بعد توجه روسيا لإغلاق ممثلية الوكالة اليهودية "سخنوت" المعنية بتنظيم هجرة اليهود إلى إسرائيل، أمس الخميس، تتزايد المؤشرات لانزلاق العلاقات الروسية الإسرائيلية لمزيد من التدهور الذي تمر به على خلفية انحياز تل أبيب لكييف ومعارضتها العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وتقدمت مديرية وزارة العدل في موسكو إلى محكمة حي باسماني في العاصمة، أمس الخميس، بطلب تصفية المنظمة غير التجارية "الوكالة اليهودية سخنوت". ويعود رفع الدعوى إلى انتهاك الوكالة للقانون الروسي عند مزاولة نشاطها، وفق ما كشفت عنه المحكمة دون التطرق إلى جوهر الاعتراضات.
وفي شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين، أجرت وزارة العدل مراجعة لـ"سخنوت"، ولكنها لم تكشف عن نتائجها. وتم تحديد يوم الخميس المقبل، 28 يوليو/تموز، موعداً للمرافعات الأولية حول دعوى الوزارة.
وتأسست وكالة "سخنوت" عام 1929 كجزء من المنظمة الصهيونية العالمية، وكانت مهمتها الرئيسية هي دعم هجرة اليهود من مختلف الدول إلى فلسطين، ثم إسرائيل بعد تأسيس الدولة العبرية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وكذلك التواصل مع الجاليات.
وبدأت "سخنوت" العمل في الاتحاد السوفييتي في عام 1989 حتى قبل افتتاح السفارة الإسرائيلية في موسكو بعامين. وتشرف الوكالة في روسيا على معسكرات للأطفال ومدارس يوم الأحد وبرامج تعليمية، بما فيها تلك المتعلقة بهجرة الشباب.
وبحلول اليوم، أصبحت القنصلية الإسرائيلية هي التي تؤدي الدور الرئيسي في قضايا الهجرة من روسيا إلى إسرائيل، بينما تقدم "سخنوت" استشارات حول قضايا الهجرة وتنظم رحلات مجانية إلى إسرائيل للمهاجرين.
وفي الوقت الذي لم تكشف فيه وزارة العدل عن تفاصيل اعتراضاتها على نشاط "سخنوت"، ذكرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أنها كانت متعلقة بمشكلة الأخطاء في جمع بيانات الروس وحفظها.
وفي تلك الأثناء، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي يئير لبيد عن إرسال وفد إلى روسيا للتحقق من ملابسات تصفية "سخنوت" والعمل بالوسائل الدبلوماسية على استمرار نشاط الوكالة.
ومع ذلك، اعتبرت الصحافية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط ماريانا بيلينكايا أنه لا يمكن الجزم بأن خطة إغلاق "سخنوت" ناجمة بشكل مباشر عن الانحياز الإسرائيلي لأوكرانيا، بل تندرج أيضاً ضمن تشديد القوانين الروسية المنظمة لعمل المنظمات غير الربحية لا سيما في حال كانت تمول من الخارج.
وقالت بيلينكايا في حديث لـ"العربي الجديد": "لم تقدم سخنوت خدمات لليهود الروس فحسب، وإنما أيضاً لأبناء الجالية اليهودية في العالم أجمع، وكانت تتولى أعمال إعادتهم إلى وطنهم التاريخي. تأسست ممثلية الوكالة في الاتحاد السوفييتي عام 1989، أي حتى قبل استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد وإسرائيل بعد عقود من التوتر. لكن بحلول الوقت الحالي، انحسر دور سخنوت في تقديم إرشادات وتوفير تذاكر طيران مجانية للمهاجرين".
وحول دور الخلافات الروسية الإسرائيلية بشأن الملف الأوكراني في إغلاق "سخنوت"، قالت: "لا يمكن الجزم بأن الموقف الإسرائيلي الداعم لكييف هو السبب المباشر لإغلاق سخنوت، إذ كان يتم جمع ملفات مخالفاتها منذ فترة طويلة، خاصة أن السنوات الماضية شهدت تشديداً لافتاً لضوابط عمل جميع المنظمات غير الربحية لا سيما تلك المتلقية للتمويل الأجنبي. لكن في الماضي كان يمكن تسوية الوضع على أعلى مستوى، وهذا الخيار غير متوفر اليوم".
وفي ما يتعلق بتأثير إغلاق "سخنوت" على العلاقات الروسية الإسرائيلية، لفتت إلى أنه "كون (سخنوت) منظمة رمزية هامة، سيؤثر إغلاقها سلباً على العلاقات، وقد بدأت تتعالى في إسرائيل أصوات منادية بإغلاق المركز الروسي للعلوم والثقافة في تل أبيب، كما أن القرار سيثير استياء الجالية اليهودية في روسيا وسيقلل من أنشطتها التي لا تقتصر على تنظيم هجرة اليهود".
من جهته، رأى مدير عام المجلس الروسي للشؤون الدولية أندريه كورتونوف أن تصفية "سخنوت" تجري على خلفية الفتور في العلاقات الروسية الإسرائيلية، متوقعاً تحسنا لها في حال عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الوزراء بعد انتخابات الكنيست في ظل علاقته الشخصية الوطيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال كورتونوف في تعليق لصحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الروسية: "تشهد العلاقات الروسية الإسرائيلية خلال الفترة الأخيرة فتورا بسبب الأوضاع في أوكرانيا وسورية. ولكن هذا التوجه تبلور منذ فترة طويلة".
وأضاف: "تجري تصفية الممثلية الروسية لـ(الوكالة اليهودية) المعروفة أيضا باسمها العبري (سخنوت)، في ظروف الوضع غير المستقر للعلاقات الروسية الإسرائيلية".
وأوضح الخبير الروسي أن لبيد يواصل النهج الموالي للغرب لسلفه نفتالي بينت، الذي كان لبيد وزيرا للخارجية في حكومته، متوقعا في الوقت نفسه ألا يؤدي حظر عمل "الوكالة اليهودية" في حد ذاته إلى تدهور كارثي للعلاقات.
واعتبر كورتونوف أن التطور اللاحق للوضع يعتمد على نتائج انتخابات الكنيست الإسرائيلي المقرر إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، قائلا: "إذا بقي يئير لبيد رئيسا لوزراء إسرائيل، فمن المؤكد أن العلاقات الروسية الإسرائيلية لن تتحسن. إذا عاد بنيامين نتنياهو إلى كرسي رئيس الوزراء، فإن الوضع قد يكون مختلفا. نتنياهو وفلاديمير بوتين تربطهما علاقة ثقة منذ فترة طويلة، ويمكن أن نأمل في تقدم ما".
وبدوره، لفت رئيس المؤتمر اليهودي الروسي يوري كانير إلى وجود ممثليات "سخنوت" في أي بلد توجد به جالية يهودية، قائلا لصحيفة "كوميرسانت": "هناك سابقة واحدة فقط، وهي إيران التي توجد فيها جالية يهودية بلا ممثلية لـ(سخنوت). (سخنوت) أكبر عمرا من دولة إسرائيل، وهذه المنظمة تحظى باحترام كبير في إسرائيل. الرئيس الإسرائيلي الحالي (إسحاق هرتسوغ) انتقل إلى كرسيه من كرسي رئيس سخنوت".
واعتبر كانير أعمال وزارة العدل "مظهرا لقوى ما مناهضة لإسرائيل في الإستبلشمنت الروسي"، مضيفا: "أعتقد أن الوضع مع (سخنوت) ستتم تسويته بشكل أو بآخر مثلما تم احتواء الموقف المتعلق بتصريحات سيرغي لافروف حو أصول هتلر".
وبذلك تضاف قضية وكالة "سخنوت" إلى سجل حافل من مسائل لم تتم تسويتها بين إسرائيل وروسيا بدءا من الخلافات حول القضايا السورية والإيرانية والفلسطينية ووصولا إلى الخلاف القانوني حول ملكية كنيسة القديس ألكسندر نيفسكي في القدس التي تصر موسكو على تسمليها لروسيا منذ عام 2015.
ومنذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، اتسمت العلاقات بين موسكو وتل أبيب بمزيد من الفتور على ضوء التصويت الإسرائيلي ضد روسيا بالمحافل الدولية وحديث لبيد عن "جرائم حرب" روسية في أوكرانيا، وقابله حديث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن "أصول يهودية" لزعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر. ووصل الأمر إلى عدم توجيه بوتين برقية تهنئة إلى لبيد بمناسبة توليه مهام منصبه.
ومن بين الملفات الأخرى التي فاقمت الخلافات بين موسكو وتل أبيب، تزايد الضربات الإسرائيلية على سورية، بما في ذلك تلك التي استهدفت مطار دمشق الدولي وأسفرت عن تدمير مدرجه، وزيارة وفد حركة "حماس" الفلسطينية إلى موسكو، واختيار عدد من المعارضين الروس إسرائيل وجهة لهم بعد مغادرة الأراضي الروسية.