إقالات قيس سعيّد: ترتيبات تسبق الانتخابات الرئاسية التونسية؟

27 مايو 2024
سعيّد والفقي بعد أداء الأخير اليمين كوزير للداخلية، مارس 2023 (حساب الرئاسة على فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الرئيس التونسي قيس سعيّد يجري تعديلًا جزئيًا على الحكومة، مستبدلًا وزيري الداخلية والشؤون الاجتماعية ومعينًا كاتب دولة للأمن الوطني، في خطوة تأتي وسط تصاعد الاحتجاجات والملاحقات القضائية.
- سعيّد يعزز سلطته بإقالات متتالية للمسؤولين، مما يعكس تحوله إلى حاكم مطلق بموجب الدستور الجديد الذي صاغه، ويثير تساؤلات حول دوافع هذه الخطوات قبل الانتخابات الرئاسية.
- التحليلات تشير إلى أن هذه الإقالات قد تكون محاولة لإعادة تشكيل الحكومة استعدادًا للانتخابات أو تحميل المسؤولين مسؤولية الاضطرابات، مرسلة رسائل حول نوايا سعيّد وتوجهاته السياسية في مرحلة حاسمة.

أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، إجراء تعديل جزئي على الحكومة، مساء أول من أمس السبت، غيّر بمقتضاه وزيري الداخلية كمال الفقي، والشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، عدة ردود، إذ وضع مراقبون إقالات قيس سعيّد في سياق التمهيد لمرحلة الانتخابات الرئاسية التونسية بينما عدّها آخرون محاولة لتهدئة الأوضاع في تونس، بعد تصاعد موجة الاحتجاجات بسبب كثرة الملاحقات والمحاكمات التي تواترت في الأسابيع الأخيرة، وتوسع دائرة المنتقدين داخل البلاد. وعُيّن خالد النوري خلفاً للفقي، وكمال المدوري خلفاً للزاهي، كما عُيّن سفيان بن الصادق، كاتب دولة لدى وزير الداخلية مكلفاً بالأمن الوطني. وكان سعيّد قد أصدر قراراً في مارس/آذار 2023 بتعيين الفقي وزيراً للداخلية خلفاً لتوفيق شرف الدين. وتولى الفقي بين عامي 2021 و2023 منصب والي العاصمة تونس. أما الزاهي فقد شغل منصبه الوزاري منذ أكتوبر/تشرين الأول 2021، في حكومة نجلاء بودن.

تاريخ من إقالات قيس سعيّد

ولم تتوقف سلسلة إقالات قيس سعيّد للمسؤولين منذ سيطرته على الحكم وتحوّله بفعل الدستور الجديد الذي كتبه بنفسه إلى حاكم مطلق، لا ينتظر موافقة برلمان أو سلطة مراقبة، إذ إن النظام السياسي الجديد أصبح نظاماً رئاسياً مطلقاً يُمكّن الرئيس من اتخاذ القرارات من دون انتظار مصادقة أو مباركة أي جهة. وكان سعيّد عيّن نجلاء بودن رئيسة حكومة (أول امرأة تتولى المنصب) في سبتمبر/أيلول 2021، ثم أقالها في أغسطس/آب 2023 وعين أحمد الحشاني بدلاً منها. وتتالت سلسلة إقالات قيس سعيّد للوزراء والمحافظين والكوادر في الدولة. ومن بين المُقالين في حكومتي بودن والحشاني، وزير الخارجية عثمان الجرندي، ووزير الداخلية توفيق شرف الدين، ووزيرا التعليم محمد علي البوغديري وفتحي السلاوتي، ووزيرة التجارة وتنمية الصادرات فضيلة الرابحي، ووزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي، ووزير النقل ربيع المجيدي، ووزيرة الثقافة حياة قطاط، والمتحدث السابق باسم الحكومة نصر الدين النصيبي، وكاتبة الدولة لدى وزير الشؤون الخارجية المكلفة بالتعاون الدولي، عايدة حمدي، وعدد كبير من المحافظين. ولم تشمل إقالات قيس سعيّد المسؤولين في الحكومة وإطارات الدولة فقط، بل سبقتها إعفاءات واستقالات من بين المستشارين في القصر، أبرزهم نادية عكاشة وعبد الرؤوف بالطبيب. لكن إقالة الفقي والزاهي المفاجئة أثارت الاستغراب، لكونهما من أقرب الشخصيات السياسية إلى سعيّد، ومن المنظّرين لما يسمى بمسار 25 يوليو/تموز 2021، تاريخ تعليق الرئيس التونسي الدستور وبدء العمل بإجراءات استثنائية تم بمقتضاها حل الحكومة وتعليق البرلمان.

علي زرمديني: سعيّد ربما بدأ التمهيد للرئاسيات التونسية
 

وشغل الزاهي منصب منسق حملة قيس سعيّد في الانتخابات الرئاسية التونسية السابقة في عام 2019 في ولاية منوبة، وهو مقرب من الاتحاد العام التونسي للشغل، باعتباره من عائلة نقابية في محافظة قفصة، جنوبي البلاد، المعروفة بنضالها النقابي على مر العقود، وهو ما فسر توليه حقيبة الشؤون الاجتماعية المعنية بالفئات الاجتماعية والحوار بين العمال ورجال الأعمال. أما كمال الفقي، الملقب بـ"ستالين" (نسبة للزعيم السوفييتي جوزيف ستالين) بسبب انتمائه اليساري، فهو زوج الناشطة السياسية سنية الشربطي، وهي من أبرز الناشطين والمؤسسين لمشروع قيس سعيّد وأحد عناصر حملته الرئاسية لعام 2019. كما أن في هذه الدائرة من المقرّبين، شخصا ثالثا هو رضا المكي، المكنى بـ"رضا لينين"، نسبة لنشاطه السياسي في الجامعة التونسية في ثمانينيات القرن الماضي والمتبني للفكر الماركسي الذي أسسه الزعيم السوفييتي فلاديمير لينين.

دور الانتخابات الرئاسية التونسية

وحول إقالات قيس سعيّد، رأى الخبير الأمني المتقاعد من الحرس الوطني، علي زرمديني، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "التحوير الجزئي كان مفاجئاً، خصوصاً أن وزير الداخلية كمال الفقي لم يكن حوله لغو"، معتبراً أن "الرئيس ربما أراد الدخول في مرحلة جديدة تمهيداً للانتخابات الرئاسية التونسية المقبلة (المنتظرة في سبتمبر/أيلول المقبل أو أكتوبر/تشرين الأول). وهو ما يفسر اختيار سعيّد وزير داخلية غير معروف، إذ تقلد خالد النوري منصب محافظ أريانة". وأشار زرمديني إلى أن "تعيين كاتب دولة للأمن يطرح عدة أسئلة، فهل سيكون مسؤولاً عن الأمن الوطني بجناحيه، حرس وشرطة، وهي تجربة محدودة تمت في فترات سابقة، أم أنه سيكون مسؤولاً عن الأمن ككل والشرطة؟". وبرأي زرمديني، فإن "المرحلة المقبلة هي مرحلة الانتخابات الرئاسية التونسية وربما أراد الرئيس توجيه رسائل طمأنة"، مؤكداً أن "الرسالة قد تكون موجهة للحقوقيين أساساً، كما أنه سيتم إعطاء نفس جديد لوزارة الداخلية من خلال تعيين محافظ أريانة وزيراً، وقاضياً على رأس الأمن الوطني". ولفت إلى أن "المرحلة المقبلة مفصلية في الانتخابات الرئاسية التونسية ومهمة"، موضحاً أن "الرسائل سياسية بامتياز، وهي خطوة ليست متأخرة ولكنها مفاجئة، إذ أنها لم تكن منتظرة، وقد تكون محاولة لتهدئة الخواطر".

قاسم الغربي: كأن سعيّد حمّل الفقي مسؤولية أحداثٍ أخيرة
 

وفيما تبقى هناك فرضية أخرى وهي أن الفقي والزاهي قد يكلفان بمهام أخرى، قال المحلل السياسي قاسم الغربي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إن "هناك قراءة تتعلق بوزير الداخلية كمال الفقي، وكأن رئيس الجمهورية يحمّله مسؤولية الأحداث في الفترة الأخيرة، من اقتحام دار المحامي في مناسبتين، وطريقة الاقتحام والتوقيفات التي حصلت أخيراً وهي مخالفة للقوانين، مما ساهم في تأجيج الأوضاع"، موضحاً أنه "من الواضح أن رئيس الجمهورية يحمّل وزير الداخلية المسؤولية". وأضاف الغربي أن "هناك تياراً مسانداً لرئيس الجمهورية، يبدو أنه غيّر موقفه، وبالتحديد حزب الوطد (حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد) الذي يبدو أن موقفه تغيّر من رئيس الجمهورية"، مؤكداً أن "الفقي منتمٍ لوطد والمسألة ليست خفية". أما بشأن الزاهي، فاعتبر الغربي أنه "قريب أيضاً من الوطد، وبالتالي فإن رئيس الجمهورية قد يكون قرر التخلص من التيارات التي أصبحت معارضة له". ولفت إلى أنه "يستبعد أن تكون هناك علاقة مع الانتخابات الرئاسية التونسية لأنه لو كان كذلك لأبقى سعيّد على وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي، لأنه من المقربين منه".