز الروسي، بما لا يتناسب مع مساهمتها الضرائبية في الميزانية الفيدرالية.
وفي نهاية عام 2011، أصبح نافالني أحد زعماء الحركة "من أجل انتخابات نزيهة" وشارك في التظاهرات التي خرجت في موسكو احتجاجاً على الانتهاكات في انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي، وأخرى رفضاً لعودة بوتين إلى الرئاسة في عام 2012، ليتحول إلى أحد رموز المعارضة "غير النظامية" الروسية.
وتعود شهرة نافالني في روسيا إلى نشاطه مدوّناً، وكتاباته حول استشراء الفساد في مؤسسات السلطات وكبريات الشركات الحكومية، وتأسيسه في عام 2011 "صندوق مكافحة الفساد" المعني بإجراء تحقيقات استقصائية في قضايا الفساد داخل النخبة السياسية الروسية ومحيطها.
ولعل أشهر التحقيقات التي أجراها الصندوق التابع لنافالني فيلمان وثائقيان اتَّهم أحدهما في عام 2017 رئيس الوزراء آنذاك دميتري مدفيديف بامتلاك أصول سرية، وحظي بنحو 46 مليون مشاهدة، والآخر حول قصر فاخر يزعم أنه أنشئ لبوتين في مدينة غيلينجيك المطلة على البحر الأسود، جنوبي روسيا. ومن اللافت أن الفيلم حول قصر بوتين نُشر في مطلع عام 2021 بعد أيام من عودة نافالني من ألمانيا واعتقاله، وحظي بنحو 127 مليون مشاهدة، متصدراً بذلك مقاطع الفيديو في القطاع الروسي من "يوتيوب".