إفلاس صيدليات "19011": فشل اقتصادي جديد للمخابرات المصرية

11 يونيو 2022
صيدلية في القاهرة، نوفمبر 2016 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

أعاد حكم المحكمة الاقتصادية بإشهار إفلاس شركة "ألفا" المالكة صيدليات 19011 الجدل حول اسم نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ضابط المخابرات محمود السيسي، إذ تردد اسمه كمالك لسلسلة الصيدليات أثناء تأسيسها.

كما أكد الحكم فشل سياسة النظام المصري في تمكين القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من الأنشطة الاقتصادية المختلفة، والسيطرة التامة على أي قطاع يدر أرباحاً مالية، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية عنيفة.

وقالت مصادر خاصة، لـ"العربي الجديد"، إن السلطات المصرية تلقت، عقب الإعلان عن التأسيس، عدداً من الاستفسارات من هيئات مالية دولية، بل ومن ممثلي دوائر سياسية في الولايات المتحدة ودول غربية، حول ما إذا كان نجل الرئيس هو بالفعل المالك الأصلي للشركة.

ولم تكن الأجوبة المصرية مقنعة بما يكفي لنفي ما سربته هيئات شبه رسمية، من أن افتضاح ذلك، من خلال سجلات هيئة الاستثمار ومصلحة الشركات، دفع الأجهزة إلى البحث عن صيدلي شاب يحمل اسم محمود السيسي، والاتفاق معه على أن يكون واجهة للمخابرات العامة في الشركة برفقة اثنين من الصيادلة الآخرين، على أن يظهروا مع الإعلامي عمرو أديب لنفي الصلة بين نجل الرئيس وسلسلة الصيدليات.

إفلاس صيدليات "19011"

وكشفت مصادر في شعبة الصيدليات بالاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، لـ"العربي الجديد"، أن رئيس مجلس إدارة شركة "ألفا لإدارة الصيدليات" أحمد الأنصاري، وسبعة من الصيادلة المالكين لسلسلة صيدليات "19011" التابعة للشركة، بينهم نعيم الصباغ ومحمود السيسي، خرجوا من مصر تباعاً قبل أيام قليلة من إصدار محكمة القاهرة الاقتصادية حكماً بإفلاس الشركة، وتعيين أمين عام للتفليسة لتسلم جميع أموالها وتحصيل حقوقها وسداد التزاماتها.

وأفادت المصادر بأن الأنصاري والصباغ والسيسي سافروا إلى العاصمة البريطانية لندن، بعد إغلاق مقر شركة "ألفا" في ضاحية التجمع الخامس الراقية في القاهرة، هرباً من المديونيات المتراكمة على الشركة لدى البنوك وشركات توزيع الدواء، والتي تقدر بـ7.5 مليارات جنيه (نحو 400 مليون دولار)، على خلفية افتتاح نحو 300 فرع لصيدليات "19011" خلال أقل من 3 سنوات.


أنشأت المخابرات العامة شركة "ألفا لإدارة الصيدليات"، بغرض احتكار سوق الدواء

وعلى الرغم من الدعم الإعلامي والسياسي الواسع لمشروع سلسلة الصيدليات، عبر التجاوز عن مخالفات قانونية جسيمة حدثت في تأسيس المشروع، والحملة الإعلامية التي نُظّمت عبر قنوات وصحف تابعة للمخابرات، إلا أن أي صوت رسمي أو إعلامي لم يظهر بعد الإعلان عن إفلاس الصيدليات التابعة للمخابرات العامة.

وأنشأت المخابرات العامة شركة "ألفا لإدارة الصيدليات" بغرض احتكار سوق الدواء، بالاستحواذ على سلسلة صيدليات "رشدي" وصيدليات "علي إيمدج"، وسط حملة دعائية غير مسبوقة في سوق الدواء، بهدف تخطي سلسلة صيدليات "العزبي" العاملة في البلاد منذ سبعينيات القرن الماضي، وتمتلك نحو 150 فرعاً، غير أنها سرعان ما واجهت فشلاً ذريعاً نتيجة تراكم مديونياتها.

وتمثل قصة صيدليات "19011" فصلاً جديداً من فصول الفشل الممتد للمشروعات التي أسستها وسيطرت عليها المخابرات العامة وغيرها من الأجهزة، بوسائل مختلفة، ومنها الضغط على رجال الأعمال والمستثمرين وابتزازهم وتخويفهم.

ووصل الأمر إلى حد اعتقال بعضهم وسجنهم، مثل رجل الأعمال البارز صفوان ثابت ونجله سيف، وقبله رجب السويركي صاحب سلسلة متاجر "التوحيد والنور".

وقبل سلسلة الصيدليات، عانت شركات تابعة للجيش والمخابرات العامة من خسائر فادحة، وعلى رأسها "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية" التي سيطرت على الغالبية العظمى من القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع، بالإضافة إلى احتكار قطاع الإنتاج الدرامي، ثم أعلنت بعد ذلك عن تحقيقها خسائر، وقرارها إعادة هيكلة الشركة، وإطاحة رئيسها تامر مرسي. وبالنسبة للقوات المسلحة، دخل الجيش في مشروعات كبرى فشلت بعد ذلك، مثل مشروعات الاستزراع السمكي، وغيرها.

وفي سبتمبر/ أيلول 2019، أثار ظهور رئيس مجلس إدارة سلسلة صيدليات "19011" نعيم الصباغ برفقة اثنين آخرين من الصيادلة، ومنهما محمود السيسي، في حلقة متلفزة مع الإعلامي الموالي للنظام عمرو أديب، حالة من الغضب لدى الرأي العام المصري، بعد تهكم الصباغ على محاولات الشباب المستمرة للبحث عن فرصة عمل مناسبة، بقوله: "اللي وصل 35 سنة من الشباب ولسه فقير، يستاهل يفضل فقير".

وجاء ظهور الصيادلة الثلاثة مع أديب رداً على ما قيل حول كون محمود، نجل الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو المالك الأصلي لسلسة الصيدليات.

أسباب انهيار صيدليات "19011"

وعزت المصادر الانهيار السريع لسلسلة صيدليات "19011" إلى اتباع إدارتها سياسة توسعية تعتمد على ما يعرف بـ"حرق الدواء"، الذي يتمثل في شراء كميات كبيرة من الأدوية من شركات التوزيع بنظام "الآجل" على فترات بين 3 و6 أشهر، وبنسبة خصم تبلغ 20 في المائة، ثم بيعها لمخازن الدواء "كاش" بنسبة خصم أعلى (30 في المائة)، واستغلال السيولة المالية الناتجة عن البيع في افتتاح فروع جديدة.

وتابعت أن شركات توزيع الدواء الأكبر في السوق المصري، مثل "المتحدة للصيادلة" و"ابن سيناء فارما"، لديها مديونيات تجاوزت مليار جنيه (نحو 54 مليون دولار) عند شركة "ألفا" التي أعلنت إفلاسها رسمياً، وبالتالي تحركت قضائياً للاستحواذ على مجموعة كبيرة من صيدليات "19011"، للاستفادة من "البضاعة" فيها في مقابل تصفية ديونها، إذ إن جميع فروع صيدليات "19011" كانت تعمل بنظام الإيجار الشهري، ولم تكن مملوكة لها.


قبل سلسلة الصيدليات، عانت شركات تابعة للجيش والمخابرات العامة من خسائر فادحة

وأمرت المحكمة الاقتصادية بوضع الأختام على محال تجارة شركة "ألفا لإدارة الصيدليات" الواردة في السجل التجاري من مركز رئيسي وفروع ومخازن، وأموال ثابتة ومنقولة، إلى حين الانتهاء من الجرد.

وانتُدب رئيس القلم التجاري في المحكمة لتنفيذ الحكم بشكل معجل، مشددة على عدم قبول دعوى الدائن بشهر إفلاسه بموجب دين مضمون بالكامل بتأمين عيني أو منقول مسجل، ما لم تكن قيمة الدين تزيد على قيمة الضمان.

وقررت الدائرة الرابعة في محكمة القضاء الإداري، يوم الأربعاء الماضي، تأجيل نظر قضية استحواذ "الشركة المتحدة" على سلسلة صيدليات "19011"، غير أنها سرعان ما واجهت فشلاً ذريعاً نتيجة تراكم مديونياتها، إلى 7 يوليو/تموز المقبل لتقديم صورة رسمية من الحكم بإفلاسها.

وكان الصيدلي والمحامي هاني سامح قد أقام دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، طالب فيها بمنع استحواذ "الشركة المتحدة" المالكة لسلسلة صيدليات "كير" على صيدليات "19011"، بسبب حظر ملكية الشركات للصيدليات بموجب قانون مزاولة مهنة الصيدلة، أو امتلاك شخص واحد أكثر من صيدليتين حماية للصيادلة من الممارسات الاحتكارية.

ولسنوات طويلة، اعتمد سوق الدواء في مصر على صيدليات صغيرة يمتلكها أفراد، لأن القانون لا يسمح بتملك الصيدلي أكثر من صيدليتين منعاً للاحتكار، إلا أن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت انتشار سلاسل الصيدليات بصورة كبيرة، ولعل أشهرها "العزبي" و"سيف" و"رشدي"، التي تحايلت على القانون بإنشاء شركات لإدارة الصيدليات تتعاقد مع صيادلة كثر لتسجيلها بأسمائهم في الأوراق الرسمية مقابل مبلغ شهري ثابت.