مع إعلان الولايات المتحدة سحب جميع قواتها من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر/أيلول المقبل، بدأت الأوضاع تتغير بسرعة في البلاد، إذ وسعت حركة "طالبان" من رقعة سيطرتها خلال الشهرين الماضيين، وهي تدعي أنها سيطرت على 150 مديرية من أصل 388، ما جعلها تستحوذ على 85 في المائة من أراضي أفغانستان، وهو الأمر الذي رفضته وزارة الداخلية الأفغانية. أما الحكومة الأفغانية فظهر أنها تتصرف بشكل عشوائي وغير مدروس، بعد استسلام مئات من عناصر الجيش والأمن للحركة، بالإضافة إلى إقدامها على تشكيل مليشيات يقودها أمراء الحرب وقادة الجهاد السابقون، ووضعها هذا الأمر في إطار الانتفاضة الشعبية ضد "طالبان".
شاه محمد: الخطر القادم بالنسبة إلى الهزارة ليس طالبان وإنما داعش
وبغض النظر عن الانتقادات الموجهة لتلك الخطوة من قبل زعماء القبلية والسياسيين، خصوصاً أنها لم تغير موازين القوة حتى الآن، فإن الملاحظ هو التزام زعماء أقلية الهزارة (المكون الشيعي في أفغانستان)، التي كانت الأكثر نشاطاً ضد الحركة خلال السنوات الماضية، الصمت حيال ما يحصل في البلاد، وتحديداً حول خطوة الحكومة بتحريك المليشيات. كما ساد الصمت حتى بين كبار المسؤولين في الحكومة من هذه العرقية، ومنهم النائب الثاني للرئيس الأفغاني محمد سروردانش، ومستشار الرئيس للشؤون السياسية زعيم حزب "الوحدة" حاجي محمد محقق، وذلك على الرغم من أن باقي السياسيين، وحتى معارضين للرئيس الأفغاني أشرف غني، وقادة الجهاد السابقين، أعلنوا وقوفهم إلى جانب القوات المسلحة، ومنهم القائد الجهادي عبد الرب رسول سياف، والرئيس السابق حامد كرزاي، ورئيس المجلس الأعلى الوطني عبد الله عبد الله، وزعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار.
وأثار سقوط مناطق تقطنها أقلية الهزارة، وبينها مديريتا سرخ بارسا وشيخ علي في وادي غوربند في إقليم بروان قرب كابول أخيراً، بيد "طالبان" دون أي معركة تساؤلات كثيرة، فيما تحدث مراقبون عن احتمال وجود توافق ما بين الحركة والهزارة. وقال المولوي شاه محمد، وهو من سكان وادي غوربند لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تفاهماً وتوافقاً حصلا بين حركة طالبان وبين أبناء الأقلية الشيعية. ولعل إيران قامت بهذا الدور، لأننا كنا نتوقع أن تقف تلك العرقية في وجه طالبان بقوة كما كانت في السابق. ولكننا لاحظنا أن أبناء تلك المناطق يرحبون بطالبان أكثر من أبناء مناطق أخرى، وهو أمر استغربه كثر، خاصة أولئك الذين يعرفون تاريخ الصراع بين الهزارة وطالبان، كون الحركة تياراً سنياً متشدداً". وأعرب عن اعتقاده بأن "التقارب بين طالبان وأقلية الهزارة يعود إلى علاقة إيران بطالبان. كما أن عداء تنظيم داعش كان من أهم الأسباب وراء التقارب والتفاهم بين هذا المكون العرقي وطالبان"، مشيراً إلى أن "تنظيم داعش كان يستهدف، خلال السنوات الماضية، أبناء عرقية الهزارة بشكل ممنهج وخطير، وكانت طالبان تدين كل تلك الاعتداءات وتتعاطف مع تلك العرقية. وبالتالي فإن الخطر القادم بالنسبة إلى الهزارة ليس طالبان وإنما داعش، ولعل إعلان الحركة مواجهة التنظيم يريح أبناء عرقية الهزارة كثيراً".
كما أحرزت "طالبان" تقدماً في إقليم باميان وسط البلاد، وهو مركز لأقلية الهزارة. وكتب المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، في تغريدة أمس الأول الإثنين، إن "قوات طالبان سيطرت على مقرين للجيش الأفغاني، وخمسة حواجز أمنية في مديرية كهمرد بإقليم باميان"، مضيفاً أن مسلحي الحركة باتوا يسيطرون على مناطق واسعة في الإقليم. وسبق أن تجول المولوي أمير خان متقي، مسؤول "الدعوة والإرشاد" وأحد أعضاء هيئة التفاوض في "طالبان"، في مناطق تقطنها عرقية الهزارة. وقال متقي، في تصريح أمام زعماء للأقلية أخيراً، إن الحركة ستقوم بحماية جميع المواطنين بلا استثناء، وستعطي حقوقاً للجميع، كما أنها تسعى إلى تشكيل حكومة إسلامية تشاركية، تضم جميع القبائل والعرقيات.
أكد قيادي في "طالبان" للهزارة أن الحركة ستقوم بحماية جميع المواطنين بلا استثناء
وتزامن هذا الأمر مع تقدم "طالبان" على الحدود مع إيران، حيث سيطرت على عدة مديريات في إقليم هرات المجاور لإيران، ومعبري إسلام قلعة والفارابي الحدوديين. وتشير كل تلك التطورات إلى وجود علاقات وطيدة بين الحركة وطهران، لا سيما أن الأخيرة جمعت "طالبان" والحكومة الأفغانية في العاصمة الإيرانية أخيراً.
وقال الأكاديمي والباحث عبد القادر عبد الله هروي، لـ"العربي الجديد"، إنه لا تخفى على أحد العلاقات الوطيدة بين إيران و"طالبان" ودعم طهران للحركة. وأضاف "كان السبب وراء ذلك، قبل اتفاق الدوحة (في فبراير/شباط 2020)، هو أن طالبان كانت تقاتل أميركا، وكان هذا في مصلحة إيران. وبقيت العلاقة بينهما بعد اتفاق الدوحة بين طالبان وواشنطن، مع اختلاف السبب، إذ إن إيران ترى أن الحركة أصبحت واقعاً مهماً في أفغانستان لا يمكن التغاضي عنه. كما تزعم طهران أن طالبان قد تصل إلى سدة الحكم، وبالتالي فإن العلاقات الجيدة معها ستكون في صالحها"، مشيراً إلى أن "الهزارة في الغالب يتبعون سياسات إيران في المنطقة". كما لا يستبعد هروي وجود توافقات بين العرقية والحركة، ما يشكل تحدياً كبيراً للحكومة الأفغانية.